
في معرض رده على سؤال، أمس الأول الثلاثاء، عما إذا كان يعتزم دعم احتلال إسرائيل قطاع غزة، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن "هذا يعود لإسرائيل أن تقرر بشأنه"، وفي اليوم التالي ذهب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى أبعد من ذلك. ففي رده على السؤال نفسه خلال مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، كرر ما قاله ترامب، مضيفا ما مفاده أن إسرائيل هي الأدرى بما "تحتاجه لأمنها". وبذلك بدا رئيس الدبلوماسية الأميركية الذي قلما أدلى بدلوه في ملف غزة وكأنه يسطّر قاعدة استثنائية في القانون الدولي تجيز لإسرائيل احتلال الأرض المجاورة لها إذا ارتأت أن "حاجتها الأمنية" تستدعي ذلك.
منح إسرائيل هذا الضوء الأخضر الفاقع مع تبسيط المسألة باعتبارها مجرد "تصريح" ينبغي "الاستفسار من إسرائيل" عن مقاصده، كما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، عزّز الانطباع بأن الموضوع جرى التوافق حوله خلال زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الأسبوع الماضي إلى إسرائيل وغزة وبعد دفن مشروع وقف إطلاق النار. قد يكون التلويح باحتلال القطاع محاولة ضغط على حركة حماس لحملها على "حلحلة" موضوع المحتجزين الإسرائيليين. كما لا يستبعد محللون ألا يكون في ذلك "أكثر من هروب إلى الأمام" بالنسبة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعدما لم تنجح حرب الإبادة على غزة في تحقيق أغراضها الأساسية.
كما أنه ربما يكون قد لجأ إلى خيار الاحتلال سبيلاً لمواصلة الحرب استرضاءً للجناح اليميني المتطرف في حكومته وبما يضمن عدم سقوطها، وبالتالي بقاءه في منصبه. لكن هناك تفسيرات تتقاطع عند الاعتقاد بأن هذه النقلة النوعية والخطيرة "لم تهبط من فراغ"، بل جاءت في سياق تراكمات تحكّمت بها حكومة نتنياهو لتبلغ هذا المآل. ومن أبرز تلك التراكمات ما جاء به ترامب في بداية رئاسته الثانية، عندما اقترح في 25 يناير/ كانون الثاني تهجير الفلسطينيين من غزة، وصرّح أكثر من مرة عن رغبته في "امتلاك غزة" وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وذلك تحت مزاعم إعادة إعمارها. يومذاك سارع نتنياهو إلى التقاط الفكرة والعمل على مراكمة ظروف ترجمتها من خلال سد الطرق أمام البدائل وبالتحديد مفاوضات وقف إطلاق النار، التي لم يخف ويتكوف بأنها "صارت من الماضي"، نزولاً عند رغبة نتنياهو وفق ما بدا.
إدارة ترامب لا تعارض هذا التوجه من حيث المبدأ، لكنها تخشى متاعب وأكلاف "اليوم التالي"، وهذا ما يفسر كلامها عن ترك القرار لإسرائيل في الموضوع. فقد ذكرت معلومات، ومنها إسرائيلية، أن كلفة الاحتلال تقدّر "بعشرة مليارات دولار بالإضافة إلى تجديد البنية التحتية". للخلاص من هذه الأعباء ومتاعبها، عاد تسليط الأضواء على معزوفة "التهجير"، تارة بالترغيب في "حياة مريحة وآمنة"، وتارة بوعد أهل القطاع "بالرحيل الطوعي"، كما بدأ يتردد في الأيام الأخيرة.
إسرائيل لا بد أنها تراهن على ثلاثي الدمار وحرب التجويع والقتل المنظم وصفةً للدفع باتجاه التهجير. الإدارة تتحدث عن عزمها على "زيادة المعونات الإنسانية ومراكز توزيعها" في غزة، لكن الواقع على الأرض يكذب ذلك. والمعروف أن إسرائيل هي التي تتحكم بدخول الكميات وتوزيعها عبر ما تُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" المرتبطة بها والمدعومة منها والتي لم تصدر توصية عن ويتكوف بكف يدها عن عملية التوزيع، رغم المآخذ العديدة على دورها.
على العكس، بعض المعنيين في الإدارة أشادوا بجهودها، بعكس الإجماع في صفوف المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة على إدانة دورها "المتواطئ مع القوات الإسرائيلية" لإثارة فوضى والتجويع، وبالتالي استهداف منتظري المساعدات الذين سقط من بينهم منذ 27 يونيو/ حزيران الفائت أكثر من ألف شهيد عند مراكز التوزيع. نتنياهو يتحدث عن احتلال كامل القطاع مدخلاً لضمه. فهو يعلم أن إدارة ترامب التي وافقت على ضم إسرائيل القدس والجولان المحتلين، لن تتردد في الاعتراف بضمها القطاع الذي تطمح للاستثمار فيه باعتباره منتجعاً كانت أول من طرح وروّج لفكرته.

Related News

