ما حصل في الماضي لحليف أميركا الأهم وصديقها المقرّب الشاه محمد رضا بهلوي، مشهد ودرس يتكرّر بين حين وآخر. فهذا الرجل الذي قضى آخر سنوات عمره يبحث عن سرير في مستشفى يؤمّن له العلاج حتى وصل الحال بصديقه المقرّب هنري كيسنجر إلى تهديد الإدارة الأميركية بكشف حقيقة تخليها عن أقرب حلفائها وأصدقائها أو تقديم المساعدة للشاه المخلوع.
وتكرّرت القصص مع آخرين مثل ديكتاتور تشيلي أوغستو بينوشيه الذي وصل إلى السلطة بدعم وكالة المخابرات الأميركية وانتهى به المطاف لاجئًا في إسبانيا، وأيضا رجل أميركا القوي حسني مبارك، الذي قضى آخر أيامه بين السجن والمستشفى. كما لا يفوتنا أن نتذكر أصدقاء واشنطن الذين أخفقوا في الوصول إلى السلطة في فنزويلا وكوبا وغيرها رغم القرب الجغرافي وقوّة الدعم الأميركي له.
وفي العراق أخفقت الولايات المتحدة مرّات عدّة في دعم أقرب أصدقائها أو المحسوبين عليها ورضخت للأقوياء القادرين على التأثير داخليًا، حتى إن كانوا من أشد الرافضين المنتقدين الممانعين. وعلى الرغم من كل ذلك، ما زلنا نبدع في تكرار الإخفاقات، فقد تعاظم حجم الإرباك العراقي إزاء واشنطن بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض وما رافقها من تطوّرات.
تعاظم حجم الإرباك العراقي إزاء واشنطن بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض وما رافقها من تطورات
وقد تبيّن عدم وجود رؤية عراقية للعلاقة مع واشنطن أو خريطة طريق قابلة للتنفيذ، لكن بتنا نشاهد كلّ يوم سيلا من المزايدات من قبل بعض السياسيين الذين يتباهون برضا واشنطن عنهم أو قربهم منها.
وقد أتخمت أخيرا البرامج الحوارية الرمضانية بتصريحات لسياسيين يتحدثون عن مقبوليتهم لدى الباب العالي الأميركي وقربهم من دوائر صنع القرار هناك وقدرتهم على تغيير القناعات الأميركية، وهم قبل غيرهم يدركون أنّ تصريحات من هذا النوع لا قيمة لها، كونها تهدف بالدرجة الأساس إلى تحقيق مصالح داخلية. فمن المعروف أن التأثير على دوائر صنع القرار أعمق من الطريقة الساذجة التي يتم تناولها، وعملية التأثير الأميركي في صنع القرار العراقي أكثر تعقيدا من الطريقة التي تطرح عبر وسائل الإعلام.
عملية التأثير الأميركي في صنع القرار العراقي أكثر تعقيدا من الطريقة التي تطرح عبر وسائل الإعلام
فالتعامل مع دوائر صنع القرار الأميركي لا يمكن أن يكون مسألة شخصية، أو قدرة على تقديم رشاوى أو صفقات فساد، إنما يكون عبر لوبيات متجذرة، كما في منظمة (إيباك) التي تحرس المصالح الصهيونية، أو عبر استثمارات وفرص مالية ضخمة من خلال كبريات الشركات الأميركية كما تفعل عدّة دول، أو عبر توظيف الجاليات في أميركا قناةً للتواصل والتأثير كما تفعل إيران أو من خلال استثمار الموقع الجيوسياسي كما فعلت باكستان سابقا وتفعل الهند اليوم.
والخطورة أن هذا النوع من التصريحات السياسية يضعف مكانة العراق إقليميا ويهزّ ثقة الشعب بحكومته وبالانتخابات وبالعملية السياسية، ويرسّخ فكرة أن العراق ليس إلا ولاية أميركية يتسابق رجال سياستها على كسب رضا واشنطن من أجل تقاسم الثروات معهم، وأنّ موضوع الدولة والسيادة مجرّد ترف سياسي. فعلى الجميع إغلاق هذا المزاد وهذا التهافت على ادّعاء القرب من واشنطن وبيتها الأبيض الذي تحوّل اليوم إلى منصّة لإهانة أهم وأقرب أصدقاء واشنطن من دون سابق إنذار.
Related News
