
لم يكد الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي يوقعان الاتفاق مساء الاثنين الماضي، حتى بدأت تظهر عقبات أمام إمكانية تطبيق اتفاق "قسد" ودمشق بحذافيره وبسرعة، إذ إن تركيا المتوجسة من قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، تمسكت بمواصلة العمليات ضد "قسد"، عبر شن غارات مكثفة على مواقع لهذه القوات في منبج، والتي كانت شنت حملة مداهمات في ريف دير الزور الشرق مستهدفة منازل شبان منضوين في صفوف الجيش السوري.
وبرز أمس الأربعاء تنفيذ سلاح الجو التركي غارات جوية باستخدام صواريخ شديدة الانفجار، استهدفت خلالها مواقع عسكرية تابعة إلى "قسد" في منطقة منبج بريف حلب الشرقي، شمال سورية، فيما أعلن مسؤول في وزارة الدفاع التركية، لوكالة رويترز، أن العمليات ضد المسلحين الأكراد في شمال سورية مستمرة. وقالت مصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، إن الطائرات الحربية التركية استهدفت بنحو 10 غارات، استخدمت خلالها صواريخ شديدة الانفجار، مواقع عسكرية تابعة لـ"قسد" في قرية الشواخ بريف مدينة منبج شرقي محافظة حلب، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى.
ولفتت المصادر إلى أن القصف التركي جاء رداً على اشتباكات عنيفة وقعت ليل الثلاثاء وفجر أمس الأربعاء بين "قسد" من جهة، وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا من جهة أخرى، على جبهة جسر قره قوزاق وسد تشرين في محيط مدينة منبج، شرقي محافظة حلب. وكانت الطائرات الحربية التركية نفذت ليل الثلاثاء سبع غارات مستهدفة مواقع لـ"قسد" في محيط سد تشرين بريف حلب الشرقي، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف القوات المستهدفة.
وكانت "قسد" قد شنت حملة مداهمات في ريف دير الزور الشرقي، استهدفت منازل عدد من الشبان المنضمين إلى صفوف الجيش السوري. وقال الناشط في دير الزور وسام العكيدي، لـ"العربي الجديد"، إن اشتباكات اندلعت بين الأهالي وأفراد دورية تابعة لـ"قسد" عقب مداهمتهم منازل مقاتلين من الجيش السوري دخلوا من بادية الشامية التي تُسيطر عليها قوات الحكومة السورية، إلى مناطق سيطرة الأكراد (بادية الجزيرة) عبر ضفاف نهر الفرات، دون تنسيق مسبق مع القوات الكردية.
استهدفت طائرات تركية بصواريخ شديدة الانفجار مواقع لـ"قسد" في ريف مدينة منبج
تواصل التوتر رغم اتفاق "قسد" ودمشق
وجاء تواصل التوتر على الرغم من توقيع الشرع وعبدي، في دمشق الاثنين الماضي، اتفاقاً يقضي بدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سورية في إطار الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية، والمطار، وحقول النفط والغاز، توجهت الأنظار إلى تركيا المعنية بشرق الفرات وتهدد دوماً بأعمال عسكرية تهدف إلى نزع سلاح "وحدات الحماية الكردية" باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتحظرها في البلاد. التوقيع على اتفاق "قسد" ودمشق الذي وصف بالإنجاز المهم، لاقى رد فعل إيجابياً من قبل أنقرة، حيث اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في إفطار في أنقرة، أول من أمس الثلاثاء، أن تطبيقه سيكون في خدمة سورية.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في بيان أمس الأربعاء، إنّ "الولايات المتّحدة ترحّب بالاتفاق الذي تمّ الإعلان عنه مؤخراً بين السلطات السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية لدمج الشمال الشرقي في سورية موحدة". وأكد دعم بلاده لعملية انتقال سياسي في سورية "تضمن حوكمة ذات مصداقية وغير طائفية"، باعتبارها المسار الأمثل لتجنب مزيد من الصراعات. وأضاف أن واشنطن ستواصل متابعة القرارات التي تتخذها الإدارة السورية، معرباً عن قلقه إزاء ما أسماه "أعمال العنف المميتة الأخيرة ضد الأقليات".
ورحب مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسن، على منصة إكس أمس الأربعاء، بالاتفاق، معرباً عن أمله أن "يُسهم في عملية انتقال سياسي أوسع وموثوق وشامل، تماشياً مع المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، بما في ذلك الدستور الجديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة".
مصادر تركية رفيعة المستوى تحدثت لـ"العربي الجديد" عن الرؤية التركية بشأن اتفاق "قسد" ودمشق خاصة أن أنقرة معنية به بأشكال عدة، وسبق أن كشفت عن خطط لتأهيل قوات الجيش السوري، مشيرة إلى أن الجو العام يفيد بتفاؤل إيجابي حذر، مشددة على أن أنقرة مهتمة بالتطبيق الكامل للاتفاق وما سيظهر على الأرض، أي أن النتائج هي الأهم. وأضافت أن "الاتفاق يتضمن الكثير من مطالب أنقرة، ولكن يجب ألا تبقى حبراً على ورق، بل يجب ترجمة ذلك على أرض الواقع". وتابعت أن "موقف تركيا واضح، والتعويل على الطرف الموقع، وهو تنظيم مصنف أنه إرهابي لا يعول عليه ودائم التراجع عن تعهدات سابقة، ومن المهم معرفة رأي العناصر التركية في (حزب العمال) الكردستاني، مثل فهمان حسين (اسم الحركي باهوز إردال) والمرتبطين به، حيث تراقب أنقرة هذه المواقف، وهل ستكون هناك خطوات منسقة بين أطراف هذه التنظيمات".
مصادر تركية: أنقرة مهتمة بالتطبيق الكامل للاتفاق وما سيظهر على الأرض
أنقرة مهتمة بالمادة الرابعة
وشددت المصادر على أن أنقرة مهتمة بالمادة الرابعة من اتفاق "قسد" ودمشق التي ترتبط باندماج جميع المؤسسات بالدولة السورية، على اعتبار ما تحمله من اعتراف بالحكم المركزي في دمشق، لكنها أشارت إلى أن هناك خشية من انتهاء "قسد" شكلياً وبقائها فعلياً بأشكال أخرى ما قد يؤدي إلى تقديمها مطالب تحت تهديد السلاح. ولفتت إلى أن أنقرة تراقب ما إذا ما كانت مسألة الاندماج العسكري ستراعي التراتبية العسكرية للقيادة من دون اللجوء إلى أي تحركات منفردة، مشددة على أن جميع هذه القضايا مهمة لمعرفة مسار التطبيق، موضحة أن دمشق لديها خطوط حمراء ترتبط بعدم وجود دولة داخل الدولة ولا جيش داخل الجيش، وهو ما تؤيده أنقرة.
وحول دور تركيا وموقفها في ما يتعلق بتأهيل الجيش السوري الجديد، قالت المصادر إن "مسألة إعادة تأهيل القوات المسلحة مسار مستمر ضمن مشاورات مع الحكومة في دمشق، وينتظر أن تقدم أنقرة على هذه الخطوات، وإن بدأت مسألة التأهيل ستكون لقوات الجيش (بمكوناته الحالية) لحين استكمال خطوات تنفيذ اتفاق "قسد" ودمشق وبناء عليه سيتم تطوير مواقف جديدة بخصوص تأهيل الجيش مع معرفة مصير القوى المسلحة لدى قسد". وأكدت المصادر أن "المادة الأولى من الاتفاق أيضاً مهمة بالنسبة لتركيا، وهي مسألة ضمان حقوق الأعراق والأقليات، بسبب مطالبة قسد بمحاصصة في الحكومة في المؤسسات كما يحصل في العراق، وهذه المادة تقطع الطريق أمام هذا الأمر".
أسباب فتحت الطريق أمام الاتفاق
ورأت المصادر أن هناك عدة أسباب فتحت الطريق أمام اتفاق "قسد" ودمشق بينها خطوات تركيا في مكافحة الإرهاب في العراق وسورية وقطع الطريق الواصل بين العراق وسورية أمام حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن الواقع الجديد في سورية ودور العشائر وضغوطها على "قسد"، معتبرة أن الجهود الدبلوماسية التركية ساهمت بسحب الأوراق من قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة في ما يتعلق بسجون تنظيم داعش، اضافة إلى أن اجتماع عمان لدول جوار سورية، وهي الأردن والعراق وتركيا ولبنان، أخيراً أدى دوراً مهماً في التنسيق بين الدول الخمس. واعتبرت أن كل هذه التطورات أجبرت عبدي على التوقيع على الاتفاقية بعد لقاء قائد قوات سنتكوم" الجنرال مايكل كوريلا.
ومن اللافت أن خطوة التوقيع على اتفاق "قسد" ودمشق جاءت بعد نحو أسبوعين من دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني بحل نفسه وإلقاء سلاحه، وهو ما اعتبرت السلطات التركية أنه يشمل "وحدات الحماية" الكردية في سورية، فيما ترك حزب "ديم" الكردي الأمر لقوات سوريا الديمقراطية. وعقب اتفاق "قسد" ودمشق قال الرئيس المشترك لحزب "ديم" التركي الكردي تونجر بقرهان، في مؤتمر صحافي في ديار بكر أول من أمس الثلاثاء، إنه "يمكن قراءة بناء سورية الديمقراطية في هذا الاتفاق، وهو ما سيجلب أكبر فائدة لتركيا"، موضحاً أن أعضاء في الحزب سيقومون بزيارة سورية قريباً، موضحاً أن اتفاق الشرع - عبدي سيسهل عليهم هذا الأمر.
وعن كيفية قراءة تركيا اتفاق الشرع - عبدي وإن كان لها دور فيه خصوصاً أنه يُنتظر منها إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد، قال الكاتب والباحث طه عودة أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن اتفاق الشرع - عبدي "مهم ويمثل تحولاً استراتيجياً في المشهد السوري بتوقيته ودلالاته، فهو جاء بعد أيام قليلة من أحداث الساحل السوري، وإعلان أوجلان التاريخي". وأضاف: "من دون شك تركيا كانت على اطلاع على اتفاق الشرع - عبدي والترحيب به جاء حذراً، لأن تركيا تنظر له بشكل إيجابي لكن الأهم هو تنفيذ آليات الاتفاق، والعديد من البنود". وأوضح أن "أنقرة توقفت عند البند الرابع في الاتفاق الخاص بدمج المؤسسات في الدولة، لكنها ستنتظر الفترة المقبلة" لمعرفة كيفية التطبيق.
وعن كيفية تعامل تركيا مع عناصر "قسد" في حال اندمجوا في الجيش الجديد، وتبددت المخاوف التركية بهذا الاتفاق، أعلن عودة أوغلو أن "المخاوف التركية لم تتبدد حتى اللحظة، فهناك بعض الأمور الغامضة. الاتفاق جيد ولكن هناك تفاصيل غير واضحة بشأن آليات التطبيق والاندماج وعودة الحكومة" لشمال شرق سورية. وأضاف: "عموماً أنقرة تراه مكسباً لها، خاصة أنه تحقق بعد فترة من إعلان أوجلان، إلا أنها تتريث لرؤية النتائج وهناك خشية من كسب الوقت من قسد والإدارة الأميركية، في ظل لقاءات مستمرة تتناول هذا الموضوع". واعتبر أن "العوامل الإقليمية والدولية ساهمت في التوصل إلى اتفاق الشرع – عبدي واعتقد أن تحديات كبيرة ستواجه الاتفاق والمتعلقة بالمطلب التركي بإبعاد العناصر الأجنبية في الكردستاني إذ إن عملية الدمج ستكون دقيقة جداً".
من ناحيته، قال الكاتب الكردي فايق بولوط، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا كانت مستاءة ولم ترغب بهذا الاتفاق، ولكنها وافقت، اعتباراً من فبراير/شباط الماضي وبوساطة أميركية وبريطانية، على الحوار بين الشرع وعبدي لحل المشاكل". وتابع: "أعتقد أنه يوجد عناصر منفلتة من تركيا والجيش الوطني لا تريد اتفاق الشرع - عبدي لكن هذا الأمر لا يمنع تطبيق الاتفاق، عبر اعتماد نموذج كردستان (العراق)، حيث تتمركز القوات الكردية والعراقية في منطقة واحدة".

Related News


