
يلقي قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تعليق عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بظلاله على مستقبل العديد من البرامج الممولة من الوكالة في المغرب، بعدما لم يعد في إمكان مئات المستفيدين الوصول إلى خدماتها منذ السابع من فبراير/شباط الماضي.
ويضع قرار ترامب، الذي يأتي في سياق مراجعة ما إذا كانت تلك المساعدات تتوافق أو تخدم سياسة الإدارة الأميركية، عشرات المنظمات غير الحكومية ومؤسسات حكومية في المغرب، أمام تحدي التعامل مع انعكاسات وتداعيات سلبية على مستوى استدامة واستكمال عدد من المشاريع والبرامج التي تستهدف قطاعات هامة، منها التعليم والصحة والطاقة المتجددة وغيرها.
ويعود التعاون بين الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمغرب إلى عام 1957، تاريخ التوقيع على أول اتفاقية للمساعدة التقنية بين الطرفين. وعلى غرار أكثر من مائة دولة حول العالم، ترتبط المملكة بمشاريع وبرامج حاولت من خلالها الوكالة "إحداث تحسينات جوهرية في حياة المغاربة".
وخلال السنوات الأخيرة، تحولت الوكالة الأميركية والحكومة المغربية إلى "شريكين في التعليم والنمو الاقتصادي والحوكمة وتنمية المجتمع". وكان لافتاً تعهد المديرة السابقة للوكالة الأميركية، سامانثا باور، بعد زيارتها المغرب في مايو/أيار الماضي، بالعمل مع الرباط على تطوير استراتيجيات التنمية المستدامة في مجال الطاقة المتجددة، وتدبير الموارد المائية والفلاحة المستدامة.
وفي وقت كان ينتظر فيه أن ينتقل التعاون بين الوكالة والمغرب بعد لقاء السفير المغربي لدى واشنطن يوسف العمراني مع المديرة السابقة للوكالة في يوليو/تموز الماضي، إلى مرحلة جديدة من "التعاون الفعال"، من خلال الاتفاق على بلورة "خريطة طريق جديدة لتسريع الشراكة الهيكلية التي تربط ضفتي المحيط الأطلسي، تعكس مصالح ورؤى وأولويات يتقاسمها الجانبان"، إلا أن قرار ترامب الأخير بوقف التمويل يجعل مشاريع وبرامج بالغة الأهمية تواجه خطر التوقف وما ينتج عنه من تداعيات.
وبحسب البيانات المالية للعام 2022 ـ 2023، حصل المغرب على 175 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية الأميركية، موجهة بشكل رئيسي نحو دعم برامج التنمية والحوكمة. مع ذلك، فإن هذا التمويل أصبح الآن موضع مراجعة، ما يهدد مشاريع مرتبطة بالتعليم، والتنمية الاقتصادية، والبيئة، وفق معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
ومن أبرز المشاريع هي تلك التي أبرمت في مايو 2024 بين الوكالة والمكتب الشريف للفوسفات (حكومي) من أجل مواجهة الصعوبات التي تعترض القطاع الزراعي في أفريقيا عبر مبادرتين: مشروع "من الفضاء إلى المكان" الذي يجمع المعطيات المحلية الدقيقة بخصوص التربة والطقس، ومشروع "مردودية صخور الفوسفات" الذي يقيم تأثير استعمال صخور الفوسفات في الزراعة بتمويل مشترك، وقد التزم الطرف المغربي بدعم يصل إلى 30 مليون دولار، على أن تقدم الوكالة دعماً بقيمة 40 مليون دولار.
ورغم أن المغرب ليس من أكبر المتلقين للمساعدات الأميركية في المنطقة، إلا أن تجميد تمويل الوكالة قد يؤثر على برامج حيوية تساهم في التنمية والاستقرار، من بينها برنامج مهم مدته 30 شهراً أطلقته الوكالة بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، ويعمل مع السلطات والمجتمعات المركزية والجهوية والمحلية لتحديد وتقديم الخدمات اللازمة للأسر المتضررة من الزلزال، الذي ضرب البلاد في الثامن من سبتمبر/أيلول 2023.
كما يؤثر قرار تجميد تمويل الوكالة على إقرار دعم نقدي مباشر لـ180 جمعية تعاونية تضررت سبل عيشها بسبب الزلزال، بالشراكة بين الوكالة ومنظمة GiveDirectly، وبالتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. يضاف إلى ما سبق تمويل مشاريع لثماني منظمات محلية على الأقل، من خلال الشريكة منظمة Deloitte Conseil، التي تقدم الدعم الميداني للتعافي في منطقة مراكش آسفي.
وبحسب استطلاع رأي حول التأثير الفوري لتجميد المساعدات الأميركية على الجمعيات المحلية، نشرت نتائجه في 19 فبراير الماضي، فإن نسبة كبيرة من الجمعيات لم يتم تعويضها بعد عن النفقات التي تم صرفها قبل صدور أمر إيقاف الوكالة، فيما تشتكي جمعيات أخرى من عدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها أو تغطية تكاليف التسيير الأساسية، ما يهدد مستقبلها.
وأفاد الاستطلاع الذي أجرته منظمة "مرا"، بأن 53% من الجمعيات المغربية المستفيدة من المنح الأميركية اضطرت إلى إلغاء أنشطتها المبرمجة بسبب غياب التمويل، بينما أفادت 17% منها بأنه تم تعليق الدفع مقابل مختلف النفقات التي تكبدوها بعد 24 يناير 2025، في حين أفادت 25% من الجمعيات بأنهم غير قادرين على دفع رواتب موظفيهم، وصرح 22% بأنهم غير قادرين على تغطية تكاليف التسيير الأساسية مثل الإيجار وغيره، وأكد 11% أنهم اضطروا إلى تسريح موظفين.
وكانت الوكالة الأميركية قد وفرت في إبريل/نيسان الماضي، تمويلاً بـ8 ملايين دولار لدعم المتضررين من زلزال الحوز، ضمن برنامج يتكون من خمسة مجالات للتدخلات الاستراتيجية، تستهدف في الأساس الأطفال واليافعين وأسرهم. ومن ضمن مجالات هذا البرنامج، دعم الوصول إلى تعليم شامل ذي جودة وبيئة تعلم آمنة ومحمية، وتحسين الوصول إلى خدمات التزود بالمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية للأمهات والأطفال، وتحسين التغذية المناسبة.
كما يؤثر قرار وقف تمويل الوكالة سلباً على عدد من البرامج، منها برنامج التنمية المجتمعية الدامجة والشامل للجميع (يستهدف النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب) بجهة مراكش آسفي، المندرج في إطار استراتيجية التعاون المغربي الأميركي الذي يُنفذ على مدى خمس سنوات بين 2022 و2027.
ووفق مسؤول جمعية ممولة من الوكالة، طلب عدم الكشف عن هويته، فإن التداعيات تطاول العديد من مشاريع الجمعيات المتعلقة بمجالات النهوض بفرص العمل وريادة الأعمال والتنشيط الثقافي والنهوض بحقوق النساء في ظروف صعبة. ويكشف لـ"العربي الجديد"، أن العديد من النساء اللواتي أطلقن تعاونيات زراعية يعشن مخاوف حقيقية من أن يواجهن خطر مصادرة ممتلكاتهن الشخصية، واحتمال عدم استرداد النفقات والأموال الخاصة التي استثمرنها لإطلاق تلك التعاونيات، ما سيؤثر سلباً على أوضاعهن الاجتماعية.
من جهته، يرى رئيس "المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية"، إدريس الفينة، أن اتباع إدارة ترامب في ولايتها الحالية سياسة أكثر تحفظاً في ما يخص المساعدات الخارجية بشكل عام، قد يكون له تأثير مباشر على برامج الوكالة بالمغرب، مؤكداً أن أي تقليص لتمويل الوكالة قد يؤثر على مشاريع التدريب والتأهيل المهني التي كانت تستهدف الشباب، ما قد يعرقل الجهود المبذولة لمكافحة البطالة وتعزيز رأس المال البشري.
ويوضح الفينة لـ"العربي الجديد"، أن المغرب يعتمد على تمويل الوكالة في قطاعات حيوية عدة، أبرزها التعليم، وريادة الأعمال، والتمكين الاقتصادي للنساء، والصحة العامة، معتبراً أنه مع تراجع الدعم الأميركي قد يواجه المغرب صعوبة في تنفيذ مشاريع تهدف إلى تحسين الأمن الغذائي وترشيد استخدام الموارد المائية، علماً أن الوكالة تعتبر شريكاً أساسياً في مشاريع الزراعة المستدامة وتدبير الموارد المائية، وهو قطاع حيوي بالنسبة للمغرب في ظل التحديات المناخية المتزايدة.
ويرى الباحث في "المعهد المغربي لتحليل السياسات"، رشيد أوراز، أن إيقاف برامج الوكالة التي تنفذ الكثير من المشاريع مع مؤسسات حكومية، وتوجه جزءاً منها للمناطق النائية، سيلحق ضرراً بتلك البرامج في مجالات مهمة ومنها التعليم. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن من أهم نتائج دعم مشاريع التنمية من الدول الغنية دعم الاستقرار والحد من الهشاشة ودعم بعض الفئات في بعض المناطق الفقيرة.
ويقول رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، رشيد لزرق، إن اتجاه ترامب إلى اعتماد وقف تمويل الوكالة يطرح أسئلة بشأن ديمومة المشاريع التنموية في المغرب، ومآلات مواصلة مشاريع في مجالات اجتماعية كالتعليم والصحة والتنمية الاقتصادية والحكم الجيد، وتأثيراته على مواصلة البرامج التي تستفيد منها فئات اجتماعية بالعديد من المناطق المهمشة تنموياً.
يضيف لـ"العربي الجديد": "إجابة هذه الأسئلة مطروحة على الحكومة المغربية من أجل تقديم البدائل وضمان استمرار تلك المشاريع عبر تنويع الشركاء الدوليين في مجال التنمية بغية التحرر من التبعية، والتكيف مع التحولات الدولية عبر استثمار الخبرة المكتسبة في تسيير المشاريع التنموية، وبلورة خطط وطنية لتطوير المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومختلف البرامج الوطنية الاجتماعية. المغرب والولايات المتحدة يرتبطان باتفاقيات ثنائية أخرى وبرامج تعاون متنوعة قد تساعد في تعويض أي نقص محتمل في التمويل".

Related News


