
شكل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى 50%، خطوة تصعيدية غير مسبوقة تجاه حليف تاريخي، ما فجّر أزمة تجارية مرشحة للتوسع سياسياً واقتصادياً. فهذا الإجراء الذي اعتُبر عقاباً للهند على استمرارها في شراء النفط الروسي، تسبّب بقلق واسع في نيودلهي، وأحدث ارتدادات في سوق الطاقة العالمي، بينما يسعى رئيس الوزراء ناريندرا مودي لطمأنة الشارع الهندي، خاصة في صفوف المزارعين الذين قد يتأثرون بانفتاح الأسواق على المنتجات الأميركية.
من جانبها حذّرت مؤسسات تحليل اقتصادي من أن الرسوم الجديدة قد تُكبّد الهند خسارة تصل إلى 1% من ناتجها المحلي الإجمالي، وتؤدي إلى تقلص الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة قد تبلغ 60%، وفق تقديرات "بلومبيرغ إيكونوميكس"، فيما تُعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للهند، ما يجعل هذا القرار بمثابة صدمة مباشرة للقطاعات الصناعية والتصديرية، خصوصاً الأحجار الكريمة، والمجوهرات، والمنسوجات، والأحذية.
ووصفت شركة نومورا هولدينغز القرار بأنه أقرب إلى "حظر تجاري"، مشيرة إلى أنه قد يؤدي إلى توقف فوري في صادرات رئيسية. كما أكّدت "سيتي غروب" أن هذه الرسوم ستجعل التصدير "غير مجدٍ اقتصادياً"، وقد تؤدي إلى ضغط على الحساب الجاري وسعر صرف الروبية، الأمر الذي قد يدفع البنك المركزي الهندي إلى التدخل. وفي محاولة لتقليل الخسائر، قال مسؤول العلاقات الاقتصادية في وزارة الخارجية الهندية دامو رافي إن بلاده ستسعى لتوسيع أسواقها البديلة في جنوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
وفي مؤتمر نظّم بعد القرار الأميركي مباشرة، تجنّب رئيس الوزراء الهندي الإشارة مباشرة إلى ترامب، لكنه أكد أن "رفاه المزارعين هو الأولوية القصوى للحكومة الهندية". تأتي هذه التصريحات في وقت يطالب فيه الجانب الأميركي بفتح السوق الهندية أمام منتجات الألبان والمحاصيل المعدّلة وراثياً، وهي مسائل شديدة الحساسية داخلياً. وتمنع الهند حالياً زراعة المحاصيل المعدّلة وراثياً، فيما تحظر استيراد الحيوانات منتجة الألبان التي تتغذى على أعلاف ذات منشأ حيواني، احتراماً لمعتقدات الأغلبية الهندوسية التي تُقدّس البقر. وبحسب مراقبين، فإن تصريحات مودي تسعى لطمأنة المزارعين، الذين يشكّلون كتلة انتخابية ضخمة في بلد يمتلك فيه ملايين الأشخاص أقل من هكتارين من الأراضي، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة.
وتزامناً مع سريان الرسوم الجديدة، بدأت شركات التكرير الحكومية الهندية، مثل "إنديان أويل" (Indian Oil) و"بهارات بتروليوم" (Bharat Petroleum) و"هندوستان بتروليوم" (Hindustan Petroleum)، بتقليص مشترياتها من النفط الروسي خوفاً من التصعيد الأميركي، بحسب مصادر مطلعة على خطط الشراء. ورغم أن الحكومة الهندية لم تصدر تعليمات رسمية بوقف استيراد الخام الروسي، فإن التوتر المتصاعد دفع الشركات لتأجيل عقود الشراء، بانتظار توجيهات واضحة من نيودلهي التي قد تُعلّق مؤقتاً سياسة ضبط الإنفاق لصالح زيادة الاستثمارات الداخلية وتنشيط الطلب.
وقد وجّهت واشنطن رسالة واضحة مفادها أن أي استمرار في دعم موسكو اقتصادياً ولو عبر واردات النفط، سيقابَل بعقوبات مباشرة، ما زاد المخاوف في أسواق الطاقة العالمية من تأثير ذلك على تدفق خام الأورال الروسي، في وقت تشهد فيه الأسعار حالة عدم استقرار.

Related News

