
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، عن أن تل أبيب ستسمح بدخول البضائع تدريجياً إلى قطاع غزة عبر "تجار محليين"، وبشكل يخضع للمراقبة. يأتي ذلك فيما تتفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية بوتيرة متسارعة في القطاع، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية، في وقت أصبح فيه وصول المساعدات الإنسانية أشبه بالمستحيل، رغم التصريحات الرسمية المتكررة بالسماح بدخولها.
وفي الوقت الذي يتطلع فيه أكثر من مليوني إنسان إلى شاحنات الغذاء والدواء، لا يصل منها إلا القليل، والسبب يعود إلى سياسات إسرائيلية ممنهجة تقود إلى تجويع السكان وخلق فوضى أمنية تضرب كل ما تبقى من مقومات الحياة. ووفق الإحصائيات الحكومية، يحتاج قطاع غزة بشكل يومي إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات ووقود لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الصحية والغذائية والخدماتية، إلا أن ما يدخل فعليا لا يتجاوز بضع عشرات من الشاحنات.
بدوره، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الاحتلال الإسرائيلي سمح بإدخال 674 شاحنة مساعدات فقط خلال ثمانية أيام منذ إعلانه عن فتح المجال لدخول الإغاثة يوم الأحد الموافق 27 يوليو/ تموز الماضي. وقال المكتب الإعلامي في تصريح صحافي إن العدد المطلوب خلال هذه المدة كان يقدّر بحوالي 4800 شاحنة، ما يعني أن ما دخل لا يتجاوز 14% من الاحتياج الفعلي.
وبحسب المكتب فإن معدل دخول الشاحنات لم يتجاوز 84 شاحنة يوميا، وهو معدل كارثي بالنظر إلى حجم الاحتياجات الإنسانية في القطاع، خاصة مع تدمير البنية التحتية وانهيار القطاع الصحي وانعدام مصادر المياه والكهرباء. وأوضح أن معظم هذه الشاحنات تتعرض لعمليات نهب وسرقة ممنهجة بسبب غياب الأمن والتوزيع المنظم، وهي بيئة تُكرّسها إسرائيل بشكل متعمّد ضمن سياسة "هندسة الفوضى".
في حين ذكر المختص في الشأن الاقتصادي، نسيم أبو جامع، أن ما تقوم به إسرائيل لا يقتصر على الحرب العسكرية فقط، بل يتعداها إلى "حرب اقتصادية مركبة"، تهدف إلى إضعاف المجتمع الفلسطيني من الداخل وحرمانه من أي قدرة على الاعتماد الذاتي. وقال أبو جامع في حديث لـ"العربي الجديد": "الاحتلال يتعمّد هندسة الفوضى الاقتصادية من خلال منع إدخال المساعدات وحرمان المواطنين من أبسط مقومات الحياة، وهو ما يفاقم المجاعة والفقر بشكل غير مسبوق".
وأوضح أن أكثر من ش90% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعتمد أكثر من 95% منهم على المساعدات الإنسانية للبقاء، مضيفا: "الاحتلال تعمد تعميق هذا الاعتماد من خلال منع فرص العمل وتجميد أي نشاط اقتصادي حقيقي، ثم قطع المساعدات لفترة طويلة امتدت قرابة 150 يوما، وهو ما زاد حالة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي". ولفت أبو جامع إلى أنه لم يعد هناك مجال للحديث عن تنمية اقتصادية أو تعافٍ تدريجي، فقد تراجعت الأولويات إلى الحد الأدنى من متطلبات البقاء، و"أصبح التركيز محصورا في كيفية توفير الغذاء والماء والدواء، في ظل غياب أي بيئة إنتاجية أو أفق للاستقرار".
من جانبه، قال المختص في الشأن الاقتصادي، محمد بربخ، إن إسرائيل تدير منذ قرابة عامين حربا اقتصادية منظمة بالتوازي مع الحرب العسكرية، هدفها كسر ما تبقى من صمود المجتمع الغزي، وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المؤشرات الاقتصادية في غزة اليوم كارثية على كل المستويات، حيث لم تعد أغلبية السكان قادرة على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية. وأضاف: "منع إدخال المساعدات أو منع وصولها لمستحقيها يمثل أداة ضمن هذه الحرب الاقتصادية، ويؤدي إلى تفشي المجاعة الحالية والقضاء على ما تبقى من الاقتصاد المحلي".
وتابع بربخ: "نحن لا نعيش اقتصادا فعالا أو إنتاجيا، بل دخلنا في مرحلة اقتصاد البقاء، حيث يتمحور كل شيء حول توفير الغذاء والماء فقط، في غياب كامل لأي أفق اقتصادي"، لافتا إلى أن استمرار هذه الحالة سيؤدي إلى تدهور اقتصادي وإنساني شامل، وما تحتاجه غزة اليوم ليس فقط إدخال مساعدات، بل خطة متكاملة لإعادة بناء المجتمع واستعادة الإنتاج والاستقرار.
وختم بربخ حديثه بالقول: "المؤشرات الاقتصادية الحالية تنذر بانهيار تام، حيث تجاوزت معدلات البطالة حاجز 83%، في حين ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 92%، وهي من بين الأعلى عالميا، في وقت فقدت فيه نحو 85% من المنشآت الاقتصادية قدرتها على العمل بسبب الدمار أو انقطاع المواد الخام والطاقة".

Related News

