كي تتذكر النساء أنهنّ لسن وحدهن
Arab
3 hours ago
share

أبدعت الكاتبة التونسية إيناس العبّاسي في مجموعتها القصصية "ليلة صيد الخنازير" في تصوير قسوة الحياة والظروف اليومية في هذه المجموعة القصصية، التي يستطيع القارئ منذ الوهلة الأولى أن يشعر من خلالها بدخول الكاتبة إلى حياته، والتحدث عمّا يعتقده سرًّا بينه وبين نفسه.

من خلال تسع قصص تضعنا العبّاسي في مواجهة قاسية وجريئة أمام ما يُؤلم هذا العصر، حيث تسرد لنا قصصًا تشبه قصص الكثير من قرائها من دون الحاجة إلى الصراخ.

تبدأ المجموعة القصصية بقصة عن صبيّ يعشق الموسيقى والرقص حتى يصطدم بجدار صلب من أفكار ومعتقدات بالية ترسخت في عقول الناس من دون مساءلة، فيتعرض للعنف الأبوي الذي يؤدي إلى كرهه لأحلامه. (ص. 6): "كرهتُ الموسيقى والرقص وهجرتهما. كرهتُ إحساسي بالعجز أمام ضربات أبي، وكرهتُه...".

في هذه القصة رسالة تدعونا إلى إيجاد حلول فعّالة لنحمي أطفالنا من كره ذواتهم والتخلي عن أحلامهم، فلولا الأحلام والآمال لم نكن لنكتب قصصًا يعتبر منها من يحتاج إليها كما يحدث الآن. تنتهي القصة التي عنونتها الكاتبة برقصة مايكل جاكسون لنجد أنفسنا محاصرين بتلك الأفكار التي نهرب منها، بدءًا من رفض واقع يستغلنا ويمتصّ دماءنا، إلى الأحلام الكثيرة عن الهجرة التي قد تلحقها عودة حتمية مريرة.

لا تكتفي العبّاسي في جعلنا نُعيد النظر والتفكير في أمور كثيرة نمرّ بها ونحن نتابعها وهي تكشف مصائر أبطالها بوضوح دون تعقيد أو تجميل. وكما جاء على لسان بطل قصة "ليلة صيد الخنازير" ص 20، التي حملت المجموعة عنوانها: "نمضي اليوم جميعنا، مثل سمك السلمون في نهر الزمن". ورغم أننا قطعنا شوطًا كبيرًا في محو الأمية الاجتماعية، إلا أنه في مكان ما لا تزال هناك امرأة تسمع باستمرار كلمات مثل "عيب، حرام، ممنوع لأنك أنثى وإلخ...".

قصة المرأة التي تحب المسلسلات التركية لم تتوقف عن إمطار رأسي بأسئلة يبدو لي من خلال هذه القصة أننا لم نجد لها أجوبة أو حلولاً حتى الآن مثل: لماذا لم يُعلّمنا أحد كيف نحمي أنفسنا؟ لماذا حُمّلنا منذ الطفولة عبء حماية اسم العائلة وشرفها؟ لماذا لا نتمكن من فعل شيء تجاه عالم يربّي الفتيات على الصمت، والفتيان على القسوة؟

القصص هنا ليست مكررة وليست مجرّد حكايات تُروى، بل هي قصص يعيش القارئ إحداها أو يعرف أحدًا يعيشها أو قد عاشها، فيشعر أثناء قراءته للمجموعة أنها موجهة إليه، وهذا ما يجعل هذه المجموعة القصصية خاصّة، وما يُميزها هو طريقة السرد الذكية التي استخدمتها الكاتبة التونسية إيناس العبّاسي في كشف الستار عمّا نعيشه بصمت.

في إحدى القصص ص43، تبدأ الكاتبة بجملة: "حين كنّا صغارًا، اعتقدنا أن العالم مكان آمن وصالح للحياة!".

الواقع ليس لطيفًا كما في الأحلام، وليست كل سفينة أو طائرة نستقلها نحو أحلامنا التي نود تحقيقها على أرض أخرى ستأخذنا حيث تخيلنا، وقد يكون ما نحاول مغادرته يحاول حمايتنا من أنفسنا، فنحن في كم محطة علينا أن نقف قبل أن نجد وجهتنا من دون أن نغرق في بحر من الندم!

في "ليلة صيد الخنازير"، تواصل الكاتبة فتح نوافذ متعددة في داخلنا كمن يدرك أن ما بين السطور أهم مما على السطر.

لا أعتبر إيناس العبّاسي مجرّد كاتبة تكتب لنا قصصًا لنستمتع بها، بل امرأة حكيمة تحمينا بلطف، من خلال سردها المشوّق الذي يجعل القارئ منغمسًا لساعات في قراءة متواصلة.

ورغم قلة عدد صفحات الكتاب، لكنه كثيف بقصصه وأحداثه. قصص قصيرة ولكنها حادة وموجعة. ففي قصة "مقلاتي المفضّلة"، قد يعتقد أي قارئ أنه نص كوميدي، لكنها في الحقيقة طريقة بطلة القصة في السخرية من وضعها الاجتماعي المرير، حيث تسرد لنا الكاتبة قصة امرأة عُنّفت فقط لأنها قالت "لا" للمرة الأولى في حياتها.

تقول الشخصية: "أذكر جيدًا، كيف كانت يده حول عنقي". وفي مشهد آخر أمام القاضي: "كانت مقلاتي المفضلة، فالطعام لا يلتصق بها أبدًا."

نجحت الكاتبة في تحويل تفصيلة يومية بسيطة، من أداة رعاية إلى أداة للإيذاء من دون أن تصرخ. شاركتنا العبّاسي مجموعة قصصية رائعة وكثيفة، بسرد لا يعرف له الملل طريقًا. هذا الكتاب لا يُقرأ للمتعة فقط، بل لأنه ضروري. موجَّه إلى النساء اللواتي يحتجن إلى مثل هذه التوعية الاجتماعية. وبدوري، أقول لكل امرأة تقرأ هذا المقال: قولي "لا". لا لأنك متمردة، بل لأنك حرة. قولي "لا"، فمن الممكن أن تتغير حياتك بين ليلة وضحاها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows