سورية.. بين الاستبداد والتغيير الحقيقي
Arab
1 week ago
share

لطالما شكّلت معادلة "الأمن مقابل الحرية" تحدّياً جوهرياً في المشهد السياسي داخل سورية حيث استخدمت الأنظمة السلطوية مفهوم "الأمن" ذريعة لتقييد الحريات وقمع الأصوات المعارضة، مدّعية أنّ الاستقرار لا يمكن تحقيقه إلا من خلال السيطرة المطلقة. ومع انطلاق مرحلة انتقالية جديدة، يبرز التساؤل الأساسي: كيف يمكن تحقيق التوازن بين الأمن والحريات من دون العودة إلى الاستبداد؟

في ظلّ المتغيّرات الحالية، يتم التركيز على ضرورة إعادة هيكلة المنظومة الأمنية لضمان استقرار البلاد؛ لكنّ هذا الطرح يثير مخاوف مشروعة، فتجارب التاريخ أثبتت أنّ السلطة المطلقة للأجهزة الأمنية تؤدي غالباً إلى إعادة إنتاج الأنظمة القمعية، حتّى لو تغيّرت الشعارات والمسمّيات.  

الأمن ذريعةً للاستبداد  

منذ عقود، وظّف النظام السابق خطاب "الحفاظ على الأمن" مبرّراً لقمع الحريات، حيث تمّ تصوير أيّ مطالبة بالديمقراطية أو العدالة على أنّها تهديد للاستقرار، وعبر سياسة ممنهجة أصبحت الأجهزة الأمنية أداة لإسكاتِ الأصوات المعارضة، سواء من خلال الاعتقالات التعسفية أو التضييق على الحريات العامة. واليوم، ومع بدء مرحلة سياسية جديدة، هناك خشية من أن يتم تكرار النهج نفسه، لكن بواجهات مختلفة، إذ غالباً ما يتم تصوير الأمن على أنّه الأولوية المطلقة، حتّى لو جاء ذلك على حساب الحقوق الأساسية. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن تحقيق الاستقرار من دون التضحية بالحريات؟  

أثبتت تجارب التاريخ أنّ السلطة المطلقة للأجهزة الأمنية تؤدي غالباً إلى إعادة إنتاج الأنظمة القمعية، حتّى لو تغيّرت الشعارات والمسمّيات

الخوف وإعادة إنتاج القمع  

أحد أخطر أدوات الاستبداد هو توظيف الخوف لترسيخ السيطرة، فعلى مدار السنوات الماضية، تمّ ترسيخ فكرة أنّ أي فراغ أمني سيؤدّي إلى الفوضى، ممّا دفعَ كثيرين إلى القبول بالاستبداد حلّاً أقل ضرراً. وهذه الديناميكية لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث يُستخدم التخويف من المجهول وسيلةً لإبقاءِ المجتمع في حالة خضوع. لكنّ التجارب العالمية أثبتت أنّ الأمن الحقيقي لا يتحقّق بالقمع، بل عبر بناء دولة قانون ومؤسّسات شفافة تحترم الحريات وتوفر آليات للمحاسبة والمساءلة.

بدون ذلك، سيكون الاستقرار مجرّد حالة مؤقتة قائمة على الخوف، سرعان ما تنهار عند أوّل اختبار جدي. فالحرية ليست ترفاً، بل ضرورة لتحقيق الاستقرار الحقيقي. وفي  بعض الخطابات السياسية، يتم تصوير الحرية على أنها رفاهية يمكن تأجيلها حتى تحقيق الأمن، لكن الواقع يثبت العكس تماماً، فالدول التي استطاعت بناء استقرار مستدام لم تفعل ذلك عبر القمع، بل من خلال احترام حقوق الإنسان، وترسيخ سيادة القانون، وإتاحة المجال للمشاركة السياسية الفاعلة. وفي سورية اليوم لا يُمكن الحديث عن انتقال سياسي ناجح من دون أن تكون الحرية في صميم المشروع الجديد، فكلّ محاولة لفرضِ الأمن بالقوة ستؤدي في النهاية إلى إعادة إنتاج الاستبداد بصيغ جديدة، مما يعيدُ البلاد إلى نقطة الصفر.  

نحو فهم جديد للعلاقة بين الأمن والحرية  

في الفلسفة السياسية، يشير العديد من المفكرين إلى أنّ الحرية ليست مجرّد حق فردي، بل هي أساس الاستقرار السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، غالباً ما تطرح الأنظمة السلطوية معادلة زائفة تفترض أنّ الأمن لا يمكن أن يتحقّق إلا عبر تقييد الحريات، علماً أنّ الحل الحقيقي يكمن في بناء دولة ديمقراطية تحترم الحريات، وتضمن استقلال القضاء، وتوفّر آليات رقابية فعالة على الأجهزة الأمنية، بحيث يصبح الأمن في خدمة المجتمع، وليس أداة للسيطرة عليه.  

الأمن الحقيقي لا يتحقّق بالقمع، بل عبر بناء دولة قانون ومؤسسات شفافة تحترم الحريات وتوفر آليات للمحاسبة والمساءلة

سورية.. أيّ مستقبل؟

المرحلة القادمة ستحدّد؛ ما إذا كانت سورية ستتجه نحوَ ديمقراطية حقيقية، أم ستكرّر أخطاء الماضي تحتَ شعارات جديدة. التحدي الأكبر اليوم ليس فقط منع تكرار ممارسات الاستبداد، ولكن ضمان عدم استخدام الأمن مجدّداً ذريعةً للقمع. 

فقط من خلال نظام سياسي يحترم الحقوق والحريات، يمكن لسورية أن تحقق مستقبلاً أكثر استقراراً وعدالة، بعيداً عن الحلول الأمنية المؤقتة التي أثبتت فشلها عبر التاريخ.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows