الانتصار الحقيقي لحزب الله
Arab
16 hours ago
share

مسائل كثيرة في السلم والحرب والسياسة لا حلّ لها. مصير سلاح حزب الله من تلك المعضلات التي تشبه تمارين رياضيات نتيجتها صفرية كيفما بدّلتَ الأرقام وجرّبتَ عليها معادلات. كيف يمكن للدولة اللبنانية نزع سلاح حزب الله سلمياً؟ يبدو ذلك مستحيلاً، لأن الانتصار الأكبر والوحيد ربما في رصيد حزب الله أنه جعل مشروع تسليم سلاحه للدولة مرادفاً لتفجير السلم الأهلي الهشّ لهذا البلد. بقاء السلاح عامل تفجير للبلد، ومعه ستظل الدولة اللبنانية عبارة مجازية لا تثير إلا السخرية. وفي العمل على تجريد حزب الله منه، ليكون حصراً بيد الدولة، مخاطرة جدّية بتفجير حرب أهلية. لا استمرار التعايش مع سلاحه ممكن، ولا الطريق سالكة لتجريده إياه بلا دم وخراب إضافيين.
لقد ظهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كم أن الدنيا تغيّرت، وكم تبدّلت موازين القوى إلى درجة أصبحت معها عبارة "سلاح حزب الله الرادع" نكتة سمجة. تبيّن كم سجّلت إسرائيل في رصيدها قدرة على فعل كل ما تشاء من جرائم ومتى أرادت تقريباً. كم أصبح سلاح حزب الله عبئاً على البلد لا حامياً له، وكم أنه لم يعُد يجدي إلا لكي يحمي نفسه على قاعدة "السلاح للسلاح"، لا لجعل إسرائيل تفكّر مرّتين قبل اتخاذ قرار شنّ حرب. سلاح لا هو قادر على أن يحمي بلداً وسكانه، ولا معنى سياسياً له إلا إضعاف التعاطف مع لبنان والدعم العالمي له في كل ساعة ترتكب فيها إسرائيل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
خسارة حزب الله ومعه لبنان واللبنانيون في الحرب المستمرّة بعد الإسناد الانتحاري، ماحقة. أما إسرائيل، فهي تنجح في تدفيع الدولة اللبنانية ثمن هزيمة الحزب من أرضها وقرارها السياسي وسيادتها وهيبتها، فتفرض الدولة العبرية منطقة أمنية عازلة على لبنان داخل حدوده، وتحدّد مَن يُسمح لهم بالعيش في قرى حدودية (بحسب انتمائهم الطائفي طبعاً) ومن يُحرَّم عليه ذلك، وتضع قواعد عمل المطار والمرفأ والمعابر الحدودية تحت طائلة التدمير الفوري. تشترط أن تقتحم القوى الأمنية اللبنانية هذا المبنى المشبوه وإلا تقصفه مقاتلاتها. وبعد هذه الحسبة الكارثية التي يسمّيها نعيم قاسم وصحبه انتصاراً، يأتي الأصعب: تسليم حزب الله (كل) سلاحه بأمر أميركي - إسرائيلي في غضون نهاية العام، وإلا عودة الحرب الشاملة على لبنان، أو توسيع المدى الجغرافي للغارات اليومية وتكثيف وتيرتها. لكن شكوكاً كبيرة تحيط بقدرة هذه الغارات وحتى حرب شاملة على نزع سلاح حزبٍ بنَى منذ أكثر من 40 عاماً، بهمّة إيرانية استثنائية، دولة موازية، لها جيش ومرشد وحكومة واستخبارات وشرطة وموازنة ومستشفيات ومدارس وكشّافة ومصرف ومتاجر ومحاكم ومؤسّسات اقتصادية على اختلاف قطاعاتها، والأهم ولاء للموازي على حساب الأصيل، لدولة حزب الله على حساب لبنان.
تدرك جميع الأطراف الفاعلة، داخل لبنان وخارجه، أنّ الحرب الأهلية الكارثية ربما تستطيع أن تفتح طريقاً يوصل إلى إبطال مفعول السلاح وصرفه في الداخل، وهو ما تدفع في اتجاهه إسرائيل وإلا تكون غبية، وهي ليست كذلك. ولحسن الحظ، لا يعني عدم اندلاع تلك الحرب الأهلية الطائفية المشؤومة إلا أنّ خصوم حزب الله وأركان الدولة اللبنانية يفعلون المستحيل لتفادي انفجارها، بينما لا يتردد أركان الحزب وقائده في التهديد بقطع كل يد تمتد إلى السلاح، مع التسليم بإدراك حزب الله ضمناً، على الأقل، أن الحرب الأهلية ستكون بالنسبة إليه ضربة على الرأس.
المعضلة جليّة: الخشية ضرورية وحقيقية من اندلاع حرب أهلية في حال العمل الجاد لنزع سلاح حزب الله. في المقابل، تلك الخشية بقدر ما هي ضرورية وحقيقية، فإنها ستمدد عمر السلاح إلى أن تقرر طهران خلاف ذلك وإنهاء مهمته، أو إلى أن يتغير النظام هناك. وإن حصل هذا أو ذاك، إن ابتدع المسؤولون الإيرانيون بيريسترويكا إصلاحية خاصة بهم، وتخلّوا عن أدواتهم ما وراء الحدود، أو إن تغيّر وجه إيران ونظامها، فإنّ علامة استفهام عملاقة يمكن طرحها حينذاك عن هوية الطرف القادر على ضبط غابة السلاح الميتّم في شوارع لبنان.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows