
داخل أحد الشوارع الهادئة بمنطقة المهندسين، غرب العاصمة المصرية القاهرة، وبينما كان المارة يواصلون يومهم المعتاد، تحوّل شارع البطل أحمد عبد العزيز، إلى مسرح لجريمة مروعة، حيث أقدم شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، يعمل مصفف شعر نسائي، على ذبح طفل لا يتجاوز عمره 11 عاماً كان يعمل في محل بقالة بالشارع ذاته.
باغت الجاني الطفل بعدة طعنات متتالية في رقبته، أمام زملائه ثم فرّ هارباً تاركاً جثة الصغير غارقة في دمائها. غير أنه وقع في قبضة الأمن بمساعدة الأهالي الذين لحقوه وتمكنوا من الإمساك به داخل مدخل أحد العقارات.
وقعت الجريمة في وضح نهار الثلاثاء، ووثّقتها كاميرات المراقبة، في مشهد تجاوز حدود البشاعة المعتادة. يقول أحد شهود العيان لـ"العربي الجديد": "ما فيش تفسير منطقي للي حصل.. الولد الصغير كان بياكل مع زملائه، وفجأة دخل الشاب وقال إنه عايز يشتري حاجة، وبعدها طلع سكينة وذبحه كأنه بيقتل فرخة".
وبينما تسود مشاعر الغضب والذهول بين أهالي المنطقة، وتتصاعد الدعوات للقصاص، فتحت نيابة شمال الجيزة تحقيقا موسعا في الجريمة، وأصدرت قرارا اليوم الأربعاء، بحبس المتهم، الذي يعمل مصفف شعر "كوافير حريمي"، لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار.
لكن خلف هذه التفاصيل الظاهرة، تقبع روايات صادمة بدأت في التسلل إلى أروقة التحقيق، وتفتح الباب أمام تفسيرات مرعبة لما جرى، وهو ما كشف عنه مصدر قضائي مطلع لـ"العربي الجديد"، مؤكدا أن التحقيقات حتى الآن "لا تزال في بدايتها"، وأنها "تسير في أكثر من اتجاه بعد استبعاد وجود أي خلاف أو علاقة سابقة بين الطفل المجني عليه والمتهم".
الرواية الأولى التي رجّحها المصدر القضائي، تستند إلى أقوال المتهم، وتحقيقات أولية أشارت إلى احتمال وجود اتفاق بينه وبين جهات على "الدارك ويب" أو "الإنترنت المظلم"، تتعلق بممارسة أفعال عنف وقتل مقابل المال أو التوثيق المصور. يقول المصدر: "هناك شبهة بأن المتهم كان ضمن شبكة مشبوهة تستغل حالات نفسية أو جنسية شاذة وتدفعهم لارتكاب جرائم مقابل نشرها على الإنترنت المظلم.. ويجري الآن تتبع اتصالاته وتحليل هاتفه.. نعمل على فحص جميع كاميرات المنطقة لتحديد احتمال وجود شخص آخر يُعتقد أنه كان متورطا بطريقة ما، أو مكلفا بتوثيق الجريمة وتصويرها عن بُعد".
الرواية الثانية، بحسب مصدر أمني رفيع تحدث لـ"العربي الجديد"، تشير إلى أن المتهم ربما طلب من الطفل المجني عليه ممارسة "فعل شاذ"، وعندما رفض باغته بطعنات أودت بحياته في الحال. هذه الرواية جاءت من أقوال بعض شهود العيان، وأيضا من فحص كاميرات اللحظات التي سبقت وقوع الجريمة، والتي أظهرت نوعا من التوتر في تعامل المتهم مع الطفل، وربما جرى بينهما حوار قصير انتهى بانفجار المتهم في وجه الضحية"، وفقا للمصدر الأمني.
أما الرواية الثالثة، فتستند إلى شهادة أحد الجيران وبعض أقارب المتهم، الذين قالوا إن سلوكه كان "غير متزن" خلال الأسابيع الأخيرة. وأشار المصدر القضائي إلى أن النيابة من الوارد أن تطلب تقريرا من الطب النفسي الشرعي لتقييم حالته العقلية، لافتا إلى أن دفاع المتهم "ألمح مبكرا إلى إصابته باضطرابات نفسية قد تجعله غير مسؤول عن أفعاله".
وفق روايات شهود العيان، فإن الجريمة وقعت خلال أقل من 30 ثانية، بينما كان الطفل يجلس مع زملائه الثلاثة لتناول وجبة خفيفة داخل السوبر ماركت. دخل المتهم، طلب شيئا، وما إن اقترب الطفل منه حتى بادره بعدة طعنات متتالية في الرقبة، ثم ذبحه أمام أعينهم.
تقول سيدة من سكان العقار المقابل لموقع الجريمة: "الولد كان شاطر وبياخد مصروفه من الشغل.. بيشتغل عشان يساعد أهله، ومالوش أي مشاكل.. اللي حصل ده مرعب ومش مفهوم".
ولم تنته المأساة عند الجريمة فقط، بل امتدت إلى مطاردة في الشارع، بعدما لحق الأهالي بالمتهم وتمكنوا من الإمساك به داخل مدخل أحد العقارات، واعتدوا عليه بالضرب حتى وصلت الشرطة. ووفق رواية أحد الشهود، فإن المتهم "كان مذهولا، يردد فقط كلمتين: "غصب عني.. معلش"، وهي الكلمات التي زادت الغموض حول دوافعه.
وأمرت النيابة بتحريز كاميرات المراقبة الخاصة بالسوبر ماركت وكاميرات المحيط، وتفريغ محتواها بالكامل، في محاولة لرصد ما جرى قبل وأثناء وقوع الجريمة، إضافة إلى تتبع اتصالات المتهم عبر هاتفه وحساباته على مواقع التواصل. وبحسب ما أفاد به مصدر أمني، فإن التحريات الأولية لم تثبت وجود أي خلاف أو معرفة سابقة بين الجاني والمجني عليه، وهو ما يضاعف من أهمية تحليل الحالة النفسية للجاني وتوسيع نطاق التحقيق.

Related News

