البُن.. ثروة اليمن المهدورة
Reports and Analysis
1 week ago
share

لم يكن المزارع الثلاثيني “أحمد عبده”، الذي ورث زراعة البن عن والده، يتوقع أن يتراجع محصوله بسرعة مخيفة خلال السنوات الخمس الماضية، بسبب التغيرات المناخية، وشح المياه، والتأثيرات السلبية للصراع المستمر في اليمن منذ عشر سنوات.

ثروة اليمن المهدورة

يقول أحمد الذي يعيش في منطقة وادي الجنات شرق إب، إن منزل عائلته كان يمتلئ بمحصول البن خلال المواسم، وكانت العائدات تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك مصاريف الزواج وبناء المنازل، لكن اليوم لم يعد البن اليمني المصدر المضمون للدخل، بل أصبح يعاني من تراجع حاد في الإنتاج والتسويق.

ويؤكد لمنصة ريف اليمن أن “المزارع بحاجة إلى تمويل مستمر حتى موعد الحصاد، لكنه غالباً ما يواجه صعوبة في تلبية طلبات الدعم، مما يجبره أحياناً على الاقتراض من التجار الذين يستغلون حاجته بشراء محصوله بأسعار متدنية”، مؤكدا احتكار الآلات، مثل الطواحين والمحامص، من قبل بعض التجار في المحافظة.

يعاني أحمد من صعوبة الحصول على التمويل، ومشقة الوصول إلى الأسواق، وضعف القدرات التسويقية، وصعوبات في التحميص والتغليف بآليات حديثة تتناسب مع الكميات، ويضطر لبيع المحصول أسبوعياً لعدد محدود من التجار، مما يقلل من فرصه في تحقيق عوائد مجزية.


       مواضيع ذات صلة


ومما يشكل خطراً حقيقياً على سمعة البن اليمني والمزارعين لجوء بعض التجار الى استيراد بن خارجي والترويج له بأنه يمني، ويصف المزارع أحمد الأمر بالكارثة، ويقول: “المنافسة غير السوية، ولجوء بعض التجار إلى استيراد البن البرازيلي أو الأفريقي وإعادة تصديره للخارج على أنه بن يمني، بل وبيعه في الأسواق المحلية بنفس الادعاء، يشكل ضربة كبيرة لسمعة ومكانة البن اليمني الأصيل”.

تعكس قصة أحمد واقع آلاف المزارعين والتجار الذين يكافحون للحفاظ على زراعة وتجارة البن وسط تحديات متزايدة، تفاقمت بفعل التغيرات المناخية، وتداعيات الحرب التي تشهدها البلاد منذُ عشر سنوات، رغم الفرص المتاحة لتحسين الإنتاجية وتعزيز جودة هذا المحصول الفريد، خاصة مع تزايد الاهتمام المحلي والعالمي بالقهوة.

ويتميز البن اليمني بجودته العالية ونكهته الفريدة، ما جعله واحداً من أشهر أنواع القهوة في الأسواق العالمية، وتقدر المساحة المزروعة بحوالي 34 ألفاً و497 هكتاراً، ويشكل هذا القطاع مصدر رزق لما يقارب مليون شخص.

تحديات زراعة البُن

وتواجه زراعة البن في اليمن تحديات عديدة تؤثر سلباً على إنتاجيته وجودته، تشمل عوامل مناخية، اقتصادية، اجتماعية، وتسويقية، ومن أبرز هذه التحديات شح المياه؛ حيث يعتمد معظم مزارعي البن على مياه الأمطار.

البُن.. ثروة اليمن المهدورة
إحدى المدرجات الزراعية للبن (شبكة الويب)

ومن ضمن التحديات توسع زراعة القات التي باتت تستهلك أكثر من 90% من المياه في البلاد، كما يشكل ارتفاع تكاليف الإنتاج، بدءاً من الأسمدة والمبيدات وصولاً إلى النقل والتخزين، عبئاً إضافياً على المزارعين.

وتزيد التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار، بالإضافة إلى انتشار الأمراض والآفات، من تعقيد الوضع، وتؤثر تقلبات الأسعار في الأسواق، وضعف البنية التحتية الزراعية، وغياب المعرفة بالممارسات الحديثة على الإنتاجية وجودة المحصول.

“عبدالله علي” (60 عاما) أحد مزارعي البن في منطقة بعدان بريف محافظة إب (وسط اليمن)، أكد بأنه يواجه تحديات وصعوبات كبيرة، فهو مثل غيره من المزارعين يعتمد على الطرق البدائية في الزراعة، بالإضافة إلى ندرة المياه، وتضارب القيم السوقية، خاصة في ظل تقلبات الموسم وصعوبة الوصول إلى السوق في الوقت المحدد.

يقول علي لمنصة ريف اليمن: “رغم قرب نهاية موسم جني البن، الا أن أغلب المزارعين لا يزالون يحتفظون بما جمعوه خلال الأسابيع والأشهر الماضية”، مشيراً إلى تعرضهم للغبن في أسعار المحصول بالوقت الحالي.

وتابع: “أحياناً يصل سعر القدح (ثمانية أثمان) في السوق المحلية إلى حوالي 100 ألف ريال (أقل من 200 دولار) في وقت الذروة، وأحياناً يعود إلى ما دون 50 ألف ريال (أقل من 100 دولار) في فترة الكساد أو عندما يكون الموسم في أوجه”، مؤكداً أن معظم منتجات المنطقة تتعرض لهذا النوع من الظلم غير المنطق.

إضافة إلى ذلك، يعاني المزارعون من ضعف البنية التحتية؛ مثل الطرق وشبكات الري، وعدم وجود دعم حكومي كافٍ، مما يجعلهم يعتمدون على مجهوداتهم الذاتية أو المبادرات المجتمعية لدعم إنتاجهم وتسويق محاصيلهم.

كما أنهم يواجهون صعوبة توسع زراعة القات في المنطقة على حساب البن والمنتجات الأخرى كالذرة والبقوليات والتين والجزر الهندي وغيرها من المزروعات، والتي تؤدي الى استنزاف المياه بشكل كبير، وزيادة الصراع عليها وصل حد القتل.

وفقاً لتصريحات حكومية في عام 2014، فإن الإنتاج السنوي من البن كان يبلغ 25 ألف طن، مع تطلعات لزيادة الإنتاج إلى 50 ألف طن خلال خمس سنوات، ومع ذلك، تراجع الإنتاج في عام 2019 إلى 18 ألف طن.

البُن ثروة اليمن المهدورة
مزارع يمني يميناً، مع عائلته. (صورة من سابكوميد)

وتتنوع أنواع البن اليمني التي تُزرع في مختلف مناطق البلاد، منها: العديني، الدوائري، التفاحي، البرعي، الحمادي، المطري، الحيمي، اليافعي، الحرازي، الخولاني، موكا، الإسماعيلي، الريمي، الوصابي، الآنسي، الصبري، والصعدي.

البُن والفرص المتاحة

وبحسب دراسة نشرتها وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، يحتل البن اليمني المرتبة الأولى عالمياً من حيث الجودة، ويصل سعر الكيلوغرام منه إلى 500 دولار، بينما يبلغ سعر الطن حوالي نصف مليون دولار، أي أن سعر الكيلو من البن اليمني يعادل سعر 10 براميل نفط.

وفي ظل التحديات الكبيرة التي تواجه زراعة البن في اليمن، ثمة فرص متاحة، لاسيما مع زيادة الاهتمام العالمي بهذا المنتج الفريد الذي لا يزال يحتفظ بمكانة مرموقة على الصعيد المحلي والعالمي، مما يعزز من مكانته، كما يمكن أن تسهم المشاركة في المعارض الدولية، إلى جانب تطوير العلامة التجارية وتسهيل عمليات التصدير، في جعله منافساً قوياً في الأسواق العالمية.

ولتعزيز ذلك، يقترح خبراء مهندسون زراعيون تشجيع المزارعين على استبدال القات بزراعة البن، وإنشاء مشاتل متخصصة، وتأسيس جمعيات تعاونية، وتطوير الأبحاث العلمية، والحفاظ على الأصناف المميزة، واستخدام أنظمة الري الحديثة، والتوجه نحو الزراعة العضوية لزيادة الإنتاجية.

بالإضافة إلى تعزيز العمل الجماعي بين المزارعين وتحسين قدرتهم التفاوضية في السوق، وتدريب المزارعين، ودعم المبادرات الشبابية في تسويق البن، مما يسهم في زيادة انتشارها، وتعزيز عمليات التسويق والاستفادة من برامج المنظمات المحلية والدولية لتحقيق تنمية مستدامة لزراعة البن في المنطقة وتعظيم الفائدة منه.

وخلال السنوات الماضية، شهد قطاع البن اليمني محاولات حثيثة لاستعادة مكانته العالمية عبر مبادرات شبابية، وجهود مجتمعية تهدف إلى تسليط الضوء على زراعته وتسويقه محلياً ودولياً، من أبرزها تخصيص الثالث من مارس يوماً سنوياً للاحتفال بـ “عيد موكا”، حيث تُقام فعاليات توعوية وثقافية تمتد لأسابيع تهدف لتعزيز زراعة البن وتشجيع المزارعين.

ورغم أهمية هذه الجهود المحدودة في استعادة مجد البن اليمني عالمياً، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى دعم حكومي واستثمارات مستدامة لضمان نجاحها، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية التي يواجهها القطاع الزراعي في اليمن.

The post البُن.. ثروة اليمن المهدورة first appeared on ريف اليمن.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows