غزة وميلانيا ترامب وزوجها
Arab
2 hours ago
share

إذا كان ثمة تغيّر في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قتل الفلسطينيين جوعاً في قطاع غزة، فلا فضل فيه لزعماء عرب أو أجانب قابلهم، بل لعقيلته ميلانيا. ثمة مجاعة مروّعة في قطاع غزة ازدادت توحّشاً منذ إبريل/نيسان الماضي، ولم يبق زعيم غربي من حلفاء واشنطن إلا وندّد بها، وآخرهم كان رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، الذي التقى ترامب في اسكتلندا قبل أيام، وكان جواب الرئيس الأميركي دائماً إنها (أي المجاعة) مفتعلة، وإذا وُجدت فليست أكثر من سوء تغذية.
كان لا بد من أن يهمس أحدهم في أذنه بأن الحقيقة في مكان آخر، وأن الوضع لم يعد يطاق على الإطلاق، وهو ما فعلته ميلانيا التي صادف أن شاهدت صور طالبي المساعدات على إحدى القنوات الإخبارية فروّعتها، فأخبرت الرئيس ليغيّر رأيه على الفور: نعم هناك مجاعة.
يقول إنها (ميلانيا) تعتقد أن الوضع مروّع، والحال هذه؛ فثمة مجاعة، إلا إذا كان هناك من يصرّ على إنكارها، وهو "قاسي القلب أو أحمق"، والتعليق الأخير له، رغم أنه كان ينكر وجودها أصلاً ويتبنى رواية "صديقه" نتنياهو بشأنها.
نتحدث هنا عن رئيس أكبر دولة في العالم وهو يقارب أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، بعينيْ سواه، وتحديداً نساءه، فلا معنى أبداً لتقارير الأمم المتحدة، ولنداءات زعماء في العالم، بل لا معنى للمؤسسات الوطنية نفسها في بلاده، فالأهم من يهمس في أذن الرئيس، خاصة إذا كان من أهل البيت.
في إبريل 2017، قصف ترامب مطار الشعيرات في حمص (وسط سورية) رداً على هجوم خان شيخون الكيماوي الذي شنه الرئيس السوري الفارّ بشار الأسد، ولم يفعل ذلك لأن الأسد لجأ إلى الأسلحة الكيماوية، بل لأن ابنته إيفانكا شاهدت صوراً للهجوم، فغضبت وتأثرت كأي أم وهي تشاهد صور الضحايا من الأطفال، ومرّرت الصور لوالدها الرئيس فغضب لغضبتها، وقصف الشعيرات.
لم يكتف بذلك، بل وصف الرئيس السوري الفارّ بـ"الحيوان والشرير والسيئ للبشرية جمعاء"، ولو فعل سلفه باراك أوباما شيئاً شبيهاً بعد صور حمزة الخطيب، أو الأخبار التي انتشرت عن سلخ جلده وقطع عضوه الذكري بعد تعذيبه، لما دفع السوريون الفاتورة الأبهظ على الإطلاق في الانتفاضات العربية، لكن أوباما المتردد سياسياً كان يظن أن براعته في الخطاب تكفي لدحر الدكتاتوريات وحل مشكلات الصرف الصحي أيضاً. 
قال ترامب في حينه عن الأسد لـ"فوكس نيوز": "هذا حيوان"، راوياً كيف اتخذ قراره: "حين ترى الصور على التلفزيون، وترى أطفالاً جميلين موتى بين أيدي والديهم، أو ترى أطفالاً ينازعون من أجل التنفس، وأنت تدري أن الأمر انتهى بالنسبة إليهم (…) حينها اتصلت مباشرة بالجنرال ماتيس وسألته ماذا يمكننا أن نفعل؟ ورددنا عليهم بقوة". 
لن يفعل شيئاً مشابهاً في حال غزة، حتى إنه لن يقرّع نتنياهو علناً، لكنه على الأقل لم يعد ينكر المحرقة الفلسطينية على نحو ما، وتُشكر على ذلك إيفانكا ولاحقاً ميلانيا، فثمة قضايا في هذا العالم يبدو أنها تحتاج إليهما لأن رأييهما يشكل فارقاً لديه، ويتحوّل إلى دافع لفعل ما يفترض أن يُفعل أصلاً من دون همس في الأذن من قريب أو بعيد.

يكشف هذا سطوة الصورة إذا أُحسِن توظيفها، كما يفسّر الرفض الإسرائيلي، حتى يومنا هذا، السماحَ لفرق القنوات التلفزيونية الغربية الكبرى بالعمل داخل قطاع غزة، ليس لأن الصور غير متوفرة إلا بوجودها (الفرق) بل لدور المراسلين أنفسهم وتأثرهم (وهذا مفترض حتى لدى أكثرهم تحيّزاً إلى إسرائيل)، وتأثيرهم لاحقاً في جمهورهم المستهدف، وهذا وارد بالقياس إلى هجمات إسرائيلية سابقة على قطاع غزة، بل إن زيارة مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى قطاع غزة الجمعة الماضي لم ترافقها تغطية تلفزيونية حقيقية، باستثناء لقطات بعيدة لا يظهر فيها، رغم أن الزيارة في حد ذاتها مهينة ومتحيّزة أصلاً.
كم هو محزن وباعث على الكآبة أن يرتبط مصير شعب كامل، أكثر من مليوني إنسان خلقهم الله نفسه الذي خلق ترامب ونتنياهو وويتكوف وسواهم، بانطباع محق وفي مكانه ووقته لسيدة صادف أنها عقيلة الرئيس الأقوى في العالم، القادر على إنهاء حمّام الدم الذي لا يتوقف: فضيحتنا جميعاً ومصدر عار البشرية بأسرها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows