
رغم أنه لم يتبق من عمر دورة البرلمان العراقي الحالية سوى ثلاثة أشهر، قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إلا أن أداء البرلمان بات محل نقاش واسع بين أوساط النخب السياسية في العراق، خصوصاً مع تعثر انعقاد الجلسات. وزاد الحديث عن التأثير والتوافق والدور السياسي في "الإفشال المتعمد" لدور المؤسسة التشريعية في البلاد، ما جعل الدورة البرلمانية الحالية تُعد الأكثر فشلاً بين الدورات السابقة، باعتراف أعضاء في مجلس النواب وسياسيين. وفيما تتراشق القوى السياسية وتتهم بعضها بعضاً بتعطيل عمل مجلس النواب عبر منع اكتمال النصاب القانوني، إلا أن كل الأحزاب مشتركة في هذا التعطيل وفقاً لمشاهد الجلسات التي ينشرها الإعلام العراقي الرسمي.
ومع نهاية العطلة البرلمانية، السبت الماضي، كان من المفترض أن تبدأ الجلسات، إلا أن غياب النواب عن الحضور أفشل معظم الجلسات، ما أدى لتأجيل التصويت على كثيرٍ من مشاريع القوانين، لعل أبرزها قانون "الحشد الشعبي" الذي ترفضه الولايات المتحدة الأميركية. فيما يرجح نشطاء أن الأحزاب ونوابها في البرلمان منشغلون هذه الفترة بالترتيبات الخاصة بالانتخابات والتواصل مع الجمهور والدعاية للمرشحين الجدد، لكن هذا الترجيح صاحبته موجة استياء من تراجع دور السلطة التشريعية وإهمال ملفات وقوانين مهمة ينتظرها العراقيون.
ولم تنجح الجلسات التي عُقدت خلال الأسابيع الماضية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، الأمر الذي دفع النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي إلى التوجيه بنشر أسماء أعضاء المجلس المتغيبين عن الجلسات مع اتخاذ إجراء باقتطاع مبلغ مليون دينار من راتب كل نائب لم يحضر (حوالي 750 دولاراً)، لكن لا يبدو أن هذه العقوبة كانت رادعة للأعضاء المتغيبين، حيث سبق أن أقرّ رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني فرض غرامة مالية قدرها مليون دينار عراقي على النائب المتغيب عن الجلسة الواحدة، ونشر أسماء النواب المتغيبين في الموقع الإلكتروني الرسمي للمجلس، ولكن ذلك لم يجد نفعاً.
وفي السياق، قال رئيس كتلة "أجيال" في البرلمان العراقي محمد الصيهود إن "جميع الكتل في البرلمان العراقي تتغيب عن حضور الجلسات، لكن بعضها يتهم البعض الآخر، ولا توجد كتلة يمكن اعتبارها منضبطة أكثر من غيرها، لأن الأمزجة السياسية تجاه مشاريع القوانين في مجلس النواب تتحكم بالحضور أو الغياب. ورأينا هذا مع مشروع قانون الحشد الشعبي، حيث تتعمد الكتل الكبيرة داخل البرلمان التغيّب والتحشيد من أجل منع الحضور والتصويت على القانون، وهذا الأمر ينسحب على مشاريع قوانين أخرى"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخلافات السياسية تعطل عمل البرلمان".
وأضاف الصيهود أن "البرلمان العراقي يشهد عدم انسجام وغياب الاتفاق على مستويات عدة، منها الجانب السياسي بين الأحزاب ومنها ما يتعلق برئاسة البرلمان نفسه، وتحديداً بين رئيس البرلمان ونائبه الأول، وهذا واضح لجميع أعضاء مجلس النواب، وهو جزء من العرقلة في الجلسات وتمرير القوانين"، مشيراً إلى أن "عناد بعض الكتل وتغيبها عن الحضور بأوامر زعماء الأحزاب، بات ظاهرة سلبية وتأثيرها مباشر على المواطن العراقي الذي ينتظر القوانين التي تخدمه، ويؤشر إلى حالة عدم ثقة شعبية بالسلطة التشريعية".
أما النائب سعود الساعدي، فقد كشف أخيراً عن إصرار بعض أعضاء مجلس النواب على تعطيل الدور الرقابي والتشريعي للمجلس، وذكر في مؤتمر صحافي عقده في مبنى البرلمان بمشاركة عدد من النواب أن "رئاسة مجلس النواب تتحمل مسؤولية تعطيل المجلس"، وأنه "لا يوجد في النظام الداخلي أي شيء تحت مسمى تعليق انعقاد جلسات مجلس النواب"، مشيراً إلى أن "القانون ينص على فصل النواب المتغيبين عن خمس جلسات، إلا أن هذا الإجراء لم يُنفذ".
من جهته، بيَّن عضو اللجنة القانونية في البرلمان محمد عنوز أن "رئاسة مجلس النواب وصلت إلى مرحلة أنها تطلب كثيراً من النواب عقد جلسات متكاملة، وهذا يمثل سابقة لم تكن تحدث في الدورات السابقة، ما يُشير إلى تخلل القوى داخل مجلس النواب، وصارت قوة الكتل البرلمانية التي تمثل الأحزاب أقوى من إرادة رئاسة البرلمان"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تراشق الاتهامات بين الكتل في البرلمان لا ينسف الحقيقة التي يمكن اختصارها بأن الأحزاب تتحدى بعضها بعضاً بتمرير قوانين على حساب قوانين أخرى.. وللأسف فإن هذه الدورة البرلمانية هي الأقل تشريعاً بين الدورات التي شهدتها الحياة السياسية في العراق منذ نحو عقدين".
من جانبه، لفت المحلل السياسي مجاشع التميمي إلى أن "أعضاء مجلس النواب في غالبيتهم يخضعون لأوامر حزبية مباشرة، بالتالي فإن تغيب النواب يعني أن أحزابهم أمرتهم بذلك، حيث لا يستطيع معظم النواب اتخاذ قرار بالحضور أو التصويت أو الاعتراض أو الغياب من دون أوامر الحزب، ما يعني في النهاية أن فشل انعقاد الجلسات في الأسابيع الأخيرة لم يكن عفوياً بل هو إفشال متعمد من قبل قادة الأحزاب"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذه المسؤولية تقع على عاتق رئيس مجلس النواب الذي من المفترض أن يكون أكثر صرامة مع هذه الحالة، وإنهاء المهزلة التي ستؤثر حتماً على المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، لأن الثقة اهتزت بشكلٍ كبير بالسلطة التشريعية".
وكان من المؤمل أن يقدم البرلمان العراقي خلال دورته الحالية على إكمال التصويت على عشرات القوانين المرحّلة من الدورات البرلمانية السابقة، إلا أن غياب الإرادة السياسية بعدم حسم العديد من القوانين المهمة سيدفع إلى ترحيل نحو 150 مشروع قانون، ما ينعكس سلباً على مصالح الشعب العراقي الذي يتطلع إلى تشريعات حاسمة تعزّز استقرار البلاد وتلبي احتياجاته الملحّة.

Related News

