
بعد ستة عقود على قيام ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢، يجب أن نتذكر مسؤولية النخبة الحاكمة في إعادة الإمامة من جديد، ممثلة بالحوثيين، وذلك من خلال تسليمهم العاصمة صنعاء والدولة دون قتال في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤.
لا ينبغي نسيان أو تجاهل هذه الحقيقة عند مناقشة أو تحليل ما جرى وصولاً للوضع الراهن، والاكتفاء بتحميل الحوثيين المسؤولية وحدهم لمجرد أنهم امتداد للحكم الثيوقراطي الزيدي الذي أطاحت به الثورة، وكأنهم انتصروا بالقتال، بينما لم يكن الأمر كذلك.
إن محاولة تجاوز وتغييب هذه الحقيقة يعني ببساطة إفلات النخبة الحاكمة من المسؤولية الدستورية والوطنية والأخلاقية، وتحويلها إلى ضحية تحت مبررات واهية، مثل تعرض بعضها للخديعة، وعدم إدراك خطورة مشروع وأهداف الإماميين الجدد، أو أخطاء الحسابات والأحقاد السياسية.
قد تنطبق مثل هذه المبررات على المواطنين من ذوي الوعي المحدود، لكنها لا يمكن أن تنطبق على من حكموا وخبروا السياسة وعرفوا تاريخ الإمامة، وكانوا يشاهدون الحوثيين يتحركون على الأرض بالقوة ويسيطرون هنا وهناك، دون أن يجعلهم ذلك يفهمون أهدافهم.
كيف يريد هؤلاء التنصل من المسؤولية وهم أصلاً لم يقوموا بالحد الأدنى منها بالدفاع عن مؤسسات الدولة المختلفة في المحافظات والعاصمة؟ وبدلاً من ذلك، تبنوا مبدأ الحياد وسيف السلم، وسلموا المعسكرات والدولة على طبق من ذهب، وكان لكل طرف في النظام السياسي حساباته وأهدافه.
قد يقول البعض إن هذا الأمر معروف، وهذا صحيح، ولكن قد يُذكر لتجنب الاعتراف بالمسؤولية ولتحميل الآخرين، وربما يذهب آخرون لتوثيق تاريخ أبعد لبداية عودة الإمامة. وما يهمنا هو أولاً التذكير بما جرى دون نقصان، وثانياً أن الإمامة عادت بفضل الحاكمين باسم الجمهورية، لا بقدراتها الذاتية أو قوتها العسكرية.
اليوم، وفي كل مرة يُتحدث عن وحدة الصف، يُقال إن الخلافات هي التي أعادت الإمامة، وينسى هؤلاء أن الخلافات كانت موجودة بين قيادات الجمهورية في حينها لأسباب مختلفة، ومع ذلك لم يفرّط أحدهم بها. وحتى في العقود التالية لم يصل الحال بين النخبة لنفس المستوى الذي حصل في ٢٠١٤، مما يجعل توصيف الخيانة هو الوصف المنطقي.
الخلافات جزء من طبيعة الصراع السياسي في أي نظام، وعندما يتجاوز أصحابها الأهداف المشروعة إلى حد التفريط بالدولة والحرية والديمقراطية، فهم شركاء في الخيانة.
لقد كان لكل طرف مصلحته في التحالف مع الحوثيين أو غض الطرف عن أفعالهم، وجميعهم يسخرون مقدرات الدولة والشعب لصالح تحقيق أهدافهم. وهذا يعني أنهم تجاوزوا قواعد الصراع السياسي المفهوم، وكان همّ كل طرف هزيمة الآخر، إما للانتقام ولو بهدم المعبد فوق الجميع، أو للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة.
التذكير بمسؤولية هؤلاء ليس ترفاً ولا عبثاً، بل من أجل فهم كيفية عودة الإمامة، والتأسيس لقواعد لا يجب تجاوزها مستقبلاً مهما كانت الخلافات، حتى لا تتكرر الأخطاء ونبقى في نفس الدوامة. فضلاً عن أن هذا النقاش يذكّر كافة الأطراف بمسؤولياتها وخطاياها، وأنه لا يمكنها تجاوز ذلك ما لم تستعد العاصمة والدولة من الإمامة.
والسؤال هو: هل الجميع استوعب الدرس حقاً؟ وهل اعترف بمسؤوليته بصدق وشجاعة دون مغالطة؟ وهل هناك إرادة صادقة بالفعل، لا بالكلام فقط، للتكفير عن الماضي واستعادة دولة الجمهورية، أم أن لا شيء من هذا كله؟
وأياً يكن الحال والجواب، ستبقى مسؤولية تخليص الشعب مما هو فيه على عاتق الذين أوصلوه إلى الجحيم، ولا يمكنهم الرهان على تضحياته دون القيام بواجباتهم على أكمل وجه. وحتى ذلك الحين، سيظل اليوم الذي عادت فيه الإمامة لعنة على من ساعدها ولو بكلمة، وهو يعلم حقيقتها وخطرها.
The post مسؤولية النخبة الحاكمة في عودة الإمامة appeared first on يمن مونيتور.
Related News
