
تتعرّض تونسيات إلى العنف الرقمي من خلال خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤدّي إلى الحدّ من مشاركتهنّ في الحياة العامة ويساعد في خلق بيئة غير مرحّبة بالنساء، وفقاً لنتائج دراسة عرضتها اليوم جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات في تونس. وأظهرت الدراسة التي أنجزتها الجمعية التي تُعنى بحقوق الإنسان والبحوث، استناداً إلى رصد وجمع عيّنات ممّا يُنشَر ويُبَثّ على وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية في عامَي 2023 و2024، أنّ المدافعات عن حقوق المرأة يواجهنَ أكبر نصيب من "حملات الشيطنة"، ويوجَّه إليهنّ خطاب كراهية وتهديد، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تهميش دورهنّ في الإعلام والمجتمع.
وقدّمت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، المستقلة غير الحكومية، اليوم الأربعاء، تقريراً حول "الإعلام وخطاب الكراهية: تأثيره على النساء والأقليات في تونس"، بعد تحليل 181 مقطعاً عُرضت عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي. وأظهرت نتائج تحليل محتوى المقاطع المرصودة من ضمن العينة 99 حالة خطاب كراهية، طاولت بمعظمها النساء، إمّا بطريقة مباشرة عن طريق فتح نقاش يتعلّق بالمرأة وإمّا بطريقة غير مباشرة عن طريق الشتم بين الضيوف.
وقالت الناشطة التونسية غفران الفريجي في جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات لـ"العربي الجديد"، إنّ "خطاب الكراهية الموجّه ضدّ النساء وتعرّضهنّ للعنف السيبراني يؤدّي إلى تقييد حريّتهنّ في التعبير عن آرائهنّ. فكثيرات منهنّ يخشينَ التعرّض للإساءة أو التهديد عند مشاركتهن في النقاشات العامة، سواء عبر وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي". ورأت الفريجي أنّ "وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التلفزة لا تمثّل بيئة آمنة للنساء عموماً، وللمدافعات عن الحقوق النسوية خصوصاً"، مبيّنةً أنّ "الضغوط التي يتعرّضنَ لها تدفعهنّ إلى الانسحاب من هذه الفضاءات والاكتفاء أحياناً بالحضور السلبي؛ من دون إبداء أيّ رأي".
أضافت الفريجي أنّ الجمعية توصي بـ"ضرورة تحسين التشريعات التي تحمي النساء في الفضاء السيبراني ووسائل الإعلام، بما يجعل حضورهنّ آمناً وآراءهنّ مسموعة بالقدر الكافي". وتابعت: "سنرفع توصيات إلى السلطة تتعلّق بتعديل التشريعات بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتوفير برامج تدريبية متخصّصة للقضاة والشرطة حول كيفية التعرّف إلى خطاب الكراهية على الإنترنت، وجمع الأدلة الرقمية ومتابعة الجرائم الإلكترونية المتعلقة بها".
وأوضحت الناشطة التونسية أنّ "من الممكن أن يمثّل تجريم خطاب الكراهية ضدّ النساء رادعاً للحدّ من انتهاك حقوقهنّ المعنوية في الفضاءات الرقمية، ولا سيّما في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي". ودعت إلى "الاعتراف بهذا العنف المسلط على النساء شكلاً من أشكال الاضطهاد المبني على النوع الاجتماعي" . كذلك دعت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات في تونس إلى رصد وتوثيق حالات خطاب الكراهية ضدّ النساء والأقليات على الإنترنت، ونشر تقارير دورية حولها والضغط على الحكومة لتبنّي تشريعات فعّالة لمكافحة هذا الخطاب، وإطلاق حملات مناصرة لتغيير الخطابات التمييزية في المجتمع.
وفي عام 2021، كشفت دراسة استطلاعية أعدّها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة في شأن العنف الرقمي على موقع فيسبوك أنّ 51% من النساء اللواتي شملهنّ الاستطلاع تعرّضن لعنف لفظي، و24% لعنف جنسي. وبيّنت الدراسة كذلك أنّ 71% من مرتكبي العنف هم رجال، وأنّ 60% من النساء اللواتي يستخدمنَ موقع فيسبوك لا يشعرنَ بأمان في الفضاء الرقمي.
وتقرّ السلطات الرسمية في تونس بتعرّض النساء في البلاد للعنف في الفضاء الرقمي، وقد أطلقت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ العام الماضي حملة تحت شعار "ما تخلّيش الوحش يعيش" (لا تتركي الوحش يعيش)، بعدما اتّخذت الظاهرة أشكالاً عدّة وغير متوقّعة لاستهداف نساء ينشطنَ على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان الهدف من الحملة التي أطلقتها الوزارة، بمشاركة مركز البحوث والدراسات والتوثيق حول المرأة (كريديف)، الحدّ من مخاطر العنف الرقمي على الفتيات والنساء اللواتي يقعنَ ضحايا الابتزاز الذي وصفته الحملة بأنّه "وحش"، نتيجة سوء استخدامهنّ الوسائط الرقمية.
وقدمت الحملة التي أُطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة توصيات للفتيات والنساء اللواتي يستخدمنَ الفضاء الرقمي من أجل رفع نسب حماية حساباتهنّ والحدّ من اختراقات الحياة الشخصية للواتي يقعنَ ضحايا الابتزاز بسبب كشف معطيات أو معلومات شخصية يمكن أن تُستخدَم في خارج الأطر القانونية. وصنّف مركز الدراسات والبحوث والتوثيق حول المرأة، في منشوراته، الفضاء الرقمي بأنه "وحش يعيش ويكبر كلما توفّرت له فرصة اختراق الحياة الخاصة والسيطرة عليها، فيما يضعف ويندثر كلما اتّبعت مجموعة خطوات حماية".

Related News
