على الرغم من انخفاض حدة العمليات العسكرية في مدن وقرى الساحل السوري وحالة شبه الهدوء التي تعيشها المنطقة أخيراً، إلا من بعض الانتهاكات والاعتداءات، لا يزال كثيرون من المدنيين بعيدين عن منازلهم وقراهم، وبعضهم لجأ إلى الأحراج والغابات رغم تطمينات الحكومة السورية ودعوتهم للعودة. وبعد إعلان وزارة الدفاع السورية يوم الاثنين الماضي انتهاء العملية العسكرية في الساحل السوري ضد فلول النظام السابق، لوحظ توقف الحملات العسكرية على قرى طرطوس واللاذقية، وترافق ذلك مع إقامة حواجز عسكرية لقوى الأمن العام في الطرقات الرئيسية المؤدية لهذه المناطق، لا سيما طريق طرطوس ـ اللاذقية الدولي. ولم تسجل اشتباكات مع مسلحين موالين للنظام السابق، ولم يعلن رسمياً عن سقوط أي قتلى من الأمن العام أو قوات وزارة الدفاع.
الانتهاكات في الساحل السوري
وقال المواطن بشار عيسى من ريف طرطوس لـ"العربي الجديد"، إن "الانتهاكات التي كان يرتكبها الجيش السوري ومسلحون موالون له توقفت بالمجمل في طرطوس، باستثناء مناطق قرفيص وحريصون والسن"، وهي قرى سكانها من الطائفة العلوية، موضحاً أن هناك مناشدات من الأهالي بوجود "فصيل متشدد" من مقاتلين أجانب هم من يقوم بعمليات سلب وحرق في المنطقة. وأضاف أن بعض حالات السرقة وإحراق الممتلكات سجلت بعد إعلان انتهاء العملية العسكرية في قرية حمام واصل بريف القدموس. وحول عودة الأهالي النازحين من قراهم في طرطوس، قال عيسى إن غالبية الأهالي لا يزالون في الأحراج منذ عدة أيام خوفاً من عمليات قتل، وسط غياب لكل مقومات الحياة من كهرباء ومياه ومواد غذائية.
أمجد سلطان: عسكريون رموا سلاحهم موجودون في قاعدة حميميم
من جانبه، قال محمد قاسم وهو من سكان مدينة بانياس، جنوبي طرطوس، التي شهدت انتهاكات في حي القصور طاولت مدنيين من الطائفة العلوية، إن الوضع ضمن المدينة عاد إلى الهدوء. وفي الريف، زار أنس عيروط، وهو أحد أعضاء لجنة السلم الأهلي التي عينها الرئيس السوري أحمد الشرع أخيراً، قرى تعنيتا وبارمايا واسقبلوه واستمع لشكاوى أهالي القرى، كما أوصل الخبز للمدنيين بعد أيام من انقطاعه عنهم. ورغم إعلان توقف العمليات العسكرية في الساحل السوري إلا أن آلاف المدنيين يقيمون في قرى اللاذقية بشكل متفرق في الأحراج البعيدة عن الطرق، خوفاً من تجدد الانتهاكات.
وحول استمرار وجود بعض الانتهاكات في هذه القرى، رغم قرار وقف العمليات العسكرية، قال أنس عيروط، وهو عضو في لجان المصالحة التي عيّنها الرئيس السوري أحمد الشرع لـ"العربي الجديد"، إن المجموعات التابعة لوزارة الدفاع انسحبت، وربما من غير المستبعد أن تكون بعض الانتهاكات ارتُكبت في هذه القرى من مقاتلين غير سوريين يعملون بمفردهم. وشدّد على أنه "سيجري التحقق من هذه الانتهاكات وملاحقة كل المسؤولين"، مؤكداً أن هناك جهوداً كبيرة يبذلها الأمن العام حالياً لإعادة الأمن لجميع أرجاء المنطقة.
وقالت الصحافية هند عباس، وهي من أهالي بلدة القطيلبية بريف جبلة، لـ"العربي الجديد"، أمس، إن المدنيين يتوزعون في الأراضي الزراعية والأحراج لليوم الرابع، من دون طعام أو شراب أو وسائل اتصال. وأكدت أن القرى الممتدة من حريصون حتى السن، مروراً بالقطيلبية، الراهبية، السلاطة تتعرض لاعتداءات متفرقة ومتواترة يتم فيها إحراق المنازل من قبل مجموعة مسلحة قالت إنها تابعة للجيش السوري. كما أكدت أن قرى الشير والشلفاطية بريف اللاذقية تشهد نقصاً كبيراً في كل المقومات الأساسية (طعام وحليب أطفال وملابس) بسبب احتراق المنازل، وهروب الأهالي إلى الأحراج والأراضي الزراعية.
والاثنين الماضي، ظهر محافظ اللاذقية محمد عثمان في مقطع مصور خلال زيارة قريتي صنوبر وإسطامو في ريف جبلة، ودعا جميع المدنيين للعودة إلى قراهم. وأكد أن الأمن العام لن يعتقل من خضع للتسوية سابقاً، والمطلوبون هم فقط من شاركوا في الأيام الأخيرة بالاعتداء على عناصر الأمن العام وقوات وزارة الدفاع. كما أجرى وزير الداخلية السوري، علي كدة، أول من أمس الثلاثاء، زيارة إلى مدينة جبلة وحي الدعتور في اللاذقية، والتقى عدداً من الأهالي والوجهاء للاطلاع على أوضاعهم والاستماع إلى شكاواهم. ومنذ اندلاع المعارك في الساحل السوري قبل نحو أسبوع، اختار مئات من سكان مدينة جبلة وقراها من الطائفة العلوية، اللجوء إلى قاعدة حميميم العسكرية الروسية. وزارت القاعدة خلال اليومين الماضيين عدة وفود رسمية وعسكرية تابعة للحكومة السورية من أجل إقناع الأهالي بمغادرتها والعودة إلى منازلهم بعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية، وسط رفض معظمهم ومطالبتهم بحماية روسية لهم أو حماية دولية.
بشار عيسى: بعض الاعتداءات حصلت بعد انتهاء العملية العسكرية
وقال مدير منطقة جبلة، أمجد سلطان، لـ"العربي الجديد" إن من بين الموجودين في قاعدة حميميم عسكريين رموا ملابسهم وأسلحتهم بعد الغدر والاعتداء على دوريات الأمن العام ومع اقتراب القوات الأمنية منهم لجأوا إلى القاعدة. وأكد سلطان أنهم أوصلوا تطمينات للأهالي ونقلوا لهم صورة الواقع الحالي في الخارج، مضيفاً أن نحو 3500 شخص دخلوا القاعدة وبدأ بعضهم الخروج على دفعات إلى منازلهم ومن بينهم مصابون ومرضى تم نقلهم لمستشفيات اللاذقية للعناية بهم. ونظم النازحون في القاعدة الروسية تظاهرة الأحد الماضي، طالبت بالحماية الروسية على منطقة الساحل أو تنفيذ الحماية الدولية. وقال المحامي السوري أمجد الغريب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن البعض بات يستغل قضية وجود القاعدة الروسية في الساحل السوري لترويج مطالب التدخل الروسي في المنطقة، مع بث الكثير من الشائعات التي تطالب النازحين إلى القاعدة بعدم مغادرتها حتى تحقيق مطلب الحماية الدولية.
إعادة الثقة وإزالة الخوف
وأكد الغريب أن هناك حاجة كبيرة حالياً لإعادة الثقة وإزالة الخوف من قلوب المدنيين من الطائفة العلوية بعد أن ترك الكثير منهم منازلهم وأحياءهم، والأمر يحتاج لأكثر من مجرد الزيارات الرسمية والعمل على إغاثتهم بداية وإطلاق حملات مساعدة لهم من محافظات أخرى، وتعزيز هذه الإجراءات بسياسة صارمة على الأرض تمنع عودة الانتهاكات، وتجرم الأعمال الطائفية. وأكد أن المضي في محاسبة مرتكبي الانتهاكات يوجّه رسالة مهمة للجميع في الدولة الجديدة، مفادها بأن القتل خارج القانون لا يمكن أن يمر من دون عقاب على عكس ما كان يحصل في عهد النظام السابق.
وفي أحدث البيانات، أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الأربعاء، ارتفاع عدد القتلى خارج نطاق القانون، منذ 6 مارس/ آذار الحالي حتى 12 منه في الساحل السوري إلى 878 قتيلاً. وقتلت فلول نظام الأسد، بحسب الشبكة، ما لا يقل عن 429 شخصاً؛ 204 أشخاص من عناصر قوات الأمن العام و225 مدنياً. أما القوى المسلحة المشاركة في العملية العسكرية ضد فلول نظام الأسد، التي شملت بحسب الشبكة، فصائل عسكرية، سكاناً محليين مسلحين (سوريين وأجانب) وعناصر الأمن العام، فقتلت ما لا يقل عن 449 شخصاً، بينهم مدنيون وعناصر من فلول الأسد منزوعو السلاح. وأشارت إلى أن الغالبية العظمى من هؤلاء قُتلوا على يد الفصائل العسكرية التي انضمت أخيراً إلى إدارة الأمن العام. وأشارت الشبكة السورية إلى أنّ من الصعوبة بمكان التمييز هنا بين المدنيين وفلول نظام الأسد الذين نُزع سلاحهم، لأن الفلول كانوا يرتدون ملابس مدنية. وبحسب الشبكة أيضاً، فإن "هذه الحصيلة لا تشمل القتلى من فلول نظام الأسد الذين قُتلوا في أثناء الاشتباكات، حيث لا يُعَدّ ذلك انتهاكاً للقانون".
Related News


