
للمرة الثانية خلال أقل من شهر، شهد أحد أحياء العاصمة السورية دمشق الراقية جريمة سطو مسلح تحولت إلى جريمة، وهو ما عمّق المخاوف من انفلات أمني متنقل في دمشق في ظل فوضى السلاح، وعدم قدرة وزارة الداخلية على ضبطها والحد من انتشارها. وقتلت الفنانة ديالا الوادي، ابنة الموسيقار الراحل صلحي الوادي، والذي كان أحد أعلام الموسيقى في سورية، فضلاً عن كونه مؤسس المعهد العالي للموسيقى في دمشق. وقُتلت ديالا الوادي الأحد الماضي خنقاً في عملية سطو مسلح على شقتها، وقد كانت من الوجوه الفنية المعروفة في سورية وهي تحمل الجنسيتين العراقية والبريطانية. وقعت الجريمة في حي المالكي الراقي، الواقع على أطراف دمشق الشمالية الغربية، وفي محيطه قصور رئاسية ومبان وزارات ومؤسسات حكومية. وشهد الحي جريمة مماثلة قبل أقل من شهر راحت ضحيتها الطبيبة آمال البستاني وعاملة في منزلها، هزت حينها الشارع الدمشقي. وتدل كل المؤشرات إلى أن الدافع وراء الجريمتين السرقة من قبل أشخاص يستغلون فراغاً أمنياً في البلاد، لم تستطع وزارة الداخلية في الحكومة الوليدة ملأه حتى اللحظة. وذكر مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لوسائل إعلام محلية أن الوزارة باشرت التحقيقات في جريمة قتل الوادي، داعياً المواطنين إلى عدم الانسياق وراء الشائعات وانتظار المعلومات الرسمية من الجهات المعنية.
محمد سعيد المصري: يجب إعادة المحكومين جنائياً إلى السجون
جرائم في دمشق
ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، شهدت دمشق عمليات سطو مسلح تخللتها جرائم قتل، فقبل أيام أقدم أشخاص على سرقة مكتب للحوالات المالية في منطقة مشروع دمر على أطراف دمشق الشمالية الغربية، والاعتداء على صاحبه. وينتشر السلاح الفردي في أغلب المدن السورية، وهو ما يصعّب من مهام وزارة الداخلية في ضبط الأمن بشكل يحد من الجريمة المنظمة، ويبدد المخاوف من اتساع نطاقها، ولا سيما في أحياء دمشق التي تشهد اكتظاظاً سكانياً. ووضع الباحث محمد سعيد المصري، في حديث مع "العربي الجديد"، الجريمة التي طاولت ديالا الوادي في سياق "جرائم السرقة والسطو المسلح، التي انتشرت في الفترة الأخيرة نتيجة تراجع الأمن". وتابع: الجريمة وقعت في حي يعتبر شديد الحراسة لوجود عدد كبير من السفارات والمقرات الحكومية فيه أو بالقرب منه، ما يشير إلى وجود عصابات أصبحت أكثر تنظيماً وأكثر جرأة وقدرة على مهاجمة أهداف داخل مناطق محمية بالعادة. وتابع: جريمة حي المالكي رسالة مفادها بأن الحالة الأمنية في البلاد في تراجع، مقابل تنظيم في العصابات المسلحة يتيح لها القيام بجرائم في قلب العاصمة. وطالب المصري وزارة الداخلية بالاعتماد "وبشكل عاجل" على "الخبرات الوطنية من ضباط وصف ضباط وعناصر كانوا قد انشقوا عن النظام البائد"، مضيفاً: هؤلاء لديهم خبرات في العمل الأمني والجنائي، وعلى الوزارة إسناد مهام ضبط الأمن لهم بالسرعة القصوى.
وكانت السجون السورية قد أُفرغت من المحكومين الجنائيين أثناء عملية تحرير البلاد، ولم يجر تحرّك جدي حتى اللحظة من قبل وزارة الداخلية للتعامل مع هذا الملف. في هذا الصدد، طالب المصري وزارة الداخلية بوضع استراتيجية لـ"ملاحقة اللصوص وأصحاب السوابق والمطلوبين والقبض عليهم، خصوصاً أولئك الذين أطلقوا ليلة التحرير"، مضيفاً: على الوزارة تجهيز وتفعيل السجون المركزية والاعتماد على نظام الدوريات المركزية، المرتبطة بأبناء الأحياء مباشرة للاستجابة لنداءات الاستغاثة. وكانت وزارة الداخلية السورية أعلنت في أواخر مايو/ أيار الماضي، عن استحداث إدارات جديدة في سياق إعادة هيكلة هذه الوزارة المنوط بها ضبط الأمن والاستقرار في البلاد. وحلّت الإدارة الجديدة في البلاد الأجهزة الأمنية التي كانت تابعة للنظام البائد، ومنها جهاز الأمن الجنائي، واستحدثت إدارة جديدة حملت اسم إدارة المباحث الجنائية، ودمجت جهازي الشرطة والأمن العام تحت مسمى قيادة الأمن الداخلي. وتشير الوقائع إلى أن هذا الجهاز لم يستطع بعد سد الفراغ الذي تركه حل الأجهزة التي كانت معنية بالجرائم الجنائية في البلاد، وهو ما يخلق بيئة تتيح لأشخاص يمتهنون الجريمة.
زيدون الزعبي: انتقال السلطة من جهة إلى أخرى يخلق حالة من الاضطراب المؤسساتي
انكشاف الأوضاع الأمنية
في السياق، تساءل الباحث زيدون الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن الأسباب التي تحول حتى اللحظة عن إعادة المحكومين الجنائيين إلى السجون، مشيراً إلى أن نشر عناصر جهاز الأمن العام في إرجاء البلاد في "صراعات ليست أولوية يؤدي إلى انكشاف الأوضاع الأمنية بهذا الشكل". وتابع: على وزارة الداخلية إعادة عناصر الشرطة المدنية إلى الخدمة، لضبط الأمن والاستقرار في البلاد. غير أن الباحث بسام السليمان رأى في حديث مع "العربي الجديد" أن جريمة حي المالكي في دمشق "تأتي في سياق التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد خلال المرحلة الانتقالية"، مضيفاً: انتقال السلطة من جهة إلى أخرى يخلق حالة من الاضطراب المؤسساتي التي يستغلها البعض من أجل ارتكاب جرائم وعمليات سطو مسلح وسرقات.
وبرأيه، حدوث جريمة في أي بلد "لا يعني فشل أو غياب الأمن والاستقرار"، مضيفاً: حتى في البلدان المتقدمة هناك جرائم على مستويات واسعة النطاق ومشاكل أمنية. ربما في الفترات الانتقالية التي تمر بها بلدان تكون معدلات الجريمة أعلى، لأن هذه البلدان تعيش أوضاعاً اجتماعية مضطربة من فقر وبطالة وحالات عنف وفوضى، لاسيما أن مؤسسات الدولة الأمنية ليست في أفضل حال. وتابع: في كل دول العالم هناك معدلات للجريمة، وكلما كانت الدولة مستقرة ينخفض هذا المعدل. الفترة الانتقالية تخلق ثغرات أمنية. وبرأيه، ليس هناك تراخ أمني في سورية في الوقت الحالي، مضيفاً: "ما يجري في سورية سياق طبيعي للجريمة. منهجياً لا يمكن مقارنة الأوضاع الأمنية في بلدان مستقرة بذات الأوضاع في بلدان عانت من الحرب طويلاً وتمر الآن بمرحلة انتقالية".

Related News

