مكتب تنفيذي لإدارة شؤون السويداء... نحو حكم ذاتي؟
Arab
2 hours ago
share

أصبح في السويداء، جنوبي سورية، "مكتب تنفيذي" لإدارة شؤون المحافظة، غير مرتبط بالحكومة المركزية في دمشق، في خطوة تباينت الآراء حول دلالاتها بين من رأى أنها ربما تؤسس لـ"إدارة ذاتية" في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، ومن عدّها إجراء مؤقتاً لسد الفراغ الذي خلّفه غياب مؤسسات الدولة. وأعلنت اللجنة القانونية العليا، التي شُكّلت الشهر الماضي بالتنسيق مع الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز(بعد الاشتباكات والمعارك بين القوات الحكومية وعشائر موالية من جهة وفصائل محلية في السويداء من جهة ثانية)، أول من أمس الأربعاء، تشكيل "مكتب تنفيذي" برئاسة ماهر غالب العنداري أميناً عاماً للمحافظة، مهامه "إدارة شؤون السويداء في القطاعات الإدارية - الأمنية - الخدمية بكافة مجالات الحياة"، و"الحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة"، و"رفع الظلم والضرر عن كاهل المواطنين بكل مكوناتهم ومحاربة الفساد".

كما أعلنت اللجنة التي تولت عملياً مهام إدارة السويداء بمختلف قطاعاتها، في بيان، تشكيل "لجان فرعية تخصصية بالإغاثة وتقصي الحقائق والانتهاكات، متابعة شؤون المفقودين والمختفين قسراً، متابعة شؤون الشهداء والجرحى، وقبول التبرعات وتوزيعها على المنكوبين والحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة والمصارف والمنشآت الاقتصادية ومتابعة القضايا الصحية والإنسانية وعمل المشافي العامة والخاصة، إضافة لمهام إنسانية واجتماعية". وقالت اللجنة إنها قررت "بناءً على مقتضيات المصلحة العامة"، تكليف العميد شكيب أجود نصر قائداً لقوى الأمن الداخلي في المحافظة، وهو المتهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة إبّان عمله ضابطاً في أجهزة النظام البائد الأمنية، إلى جانب العميد أنور عادل رضوان معاوناً له.

وجاءت هذه الخطوة في وقت باتت فيه محافظة السويداء خارج سيطرة دمشق التي لم يصدر عنها، حتى ظهر أمس الخميس، أي تعليق رسمي حول تشكيل المجلس المذكور. وتعالت أصوات شخصيات مقربة من حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية في سورية، تدعو إلى حكم ذاتي في محافظة السويداء التي شهدت قبل نحو شهر احتراباً بين فصائل عسكرية مرتبطة بالهجري ومسلحين من البدو على خلفية عمليات خطف متبادلة. واستدعت الأوضاع في المحافظة تدخلاً عسكرياً من قبل الحكومة السورية، قوبل برفض من الهجري وفصائله، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع على الأرض خصوصاً أنه جرت تجاوزات واسعة النطاق بحق المدنيين من مختلف الأطراف. واستجر ملف السويداء تدخلاً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لتنتهي الأوضاع بانسحاب القوات الحكومية في الـ17 من الشهر الماضي إلى خارج الحدود الإدارية للمحافظة، ونشر حواجز للحيلولة دون عودة الاشتباكات.

تنظيم شؤون محافظة السويداء

تعليقاً على تشكيل المجلس التنفيذي في السويداء، قال ريان معروف، رئيس تحرير موقع "السويداء 24" المحلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هذه الخطوة هدفها "تنظيم الشؤون الإدارية في المحافظة في ظل الفراغ المؤسساتي الحالي وتعقيدات العلاقة مع السلطة الانتقالية في دمشق بعد الهجمات الأخيرة والأزمات الهائلة التي خلفتها". وبيّن أن "الاتصال مع الحكومة بالحدود الدنيا"، مضيفاً أن "أزمة الثقة كبيرة جداً في ظل حالة من السخط الشعبي، ويبدو أن المحافظة تتجه نحو شكل من أشكال الإدارة الذاتية، ولكن أبعاد العلاقة مع دمشق ليست واضحة بعد".

جبر الشوفي: تشكيل المكتب  ضرورة في ظل غياب مؤسسات الدولة التابعة لسلطة دمشق 

من جهته، رأى جبر الشوفي (الذي كان من أبرز معارضي نظام الأسد في السويداء)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تشكيل المكتب التنفيذي "هو ضرورة في ظل غياب مؤسسات الدولة التابعة لسلطة دمشق المؤقتة". وفي رأيه، "بغض النظر عن موافقتي أم لا على هذا التشكيل، أعتبره إجراء مؤقتاً ريثما يقرر مستقبل علاقة المحافظة مع دمشق". وأشار إلى أن العلاقة "لا يمكن أن تعود إلى سابق عهدها قبل حل جذري لمشاكل قديمة، وإجراء محاسبة سريعة لكل من انتهكوا كرامات الناس واستباحوا دمائهم ونهبوا ممتلكاتهم وحرقوا ودمروا كل شيء". واتهم السلطة في دمشق بـ"شرعنة القتل وتجييش العشائر وتعميق الانقسام العمودي في المجتمع السوري"، مشيراً إلى أن "الإجراءات المتخذة مؤقتة، ريثما تحل علاقة السويداء بدمشق".

في المقابل، قلل الباحث السياسي أدهم مسعود القاق، في حديث مع "العربي الجديد"، من خطورة تشكيل مكتب تنفيذي في السويداء غير مرتبط بدمشق، معتبراً أنه "لا يمكن إغلاق الأبواب أمام تفاهمات سياسية بين السويداء ودمشق، لا الثقافة، ولا التاريخ ولا الجغرافيا ولا الاقتصاد، يسمح بأن يكون هناك كيان مستقل عن دمشق". وشدد على أن "الدروز أنفسهم أفشلوا في ستينيات القرن الماضي محاولة إسرائيلية لإنشاء دولة ذات طابع درزي في لبنان وسورية".

أدهم مسعود القاق: تشكيل المكتب التنفيذي ردة فعل سيئة جداً من قبل أشخاص لديهم نيّات سيئة تجاه سورية ووحدتها

واعتبر القاق تشكيل مجلس إداري في السويداء "ردة فعل سيئة جداً من قبل أشخاص لديهم نيّات سيئة تجاه سورية ووحدتها"، وفي اعتقاده، "تجب معالجة ملف السويداء بصورة مغايرة تماماً لما حدث من تجاوزات وقتل وحرق بيوت أسهم في تقويض الدولة في المحافظة". واعتبر أن "المطلوب اليوم من دمشق خطاب سياسي وطني جامع، عابر للطوائف والعشائر، والمطلوب التعاطي مع الوطن والمواطنة من دون النظر إلى الطوائف". وأوضح القاق أن الدروز في منطقتي جرمانا وصحنايا (ريف دمشق) وجبل الشيخ يشكّلون أكثر من نصف عدد الدروز في سورية، مضيفاً أن "الدروز في السويداء يشكلون نصف الطائفة وعدد كبير منهم هم أساساً ليسوا موجودين في المحافظة". كما طالب دمشق بالانفتاح على القوى السياسية الوطنية في السويداء، سواء من البدو أو الدروز، مشيراً إلى أن عدم التعاطي معها من قبل الحكومة "أضعف موقف هذه القوى في المحافظة أمام الأطراف الأخرى من شيوخ وشبيحة".

أوضاع إنسانية صعبة

تعاني محافظة السويداء من أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة نتيجة الأوضاع العسكرية والاشتباكات التي عصفت بالمحافظة قليلة الموارد. وتدخل شاحنات مساعدات إنسانية إلى محافظة السويداء، آخرها أول من أمس الأربعاء، عبر "الممر الإنساني" من بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، تحمل احتياجات ضرورية، إلا أنها كما يبدو لم تستطع تلبية الحدود الدنيا من احتياجات السكان الذين يعانون من شح بالغذاء والدواء والمحروقات، وفق شبكات إخبارية محلية. وأعلن المكتب الصحافي لمحافظة السويداء، أول من أمس، دخول قافلة محروقات إلى المحافظة، تضمنت 24 ألف ليتر من مادة الديزل، مخصصة لتشغيل 27 بئرَ مياه شرب. وتتهم الحكومة السورية الهجري بالحيلولة دون عودة مؤسسات الدولة القادرة على التعاطي مع الأزمة المعيشية الموجودة إلى العمل في المحافظة، بينما تتحدث مصادر محلية وشبكات إعلامية عن حصار مفروض، تنفيه الحكومة التي تبدي الاستعداد للعودة مرة أخرى إلى المحافظة بكل مؤسساتها الاقتصادية والخدمية.

وفي هذا الصدد، اتهم وزير الصحة السوري مصعب العلي، أول من أمس، الهجري بإعاقة دخول كوادر الوزارة إلى محافظة السويداء، موضحاً في تصريحات تلفزيونية أن المساعدات الصحية والإنسانية تدخل بشكل يومي إلى السويداء، حصراً عبر الهلال الأحمر العربي السوري. وكان الهجري قد دعا، الشهر الماضي، إلى فتح ممر بري إلى الشمال الشرقي من سورية الذي تسيطر عليه "وحدات حماية الشعب" الكردية، الثقل الرئيسي في "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، تحت ذرائع إنسانية. ولكن مسعى الهجري يواجه رفضاً صارماً من تركيا التي كررت، أمس الخميس، على لسان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشليك، التحذير من أي تحركات تهدف إلى فتح ممر جغرافي يربط محافظة السويداء بمناطق "قسد" في الشمال الشرقي، معتبراً أن هذه الخطوات تشكل انتهاكاً لوحدة الأراضي السورية، وتُعرقل العملية السياسية الانتقالية الجارية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows