
"كيف كانت الطريق؟"، بهذا السؤال تحاول رزان ثيودوري، المشرفة الأكاديمية في جمعية الكمنجاتي، الاطمئنان على أحوال عازفي وعازفات أوركسترا رام الله القادمين من مدن الضفة الغربية المحتلة لحضور تدريبات الأوركسترا في بلدة بيرزيت، شمال رام الله، تحضيراً لعرض "إنّا باقون".
يبدو السؤال روتينياً للفلسطينيين أينما كانوا في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية واستمرار عزل المدن والقرى الفلسطينية بعضها عن بعض من خلال حواجز عسكرية وبوابات حديدية وتضييقات على الطرقات التي يفرض المستوطنون الإسرائيليون وجودهم فيها على مدار الساعة، فتضاف أحوال الطرق للعديد من التحديات الأخرى التي تواجهها المؤسسات الثقافية والفنانون الفلسطينيون. لكن رغم هذه المخاطر استطاع 70 فناناً فلسطينياً وخمسة متطوعين أجانب تقديم عرض مميز على خشبة مسرح قصر رام الله الثقافي أمس الثلاثاء.
وأحيت أوركسترا رام الله الأمسية بقيادة المايسترو البريطاني-الأميركي بيتر سلسكي وقدّمت سيمفونية موزارت 38 في افتتاحية العرض، تبعتها أغنيات وقصائد وطنية، بعضها من كلمات الراحل محمود درويش وألحان مارسيل خليفة، مثل "فكّر بغيرك" و"في البال أغنية" وقصيدة "تُنسى"، من ألحان سميح شقير. كما أدت الأوركسترا قصائد من كلمات وألحان لفنانين فلسطينيين معاصرين بهدف تقديم أعمالهم للجمهور، مثل قصائد من كلمات ثائر ثابت وعلاء عبد العزيز ورائد صلاح وألحان محمد كحلة وخالد صدوق.
وفي حديثها مع "العربي الجديد"، أكدت رزان ثيودوري أن اختيار جمعية الكمنجاتي تقديم هذا العرض في مدينة رام الله يهدف إلى تقديم عمل موسيقي بطابع شرقي ليحاكي أذواق الفلسطينيين بشكل عام ويحاكي همومهم اليومية بشكل خاص.
وخصصت الأوركسترا، التي تأسست عام 2008، ريع تذاكر العرض بسعرها الرمزي لدعم صندوق طلبة الموسيقى في جمعية الكمنجاتي التي تستهدف حالياً من خلال عملها غير الربحي مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة.
وتقدم "الكمنجاتي" برامج التعليم النظامي وورش العمل والمخيمات الصيفية الموسيقية والعروض وغيرها من الخدمات التي تهدف، كما يشير موقع الجمعية، إلى جعل الموسيقى في متناول المجتمع الفلسطيني بأكمله وتعزيز الثقافة والهوية الفلسطينية والعربية وللتعرف إلى الثقافات الدولية.
وأشارت ثيودوري إلى أن اختيار "إنّا باقون" عنواناً عريضاً لعرض أوركسترا رام الله يأتي لتحقيق الأهداف المذكورة آنفاً، فيعتبر الفنانون أنفسهم مسؤولين عن البقاء في أرضهم ومقاومة انتهاكات الاحتلال التي تدفع الفلسطيني للرحيل في ظل التطهير العرقي والتجويع المستمر في قطاع غزة والظروف القاسية في الضفة الغربية والقدس المحتلة. كما تؤمن ثيودوري بأن الموسيقى ليست مجرد فن بالنسبة للفلسطينيين، بل تحولت لصوت مقاومة ووجود وثبات وجسر يجمع الناس، على حد تعبيرها.
على مدار العامين المنصرمين تضاعفت التضييقات على الأفراد والمؤسسات العاملة في الحقل الثقافي في الضفة الغربية في ظل استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية وشح الموارد، إذ يعاني الفنانون من ركود في الحراك الثقافي، ما يجعلهم متعطشين لهذا النوع من المبادرات التي تشق طرقاً وعرة لتتحقق وتصل إلى خشبة المسرح.
فرغم عدد ساعات التدريب المحدودة التي قضتها الأوركسترا، استطاعت تقديم عرض نال إعجاب الجمهور وتفاعله رغم حالة الإحباط السياسي التي تلمسها من خلال الأحاديث الجانبية مع الحضور. إذ عبّر أحد الحاضرين في حديث لـ"العربي الجديد" عن إعجابه بالمواهب الجديدة التي تعرّف إليها لأول مرة من خلال هذا العرض، وخاصة المغنيين والمغنيات المنفردين، مضيفاً أنه يأسف لمدى محدودية الفرص المتاحة للفنانين للوصول إلى جماهير أكبر، ومعبراً عن الأسى والضعف الذي يشعر به الفلسطينيون مع استمرار الاحتلال بتجويع ومحاصرة قطاع غزة.
يذكر أن جمعية الكمنجاتي التي تأسست عام 2002، استطاعت بناء شبكة عالمية للتعاون والدعم الذي يشمل العديد من التبادلات الفنية والتعليمية مع مؤسسات موسيقية هامّة وفنانين مستقلين، ما سهّل استقطاب متطوعين مناصرين للقضية الفلسطينية للمشاركة في الأوركسترا وغيرها من خدمات الجمعية.
