
يشهد انطلاق الموسم الكروي الحالي تفاوتاً ملحوظاً في مواعيد التحضيرات الخاصة بالأندية الأوروبية، ففي حين أنهت بعض الفرق جولاتها الآسيوية والخارجية، وخاضت عدة مباريات ودية، لا تزال فرق أخرى تشرع في بداية تحضيراتها، خصوصاً تلك التي شاركت في النسخة الأولى من كأس العالم للأندية بمشاركة 32 فريقاً. هذه البطولة، التي أُقيمت في الولايات المتحدة، شكّلت تجربة تنظيمية جديدة، قبل عام واحد فقط من استضافة البلاد كأس العالم 2026، وكانت بمثابة اختبار مبكر لقدرتها على احتضان الحدث العالمي المنتظر.
وتشهد التحضيرات الخاصة بالأندية في مختلف مراحلها بروزاً لافتاً للمواهب الشابة، التي ترى في هذه الفترة فرصة ذهبية للظهور مع الفريق الأول. هذه الأسماء الصاعدة، التي تألقت لسنوات مع الفريق الثاني والفئات السنية، تترقب دعوتها للمشاركة في المباريات الودية، على أمل خطف أنظار مدربي الفرق الأولى وحجز مكان ضمن التعداد الرسمي. وغالباً ما يستغل المدربون الإرهاق البدني، الذي يعانيه لاعبو الصف الأول خلال فترة الإعداد، لإشراك الشبان ضمن خطط تجمع بين الجوانب الفنية والبدنية، ما يمنحهم تجربة حقيقية تُمهّد لدمجهم في الموسم الجديد، وربما تفتح لهم أبواب المنتخبات الوطنية مستقبلاً.
ويُعدّ نادي برشلونة من أبرز الأندية، التي تمنح الفرصة للمواهب الشابة، وذلك منذ التجربة الثورية لمدربه السابق، الإسباني بيب غوارديولا (54 عاماً)، الذي قاد الفريق لبناء جيل ذهبي انطلق من أكاديمية "لاماسيا"، فقد راهن غوارديولا على لاعبين صاعدين في سن مبكرة، ليصنع فريقاً أسطورياً بقيادة النجم الأرجنتيني، ليونيل ميسي (37 عاماً)، وثلاثي الوسط الإسباني الشهير: تشافي وإنييستا وسيرجيو بوسكيتس. هذا النهج، الذي أثبت نجاحه محلياً وأوروبياً، تحوّل إلى عقيدة راسخة داخل النادي الكتالوني، ليواصل الفريق الاعتماد على لاعبي الأكاديمية كمصدر رئيس لبناء مستقبله. واليوم، يتجدد هذا التوجه مع بروز جيل إسباني جديد، يتقدمه الجناح المتألق لامين يامال، وثنائي الوسط: جافي وبيدري، إضافة إلى المدافع الصلب، باو كوبارسي، وجميعهم دون سن الـ 20 عاماً.
وأثمر هذا التوجه عن تتويج برشلونة بلقبي الدوري والكأس الإسبانيين، تحت قيادة المدرب الألماني، هانسي فليك (60 عاماً)، مع تشكيلة يغلب عليها الطابع الشاب. ونتيجة لهذا النجاح، بدأت عدة أندية إسبانية أخرى تنسج على منوال برشلونة، مانحة الفرصة لمواهبها الواعدة دون انتظار اكتمال نضجهم في الفئات السنية، بل دفعهم مباشرة نحو الفريق الأول.
وشهدت التحضيرات الصيفية الخاصة بنادي برشلونة الإسباني، خاصة خلال جولته الآسيوية، بروز نجم جديد لفت الأنظار بقوة، ويتعلق الأمر بالشاب الإسباني من أصول فلبينية، بيدرو فرنانديز، المعروف بلقب "درو"، والبالغ من العمر 17 عاماً، والذي قدّم مستويات مميزة خلال الدقائق التي شارك فيها، بعدما أظهر نضجاً فنياً لافتاً بتمريراته الناجحة بنسبة 100 بالمائة، إضافة إلى مساهمته في صناعة هدف، ما يعكس قدراته الواعدة، رغم ظهوره الأول مع الفريق الأول. ووفقاً لعدة تقارير إسبانية، فإن المدرب هانسي فليك أبدى إعجابه الشديد بإمكانات "درو"، سواء في المباريات أو خلال التدريبات، ما يفتح الباب أمام إمكانية منحه مكاناً دائماً في قائمة الفريق الأول خلال الموسم الجديد.
وإذا كان التألق في برشلونة للمواهب الشابة يُعدّ جزءاً من تقاليد النادي، فإن ما فعله النجم الإنكليزي الصاعد، ريو نجوموها، مع ليفربول يُعتبر استثناءً يُكسر قواعد المنطق، فقد خطف الشاب ذو الأصول النيجيرية، والبالغ من العمر 16 عاماً فقط، الأنظار في فريق يزخر بالنجوم، رغم التعاقدات الكبيرة التي أبرمها "الريدز" هذا الصيف، بدءاً من الألماني فلوريان فيرتز (22 عاماً) كصانع ألعاب، والفرنسي إيكيتيكي في خط الهجوم، إلى جانب وجود الأوروغويّاني داروين نونيز، والنجم الأول للفريق، المصري محمد صلاح. ورغم هذه المنافسة الشرسة، استغل ريو الفرصة التي أتيحت له خلال التحضيرات الصيفية، ليُثبت أحقيته في الحضور ضمن خيارات المدرب الهولندي آرني سلوت، وبفضل ما قدمه من أداء لافت، بات مرشحاً لحجز مكانة كبديل في بداية الموسم، على أمل الحصول على دقائق أكثر، لا سيما في مباريات الكأس التي تُمنح فيها الفرصة عادةً للاعبين الشباب.
ومن جهته، يواصل مساعد غوارديولا السابق وتلميذه، الإسباني ميكيل أرتيتا (43 عاماً)، استلهام نهج مدرب برشلونة الأسبق، خاصة في ما يتعلق بمنح الفرصة للمواهب الشابة. وخلال فترة التحضيرات الخاصة بنادي أرسنال ومبارياته الودية، برز اسم جديد خطف الأضواء وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن بعض وسائل الإعلام الإنكليزية شبّهته بليونيل ميسي. ويتعلّق الأمر بالجناح الإنكليزي الواعد، ماكس داومان، الذي لم يتجاوز بعد سن الـ 15، لكنه نجح في جذب الأنظار بفضل أدائه اللافت خلال مواجهة الفريق أمام ميلان. هذا الظهور المميز جعله محل إشادة من المدرب أرتيتا وزملائه في الفريق، ليبدأ مسيرة واعدة نحو تثبيت مكانته ضمن مشروع "المدفعجية" المستقبلي.
وشهدت كأس العالم للأندية بروزاً لافتاً للمهاجم الإسباني الشاب، غونزالو غارسيا (21 عاماً)، الذي قدّمه مدرب ريال مدريد الجديد تشابي ألونسو (43 عاماً)، كأحد أوراقه الهجومية، بعد أن ظلّ مهمشاً في الفريق الرديف خلال فترة المدرب السابق، الإيطالي كارلو أنشيلوتي (66 عاماً)، المعروف بتفضيله الاعتماد على النجوم الجاهزين، بدل منح الفرصة للمواهب الصاعدة. ومع إصابة النجم الفرنسي كيليان مبابي (26 عاماً) خلال البطولة، حصل غارسيا على فرصة ذهبية لقيادة هجوم الفريق الملكي، واستغلها بأفضل طريقة ممكنة، حيث تألق بشكل لافت وأنهى مشاركته كأفضل هداف للفريق في "الموندياليتو" برصيد أربعة أهداف.
هذا التألق غيّر الكثير من الحسابات داخل ريال مدريد، خصوصاً ما يتعلق بالصراع على القميص رقم 9، الذي أصبح شاغراً بعد أن حصل مبابي على الرقم 10، في وقت كان يُعتقد أن البرازيلي إندريك (18 عاماً) هو الأوفر حظاً لحمل الرقم. لكن ظهور غارسيا قلب المعادلة، وفرض نفسه كخيار قوي قد يتحول إلى ركيزة أساسية في مشروع ألونسو المستقبلي مع "الميرينغي".
ولا يُعد نيل فرصة المشاركة أو تسجيل هدف مع الفريق الأول نجاحاً كاملاً للمواهب الشابة، بل هو مجرد خطوة أولى لفتح أبواب البقاء الدائم ضمن الفريق. فالكثير من اللاعبين انتهت مسيرتهم قبل أن تُمنح لهم هذه الفرصة. يبقى العامل الحاسم هو الاستمرارية، وصقل الموهبة، والعمل الجاد للحفاظ على المستوى وتطويره. هذه هي مفاتيح النجاح الحقيقي، والطريق الذي سلكته كل الأسماء، التي دخلت التاريخ وحققت المجد في مسيرتها الكروية.

Related News



