
يمن مونيتور/ إفتخار عبده
بين وديانها الخضراء وسهولها المترامية، تختزن محافظة إب حكاياتٍ عن المجد والنضال على مر السنين؛ فهي ليست مجرد لوحةٍ طبيعية جمالية ربانية تأسر الناظرين؛ بل قلعة شامخةٌ رفضت- منذ القدم- أن ترضخ للظلم والاستبداد.
هذه السمة التي يتميز بها أبناء محافظة إب الشجعان ليست وليدة اللحظة؛ بل هي إرثٌ تاريخيٌّ جسدته لحظاتٌ حاسمة، أبرزها ثورة الـ26 من سبتمبر، حينما كان الشهيد علي عبد المغني، ابنُ مديرية السدة، القلب النابض لهذه الثورة، ذاك البطل الذي لم يكتفِ بالتخطيط وكتابة الأهداف لهذه الثورة الخالدة وصياغة بيانها؛ بل كان من أوائل من رووا بدمائهم أرض اليمن الطاهرة في سبيل الخلاص من الإمامة وإقامة دولة جمهورية.
الشهيد علي محمد عبد المغنى أكد سابقًا أن أبناء محافظة إب يترجمون أقوالهم إلى أفعال، وأن التحرر من الطغيان يسري في دمائهم كالنهر المتدفق، واليوم يؤكد بقية أبناء هذه المحافظة الصامدة أن الحرية تجري مجرى الدم في عروقهم، وأن الاستبداد مهما طال فلن يثنيهم عن موقفهم.
*حملاتُ اختطافٍ مسعورة وقلقٌ حوثي متزايد*
ومنذ انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة وحتى اليوم، يعمل أبناء محافظة إب على استعادة مجد آبائهم الذين دحروا إمامة الأمس، وذلك بمواجهة إمامة اليوم المتمثلة بهذه المليشيات، والتي بدورها تشعر بالقلق الكبير من الغليان الشعبي الحر في هذه المحافظة؛ ولهذا لجأت وتلجأ مرارًا وتكرارا إلى شن أكبر حملات اختطاف وأطول سلسلة اعتقالات ضد المدنيين من المعارضين لفكرها ومشروعها الدموي.
ومن الملاحظ أن حمالات الاعتقال التي تقوم بها المليشيات بالعادة تنشط في الأشهر التي تكون فيها المناسبات الوطنية( مايو- سبتمبر- أكتوبر- نوفمبر) وذلك من أجل إطفاء شعلة الاحتفال بالأعياد الوطنية وخاصة ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ومن إجل إخماد نار الكرامة والحرية التي تفور في دماء الأحرار هناك.
وفي رصدها لحالات الاعتقال، كشفت منظمة “رايتس رادار” لحقوق الإنسان، عن تنفيذ جماعة الحوثي حملات اعتقال واختطاف طالت أكثر من 480 مدنيًا في محافظة إب، خلال العامين والنصف الماضيين، بينهم نساء وأطفال، في واحدةٍ من أوسع موجات القمع التي تشهدها مناطق سيطرة الجماعة”.
وبحسب التقرير الذي رصدته المنظة، فقد” بلغت ذروة الاعتقالات في سبتمبر 2023، حين اختُطف 95 شخصًا خلال أربعة أيام فقط، من بينهم 11 طفلًا و6 نساء، على خلفية مشاركتهم في احتفالات الذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر”.
كما شهد سبتمبر 2024 حملات مشابهة اعتقل خلالها 250 شخصًا، بينهم 24 طفلًا، علمًا بأن حملات الاعتقال التي قامت بها المليشيات رافقتها مداهمات عنيفة للمنازل والمحال التجارية والمقار المهنية، وتخللتها اعتداءات جسدية ولفظية، بالإضافة إلى حالات اختفاء قسري وابتزاز مالي لعائلات المعتقلين.
وهذا العام وثّقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات خلال الفترة من 1 مارس حتى 20 يوليو 2025م، 83 حالة اختطاف في هذه المحافظة، بينها 9 حالات إخفاء قسري، وشملت الحالات 22 تربويًا، و12 طالبًا، و3 أطفال، و6 خطباء مساجد، و5 وجهاء اجتماعيين، و17 من الأطباء والأكاديميين والمحامين والموظفين.
وأكدت الشبكة أن المليشيات استحدثت 12 سجنًا سريًا في المحافظة، تمارس فيها التعذيب الجسدي والنفسي بشكل يومي، مشيرةً إلى أن المعتقلين يُنقلون إلى أماكن مجهولة وتُنتزع منهم الاعترافات تحت الإكراه، وسط تجاهلٍ تام للقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
*حالةُ استنفار حوثي وسجل مظلم بالاختطافات*
موقع” يمن مونيتور” التقى عددًا من الصحفيين والناشطين من أبناء محافظة إب، والذين عبروا عن سخطهم الكبير تجاه ما ترتكبه مليشيا الحوثي بحق أبناء محافظتهم، مؤكدين أن ما تقوم به هذه المليشيات لا يزيد أبناء المحافظة إلا ثباتًا على مبادئهم وتمسكًا بأهدافهم حتى الخلاص من هذا الكابوس الذي خيم على اليمن لأكثر من عقد من الزمن.
بهذا الشأن يقول الصحفي، علي اليفرسي” تصيب الحوثيين هستيريا كلما حال الحول على سبتمبر المجيد؛ لأن شباب محافظة إب يحولون ليالي وأيام سبتمبر كلها إلى أيام استنفار ورعب للحوثيين كل سنة”.
وأضاف اليفرسي لـ” يمن مونيتور” الحوثيون وبهذا الشهر بالتحديد يستنفرون مشرفيهم في كل حي ومديرية وعزلة وقرية لزيارة الأهالي والمشايخ والناشطين والوجاهات الاجتماعية، يهددونهم إذا أقاموا احتفال بمناسبة الـ26 من سبتمبر بالاعتقال والغرامات والتغييب في المعتقلات وغالبًا ما يكيلون لهم تهمَ التآمر مع إسرائيل ضدهم كنوع من التلفيقات التي تسوغ للحوثي في القمع والتنكيل بالمحتفلين بسبتمبر”.
وبحسب اليفرسي ففي” السنوات الماضية اختطف الحوثيون أكثر من 500 شاب وفتاة على خلفية الاحتفال بثورة ال26 من سبتمبر، وأغلبهم يتم التنكيل بهم وابتزاز أهلهم ماليًا بطريقة العصابات التي تختطف الناس ثم تطلب الفدية لتسلميهم”.
وأكد” يعلم الحوثيون أن إب تستبطن ثورات ونضالات ضد الإمامة في إرشيف تاريخها الممهور بدماء أبطالها وقاداتها ابتداء بثورة الفقيه سعيد ومرورًا بالشيخ حمود عبدالرب سنان.. ثم ثورة الشيخ محمد عايض العقاب… وهكذا وصولًا إلى ثورات اليوم التي ابتدأها الأديب والشاعر المناصل الشهيد نايف الجماعي وآلاف من الشهداء الذين توزعت أرواحهم الطاهرة في كل أرجاء اليمن”.
وواصل” تضحيات أبناء إب لا تقتصر على مواجهة الإمامة في محافظة إب وحدها، ولكن أبطال إب ضحوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل دحر الإمامة الجديد في العديد من المحافظات والجبهات، أبرزها تعز وصنعاء ومأرب والمخا وحجة وصعدة والحديدة والجوف وعدن والضالع ولهذا يتوجس الحوثيون خيفة من أبناء هذه المحافظة”.
*النضال ضد الإمامة إرث تاريخي*
في السياق ذاته يقول الصحفي محمود أبو راس” ونحن نعيش اليوم هذا الشهر العظيم وأجواء هذه الذكرى الوطنية الخالدة، ذكرة ثورة الـ26 من سبتمبر، نستحضر بكل فخر واعتزاز نضالات أبناء محافظة إب الأبية، الذين كانوا على الدوام في طليعة المدافعين عن الحرية والكرامة، منذ مقاومة الإمامة الكهنوتية الزرادشتية البغيضة، وحتى إشعال فتيل ثورة 26 سبتمبر المجيدة”.
وأضاف أبو راس لـ” يمن مونيتور” لقد كان الشهيد البطل علي عبد المغني، أحد أبرز العقول الشابة، الذي آمن بالتحرر، وقدم روحه الطاهرة فداءً للوطن، ليبقى اسمه منارة في ذاكرة الأحرار، ورمزًا للتضحية في سبيل الجمهورية والعدالة ومصدر رعب لإمامة اليوم”.
وأردف” منذ انقلاب الكهنوتية الجديدة عام 2014م، لم تتوقف إب عن تقديم التضحيات ،فقد واصل أبناؤها النضال ضد المليشيا الظلامية، وارتوت ترابها بدماء الأبطال، فيما لا تزال آلاف الأسر تعاني من اختطاف أو تهجير أبنائها في سجون القهر والظلام أوتهجيرهم داخل الوطن وخارجه”.
وتابع” تعمل مليشيا الحوثي على الاختطاف والتعذيب ومداهمة منازل المواطنين والتنكيل بهم في هذه المحافظة العظيمة، في محاولة يائسة لإخماد الثورة التي أشعلوها ضد هذه المليشيات منذ انقلابها على الدولة وحتى اليوم، لكن المليشيات لا تعلم أن أبناء إب لا يمكن أن تثنيهم هذه الحملات ولا يمكن أن تسكت الصوت الحر داخلهم، وأن النضال الذي بدأ عام 2014 لن ينتهي إلا بانتهاء هذه المليشيات”.
وواصل” إننا في هذه المناسبة العظيمة، نؤكد أن إب ستظل وفية لثورة سبتمبر، حارسة لمبادئها، وماضية في طريق النضال حتى استعادة الدولة، وعودة اليمن جمهوريًا حرًا، تسوده العدالة والمساواة، المجد للشهداء، والحرية للمختطفين، والنصر لليمن الجمهوري”.
*ثورةُ سبتمبر ستعود سيلًا جارفًا ونارًا تلتهم المليشيات*
بدوره أحد الناشطين من أبناء المحافظة (فضل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية) يقول” في الفترة الزمنية التي تسبق شهر سبتمبر، وخلال هذا الشهر تعلن مليشيا الحوثي حالة استنفار غير مسبوقة، اختطاف واخفاء قسري بسبب أو بدون سبب، تكثر الزيارات من قبل المشرفين للوجهاء والشخصيات الاجتماعية في أسلوب تحذيري من أي تحرك، ويتم متابعة المدارس بشكل مبالغ فيه”.
وأضاف لـ”يمن مونيتور” كثير من الشخصيات التي تم اختطافها وتغييبها من قبل المليشيات كانت شخصيات مؤثرة إما ناشطين مجتمعيين عرفوا باهتمامهم بمن حولهم، أو من المثقفين والتربويين الذين كانت لهم بصمات في تعليم الأجيال، والمؤسف أن أغلب الذين اختطفوا من الشخصيات المؤثرة لم يسمح لهم بالاتصال بأهاليهم ولا يسمح للأهل بزيارتهم، فقط هم يسمعون أخبارا غير مؤكدة عن نقلهم من سجن لآخر”.
وأردف” المليشيات بتصرفاتها المعادية هذه تشعر أنها ستعمل على إخماد الثورة المشتعلة ضدها أو ستعمل على تكميم الأفواه، وهي لا تدري أنها تزيد من إشعال النار ضدها، وتزيد من السخط الشعبي ضدها، فاليوم لا تجد من أبناء محافظة إب من يؤيد تصرف هذه الجماعة إلا من كان مندسًا فيها”.
وتابع” حتى وإن كان هناك نوع من الصمت أو محاولة التعايش مع الواقع؛ لكن السخط الشعبي تجاه هذه المليشيات يتزايد يوما بعد يوم خاصة في هذا الشهر العظيم الذي يتذكر فيه أبناء المحافظة تضحيات الآباء والأجداد في سبيل دحر الإمامة والتخلص من الاستبداد والظلم الإمامي”.
وواصل” ثورة سبتمبر ستعود بهذا الشهر أو بغيره وحينها لن ينفع المليشيات أي حذر والصمت الذي خيم تجاه تصرفاتها سيتحول إلى بركان عظيم وسيل جارف ونار تلتهمهم وتحرق تأريخم إلى حيث لا رجعة”.
The post محافظةُ إب.. ما بين دحرِ الإمامة القديمة ومواجهة إمامة اليوم! ( تقرير خاص ) appeared first on يمن مونيتور.
Related News
