
في أكبر صفقة غاز بين مصر وإسرائيل، تمكنت شركة نيو ميد إنرجي، الشريك المهيمن مع حلفاء أميركيين على حقل ليفياثان الإسرائيلي بالبحر المتوسط، من توقيع اتفاق يقضي بتصدير كمية غاز جديدة إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار.
حصلت الشركة الإسرائيلية على زيادة في سعر توريد الغاز ليرتفع من 5.5 دولارات حاليًا إلى 7.67 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وفقًا للاتفاق الجديد الذي يقضي بمضاعفة الواردات الإسرائيلية من الغاز الطبيعي إلى مصر من مستوى 850 مليون قدم مكعبة إلى 1.7 مليار قدم مكعبة.
بعد قطع إمدادات الغاز عن الشبكة المصرية عدة مرات، توقفت خلالها مصانع الأسمدة ومواد البناء، وتعرض تشغيل محطات توليد الكهرباء للاضطراب، نجحت الضغوط الإسرائيلية في دفع القاهرة، التي تعاني من نقص حاد في تأمين احتياجاتها المتزايدة من الغاز ومن تراجع كبير في الإنتاج المحلي وارتفاع الطلب على الاستهلاك، خاصة للقطاعات الصناعية والمستهلكين خلال فترة الصيف، في دفع وزارة البترول إلى توقيع الاتفاق المؤجل منذ شهرين، وفقًا للائحة أسعار جديدة بزيادة أكثر من 30%، أسوة بما حصلت عليه شركات "إيني" الإيطالية و"شيفرون" الأميركية و"بي بي" البريطانية وغيرها، من زيادة في التسعير اعتبارًا من يوليو/تموز الماضي بلغت 40%، مقابل التزامها بزيادة عمليات استكشاف الغاز وتوريده إلى الشبكة الوطنية المصرية.
وفقًا لبيان "نيو ميد إنرجي"، فإن الاتفاق يقضي بتصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر خلال 15 عامًا تنتهي في 2040، أو عند استخدام الكميات المتفق عليها المستخرجة من حقل ليفياثان الذي يحتوي على 600 مليار متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي. أكدت مصادر بوزارة البترول المصرية أن الاتفاق الجديد، وإن كان قائمًا بذاته وفقًا للشروط المالية والفنية، فإنه يعد امتدادًا للاتفاق الأول الموقع بين الأطراف الإسرائيلية عام 2019، والمنفذ منذ عام 2020، لتوريد 60 مليار متر مكعب بقيمة 15 مليار دولار على مدار 15 عامًا، وجرى تعديله في الربيع الماضي لزيادة توريد الغاز الإسرائيلي من مستوى 850 مليون وحدة حرارية إلى 1.2 مليار وحدة يوميًا بحلول يونيو/حزيران الماضي، لتصل إلى 1.5 مليار وحدة بنهاية أغسطس/آب الجاري، التي لم يلتزم الجانب الإسرائيلي بتنفيذها رغم اكتمال توسعة الخطوط البرية والبحرية التي تربط بين خطي أنابيب عسقلان بالأراضي المحتلة وميناء العريش في مصر في شهر يونيو 2025.
فسر نائب الرئيس السابق للهيئة المصرية للبترول المهندس مدحت يوسف لـ"العربي الجديد" الاتفاق بأنه يعكس زيادة الاعتماد المصري على الغاز الطبيعي الوارد من إسرائيل، في ظل الارتفاع الكبير في تكلفة استيراد الغاز المسال من الخارج، وتنامي الطلب المحلي، ووجود مخاطر أمام شركات الشحن الدولية تعرّض حركة الإمدادات للتحولات الجيوسياسية بالمنطقة وحول العالم.
مدة طويلة لتصديرالغاز
أبدى يوسف حذره من أن يكون العقد المشروط بمتوسط سعري للغاز لمدة طويلة مجحفًا لمصر في حالة انخفاض أسعار الغاز في الأسواق الدولية عن المعدلات السائدة حاليًا عند حدود 8 إلى 11 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية، والتي يمكن أن تصل إلى أقل من السعر المُعلن في الصفقة الجديدة عند 7.64 دولارات، مؤكدًا أن العرض، وإن جاء مميزًا في الوقت الحالي بسعر منخفض عن المعدلات العالمية، يجب أن يراعي أن مصر ستحصل على كميات من الغاز الطبيعي القادم من الحقول القبرصية بالبحر المتوسط عام 2026، والتي ستمكن الدولة من تلبية احتياجاتها من الغاز لتشغيل المصانع المحلية وتخصيص جزء منه لإعادة التسييل وتصديره إلى الخارج، وخفض معدلات استيراد الغاز المسال. وفقًا لخبراء بترول، يربط الاتفاق السابق سعر توريد المليون وحدة حرارية بخام برنت، ويُقدِّر قيمة الوحدة ما بين 5 إلى 5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
قال يوسف إن الكمية التي ستصل إلى مصر بنحو 130 مليار متر مكعب، وبقيمة إجمالية 35 مليار دولار، تبين أن متوسط سعر المليون وحدة حرارية يبلغ 7.64 دولارات، بزيادة 2.6 دولار عن سعر توريد الغاز من روسيا على شبكة غاز السيل الشمالي إلى أوروبا في العقود طويلة الأجل، وأعلى من متوسط سعر التوريد وفقًا للعقد الأول مع الجانب الإسرائيلي، ما يعكس رغبة مصر في مواجهة تراجع كميات الغاز الطبيعي والحد من استيراد الغاز المسال المكلف للغاية، الذي يُشترى من الأسواق الدولية بقيمة تصل إلى 14 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية.
لفت يوسف إلى أن كميات الغاز الطبيعي التي ستُدفع من الحقل الإسرائيلي، بنحو 850 مليون قدم مكعبة يوميًا، تعادل الكميات المُشترَاة من وحدتي غاز مسال يوميًا، ما يوفر للدولة 400 ألف دولار تُدفع رسومًا لسفن إعادة ضخ الغاز المسال في الشبكة الوطنية للغاز، وتكلفة نولون الشحن المقدّرة بنحو 200 ألف دولار عن الشاحنة الواحدة تُدفع كل ثلاثة أيام، بالإضافة إلى تكلفة النقل البحري بين ميناء التصدير والموانئ المصرية.
بين يوسف أن الصفقة تُلزم الحكومة بإعادة جدولة نظام استيراد الغاز المسال من الخارج، وضبط المدفوعات التي تُجرى حاليًا لسفن إعادة الإسالة، والتي اتفقت الحكومة على تأجيرها وتشغيلها لصالح مصر حتى عام 2030، بما يضمن كفاءة التشغيل وتخفيض النفقات التي تُخصص لاستيراد المحروقات من الخارج، مؤكدًا أن الحكومة تستهدف من الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي الالتفاف حول الضغوط التي تمارسها الشركات الأجنبية المالكة لمحطتي إسالة الغاز بمدينتي إدكو ورشيد شمالي البلاد، والتي تتعرض للتوقف بسبب عدم توفر الغاز المحلي لتشغيلها عند حدود الإنتاج الدنيا بما يحافظ على حقوق المستثمرين الأجانب.
