انشغل قادة الدول العربية، خلال قمة القاهرة أمس وبيانها الختامي، بإخراج الحجر التي رماها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في البئر، وفق المثل العربي "مجنون يرمي حجراً في بئر فتحتاج إلى ألف عاقل لإخراجها"، فوجدنا حجر ترامب، بتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد تلميحه تهجير شعبها، ضمن فلسطين أو إلى دول الجوار، تسيطر على لاوعي القادة، فانصرفوا إلى محاولات الالتفاف على مشروع ترامب، وإعادة توصيات القمم السابقة، من تأكيد الحق بإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وزركشة البيان بمستجدات الخراب والموافقة على خطط إعادة إعمار قطاع غزة المدمر من دون تهجير سكانه.
من دون أن يذكروا، مجرد ذكر، دور ومسؤولية دولة الاحتلال الإسرائيلي بالخراب وتحميلها المسؤولية القانونية والتكاليف المالية لإعادة الإعمار، ولو من قبيل الواجب والحق، إن لم نتماد بأحلامنا ونقول، كي تعاقب إسرائيل وتتحمل أعباء إعمار ما هدمته ويكون رادعاً لتهديم مقبل، إن في الضفة أو لبنان وحتى سورية، بواقع نهم بنيامين نتنياهو للحرب والتوسع والاستهتار بالمنطقة والقوانين الدولية، بل جلّ ما تمخّض، اعتماد الخطة المصرية بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، ضمن توافق عربي وبالاستناد إلى الدراسات التي أجريت من قبل البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة، لبحث تقديم كل أنواع الدعم المالي والمادي والسياسي لتنفيذ التعافي، وحث المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية على سرعة تقديم الدعم اللازم لها.
قصارى القول: أرقام الخسائر هائلة قد توقع غزة وفلسطين، بوطأة ديون واستلاب القرار السياسي، لعقود إن لم نقل لقرون، فما أشارت إليه الخطة المصرية من تقدير حجم الدمار، يضع على الأرجح، العدوان الإسرائيلي في غزة، في مقدمة جرائم الحرب في العصر الحديث، بعد أن تعدى عدد الشهداء 47 ألف فلسطيني بينهم 13 ألف طفل و7,200 امرأة، وزاد عدد الجرحى عن 110 آلاف فضلاً عن نحو 1.9 مليون نزحوا داخلياً.
وأما الخسائر المادية في القطاع اليتيم، فقدرتها الورقة المصرية بنحو 29.9 مليار دولار، والخسائر الاقتصادية والاجتماعية بقرابة 19.1 مليار دولار، فيما يُقدَّر إجمالي الخسائر والاحتياجات بـ53.2 مليار دولار. وجاء قطاع الإسكان المهدم بالكامل، في مقدمة الخسائر بنحو 16.3 مليار دولار، والتجارة والصناعة 8.1 مليارات دولار، وقطاع الصحة 7.6 مليارات دولار، والتعليم 4.1 مليارات دولار، والمواصلات بحوالي 2.9 مليار دولار، والحماية الاجتماعية 1.4 مليار دولار، والزراعة 1.3 مليار دولار.
وعلى المقلب الآخر، ورغم توقعاتنا بأنّ "طوفان الأقصى" سيكبد دولة الاحتلال الخسائر ويعيق نموها ويفقدها ثقة المستثمرين، بل تنبأنا بأن يكون الطوفان تأكيد "لعنة العقد الثامن" فنرى ملامح انهيار دولة الاحتلال، إلا أنّ إسرائيل، وبعد كل الجرائم، عادت للنمو والانتعاش وبدأت الصفقات والتمويل الأوروأميركي بالعودة والاسترضاء وتقديم الهبات والمساعدات وطلب الغفران.
نهاية القول: استمرأت إسرائيل خلال حروبها على دول المنطقة، وعلى قطاع غزة تحديداً، أن تتنصل من التبعات، إن القانونية لجرائم قتل المدنيين والاعتقال من دون تُهم ومحاكمات، عبر مظلة ادعاء المظلومية المضللة والفيتو الأميركي، أو الهروب من الأعباء المالية الناتجة عن تدمير المباني والمرافق والأراضي الزراعية، من خلال دفع غيرها أثمان عدوانها.
بل اعتادت إسرائيل ضمان ترميم جرائمها، حتى قبل توقف العدوان والإفراج عن الأسرى، من خلال ما يطرح من ورقات أو توصيات إعادة الإعمار على نفقة دول المنطقة وما يمكن أن تجود به المؤتمرات الدولية، من دون حتى التطرق إلى مسؤولية الاحتلال بالجرائم والتهديم أو ما يتم اقتطاعه من أراض بعد كل جريمة عدوان.
إذاً، أُسدلت الستارة عن قمة القاهرة وفق أدنى السقوف والمطالبة بالحقوق، واعتبر العرب والمراقبون النتائج والورقة المصرية "إنجازاً" بعد تناسي الإبادة الجماعية وطي حكم محكمة العدل الدولية وخراب الوهم الصهيوني بأرض كنعان وما عاشه الغزيون لنحو عامين، من قهر ونزوح وحرمان... فأن يعرف العرب تأجيل وهم ترامب، حتى لو لم يخرجوا حجره من البئر، ويعيدوا توصيات القمم السابقة، من دون شجب وإدانة هذه المرة، أو حتى من دون أن يضمنوا أموال تمويل الإعمار أو عدم الاجتياح ثانية، فهم منتصرون، بل يعدون بتقديم مكافأة التطبيع بوهم السلام، مكافأة إضافية على جرائم إسرائيل.
Related News



