
أرشدتنا ظلالهم إلى الأرضِ الخفيضة.
يحرسونَ قبورَ ملوكٍ وادعين.
يصبُّون خمرَهم العتيقَ على مرجٍ مأكولٍ، ناظرينَ إلى السماءِ، تتقلّبُ في لذّتها الثقيلةِ، تفرجُ عن غيمةٍ بيضاءَ، يصلُ غيثها ميّتين في أرض كوثى* يُخرِجون، من سقوفِ قبورِهم، كفوفاً، خذلتْها مصافحاتٌ منهكةٌ بآثامِ الحروب، تردُّ التحية، مُلوّحةً، لعابرٍ رزين، ينهضهم من رقدةٍ أليمةٍ، يشرعون بتظهير ذبحهم بنارٍ أزليّة، ينتحبون، في صلاتهم، ينشدون حياة لا تبيد.
■ ■ ■
صامتون أبديّون،
يمسحونَ أجسادَهم بزيتِ المُلْكِ، المحفوظِ في قرونِ الأيائلِ، لتهربَ أرواحُ الشرِّ، تتّقي غضبَ إلهٍ شابٍّ، نالَ الممالكَ بغوايةٍ، أودتْ بسيّدهِ، في نزهةٍ، للقاءِ ربّةٍ، نزلتْ منَ الأعالي، ضيفةً، وحيدةً، تغويهِ، مشغوفاً، واقعَها، بعدَ انتظارٍ. تصاحبا ستَّ ليالٍ، سلبته في السابعةِ، عرشَه، فخرج نركالُ يذبحُ الناس في بابلَ، يشفي غليلها، ويعبرُ فخاخَ بواباتٍ نُصبتْ لهُ، ويعودُ محققاً نبوءته؛ يستعيدُ عرشَه، ويطوّبُ، في وليمةِ الآلهةِ، كبيرَهم الجديد.
■ ■ ■
في الأرضِ الخفيضةِ،
تركنا نذرَنا العهيدَ ينمو على قبرٍ حميمٍ، كتبنا، بظلّهِ، على عجائنِ الآجرِّ، أسماءَ رهطٍ ذابلينَ؛ لبثتْ أرواحُهم تجفُّ فيها، وزحفوا لضيافتِنا في حلمٍ أبكم، تلوكُ أفواهُهم، مرتعشةً، أنصافَ كلماتٍ محمومةٍ، أيقظتنا، وهجعوا يلفّهمُ الأنين.
■ ■ ■
في تلكَ الأرضِ،
دوّنّا، في قبيل الفجر، آثامَنا، بأصابعَ مطيّنةٍ، على كَرَبٍ عريضٍ، وجمعنا شعبَنا الذليلَ، شاهداً عندَ الجرفِ، فسادَ صمتٌ أجشٌّ في ظهيرةٍ بطيئة.
أوقدَ قساتُنا النارَ في أكوامِ السعفِ، يقطعونَ ويحرقونَ المعتمَ من التمائمِ، فاستعرَ نُواحُنا عُواءً مبحوحاً، تعثّرَ، قبلَ الوصولِ، في رحلتهِ العُضالِ، يتوسّلُ الغفرانَ من إلهينِ ضجِرين، يحرسانِ، طفلاً ينامُ في تابوتِ الطينِ، قربناهما.
* كوثى: تلٌّ في محافظة بابل بالعراق، جنوب بغداد. كان مقرّ عبادة إله العالم السفلي عند السومريين والأكاديين. نركَال: يُقدّر عمره بستة آلاف عام.
** شاعر وكاتب عراقي مقيم في هولندا

Related News
