تهجير مدينة غزة... النزوح يهدد نحو مليون فلسطيني
Arab
2 hours ago
share

بات أي حديث عن النزوح في قطاع غزة بمثابة فتح جرح غير ملتئم، فمئات آلاف العائلات ذاقت صنوفاً من المعاناة خلال مرات النزوح السابقة.

يلاحق النزوح سكان مدينة غزة من جديد في أعقاب تصريحات إسرائيلية تؤكد قرب احتلال المدينة ضمن خطة أوسع لاحتلال القطاع بالكامل تقابل برفض دولي، بينما يكرر أهالي المدينة القول: "إلى أين نذهب؟ سئمنا النزوح"، خاصة أنهم عاشوا الكابوس ذاته مراراً منذ اندلاع العدوان على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وكان وقع قرار مُصادقة الكابينت الإسرائيلي على قرار المضي قدماً في احتلال مدينة غزة صادماً على سكان المدينة المُحاصرة، إضافة إلى أنه أعاد إلى أذهانهم مشاهد القوافل البشرية التي نزحت مراراً طيلة 22 شهراً من الحرب، خصوصاً من شمالي القطاع إلى جنوبه، حين أُجبروا على ترك كل ما يملكون قسراً، وحين عاد معظمهم وجدوها قد سوُّيت بالأرض، ورافقت ذلك معاناة قاسية في مراكز الإيواء.
وكشفت قناة كان العبرية، قبل أيام، أن الخطة التي تمت المصادقة عليها تدريجية، إذ ستبدأ قوات الجيش بالعمل على السيطرة على مدينة غزة وتهجير سكانها إلى مخيمات المحافظة الوسطى ومناطق أخرى، وبعد ذلك يُفرض حصار شامل على المدينة، وتقوم القوات بالمناورة داخلها. ولفتت صحيفة هآرتس إلى أن التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية في غزة لم تثنِ الحكومة الإسرائيلية عن المضي في التصعيد، فيما يكتفي المجتمع الدولي ببيانات قلق لا تغير شيئاً على أرض الواقع.
من ناحيتها، تحذر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، من أن قطاع غزة لم يعد قادراً على استيعاب أي نزوح جديد، مؤكدة أن المخيمات مزدحمة، والمياه نادرة، والمرافق الصحية شبه معدومة، ويعتمد عشرات الآلاف على المساعدات الغذائية المحدودة التي تصل بشكل متقطع.
نزح الفلسطيني علي الشنباري (67 سنة)، من بيت حانون، شمالي قطاع غزة، وانتهى به المطاف بعد نحو عشر مرات نزوح للعيش مع أسرته المكونة من 16 فرداً داخل أحد فصول مدرسة شهداء الشيخ رضوان في مدينة غزة، يقول بصوت مُنهك: "لم يعد يفرق معنا الموت. أين نذهب هذه المرة؟ مناطق الجنوب مدمرة، وليس فيها صرف صحي ولا مياه. وضعنا مأساوي، والاحتلال يقتلنا ببطء".
يكرر الشنباري كما مئات آلاف النازحين الآخرين في غزة: إلى أين نذهب؟ ويضيف: "النزوح ليس انتقالاً اضطرارياً فقط، بل عملية استنزاف شاملة للجسد والنفس والذاكرة. النزوح أكبر من مأساة، وكأنك ذاهب إلى الموت. نعاني من أوضاعٍ معيشية صعبة، ولا نملك قوت يومنا، ولا نستطيع حتى توفير أجرة النزوح، لذا نتمنى ألا يتم اجتياح مدينة غزة مرة أخرى. على الأمتين العربية والإسلامية أن تخرجا عن صمتهما الطويل، فدمنا واحد، وكرامتنا واحدة".

منذ سماعها خبر إعلان إسرائيل نيتها احتلال مدينة غزة، دبّ الخوف في قلب الفلسطينية تحرير حسين، ولا تفارقها هواجس النزوح، لا سيّما أنها عاشت تفاصيله القاسية تسع مرات منذ بداية الحرب؛ تقول لـ"العربي الجديد": "كان أول نزوح لي مع عائلتي إلى منطقة تل الزعتر، شرق مخيم جباليا، ثم نزحنا إلى مناطق متفرقة في شمالي القطاع، إلى أن وصلنا حالياً إلى أحد مراكز الإيواء في حي الشيخ رضوان، غربي مدينة غزة".
وتصف قلقها منذ سماع أخبار التهجير الجديدة بالقول: "صار عندي همّ كبير، فأنا مريضة سكري، والتعرض للقصف أهون من النزوح. إذا صار نزوح ثان، فلا بد من توفير خيمة، وأمان، وأكل وشرب. النزوح أصعب من أي شيء. منزلي قصف، ولم يتبق منه أثر، ونعيش في خيمة، والبعوض والفئران باتت جزءاً من حياتنا اليومية منذ نزحنا إلى مركز إيواء الشيخ رضوان قبل عشرة شهور".
بدورها، نزحت فاطمة عزيز (39 عاماً)، من شمال غزة، ثم تكرر نزوحها ست مرات، وتقول لـ"العربي الجديد": "لن أغادر هذه المرة، فأنا حامل، والنزوح خطر كبير علي وعلى جنيني. منزلنا قصف، وفي النزوح السابق أصيبت ابنتي بأعراض شلل الأطفال وسوء التغذية. لا نملك مياه شرب أو طعاماً، وفي المرة الأخيرة طلبوا منا النزوح تحت الرصاص، وأصيب زوجي، وظل يعالج لثلاثة أشهر، وأولادي الأربعة مصابون، ولم يتلقوا علاجاً مناسباً حتى الآن. النزوح يعني استمرار الخوف والقلق، وحمل أغراض فوق طاقتنا، والعيش في أماكن لا تصلح لعيش البشر".

لا يختلف حال الفلسطيني عماد أبو عون (36 سنة)، كثيراً، إذ يعيش في خيمة إيواء بمنطقة ميناء غزة، وقد نزح خمس مرات سابقاً، ويقول: "النزوح صعب، ومجرد التفكير فيه يرهقني. في كل مرة نتعب من التنقل، والبحث عن مواصلات، ومع وجود الأطفال والزوجة يصبح الأمر مأساوياً. نتمنى ألا ننزح مرة أخرى، وألا يتم احتلال مدينة غزة".
ويتابع بصوت مقهور متحدثاً لـ"العربي الجديد": "ألا يكفي الحصار والتجويع والقتل والدمار والتشريد طيلة فترة الحرب؟ النزوح كارثة لا تتحملها طاقة الانسان، والأولى هو إنهاء الحرب من خلال الضغط العربي والإسلامي والدولي على إسرائيل".
انتهى مسار النزوح بالفلسطيني محمد رجب (37 سنة)، من بيت لاهيا إلى العيش في خيمة داخل أحد مخيمات النزوح في منطقة أنصار، جنوبي مدينة غزة، ويقول: "نزحت خمس مرات، وفي كل مرة نذوق صنوفاً من العذاب. نحن الآن في حالة إعياء كامل، ولا نقدر على التنقل، ولا نملك توفير أجرة النقل. الجنوب مكتظ، فكيف سيتنقل مليون شخص إلى هناك؟ قرارنا هو أننا لن ننزح، وسنبقى مكاننا، فقد سئمنا النزوح".
ويوضح رجب لـ"العربي الجديد" قائلاً: "الحرب خلّفت أوضاعاً صعبة جعلتني غير قادر على توفير لقمة عيش كريمة لعائلتي، إضافة لصعوبة الحصول على المياه في المنطقة التي نعيش فيها، وهذه المعاناة ستتضاعف في حال النزوح". 

ويقول الشاب حازم أحمد (19 سنة)، لـ"العربي الجديد": "أين سنذهب إذا احتل الاحتلال مدينة غزة من جديد؟ لا توجد إجابة لهذا السؤال، وقد سئمنا النزوح، ونخشى العودة إلى هذه المأساة التي رافقتنا على امتداد أشهر الحرب، ولا نريد رؤية أمواج النازحين كما كان الأمر في بداية الحرب".
وأمس الاثنين، استشهد ستة أطفال فلسطينيين، وأصيب آخرون، في قصف لجيش الاحتلال الإسرائيلي على حي الزيتون في مدينة غزة. وأفادت مصادر طبية في مجمع الشفاء الطبي، باستشهاد الأطفال الستة، وهم من عائلة واحدة، من جراء الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة على حي الزيتون، حيث أصدرت أوامر إخلاء قسري للمواطنين الموجودين في بعض مناطق الحي المدمر. 
واعتبر مدير مجمع الشفاء، الطبيب محمد أبو سلمية، أن اغتيال الجيش الإسرائيلي الصحافيين في استهداف خيمة قريبة من المجمع، مساء أول من أمس الأحد، هو "تحضير لارتكاب مجزرة كبيرة في مدينة غزة من دون نقلها إعلامياً. نخشى أن نموت ولا يسمع بنا أحد، وقتل إسرائيل الصحافيين يشي بأنها تخطط لشيء كبير".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows