اقتتال أهلي في السويداء
Arab
3 hours ago
share

انفجر اقتتال أهلي في محافظة السويداء جنوبي سورية منذ يوم أمس الأحد، مخلّفاً عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى، يواكبه تحريض طائفي بين الأطراف المتقاتلة، أكان من جهة المجموعات المحلية الدرزية في السويداء، أم عشائر البدو (السنية) في الجهة المقابلة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وسط مخاوف من تداعيات انفلات الوضع على نحو واسع وحدوث انتهاكات. وفي حين تضاربت الأنباء والروايات حول أسباب اندلاع هذه المواجهات، مع حديث عن عمليات خطف متبادلة بين طرفي الصراع، فإن هذه الأحداث تعيد إلى الواجهة التحديات الأمنية التي لا تزال تواجهها السلطات في سورية منذ وصولها إلى الحكم بعد إطاحة بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لناحية بسط الأمن وثقة الأطراف المحلية في السويداء بها، علماً أن مجموعات مسلحة في السويداء مدعومة من مرجعيات دينية درزية لا تزال ترفض انتشار القوات الأمنية التابعة للحكومة في المحافظة بحجة أن تلك القوات الأمنية من لون طائفي ـ مذهبي واحد ولا تضم عناصر من أبناء المحافظة. وتلجأ مراجع من المحافظة كما حصل راهناً للمطالبة بالحماية الدولية للدروز، وهو ما لا تتأخر إسرائيل في محاولة استغلاله كما حصل اليوم الاثنين عبر إعلانها عن قصف دبابات في السويداء، فيما تحدثت مصادر عسكرية سورية لـ"العربي الجديد" عن توجيه "طائرات الاحتلال ضربات تحذيرية فقط بالقرب من دبابات الجيش"، وسط مساع إسرائيلية لترسيخ وقائع ميدانية لجهة وجودها في تلك المنطقة.

عشرات الضحايا في اشتباكات السويداء

وتواصلت اليوم الاثنين، ولليوم الثاني على التوالي، المواجهات العنيفة في محافظة السويداء بين مجموعات درزية محلية على رأسها "المجلس العسكري" في السويداء المرتبط بشيخ عقل الطائفة الدرزية حكمت الهجري، وأخرى من عشائر البدو، قبل أن تتحول مع ساعات النهار إلى مواجهات بين فصائل المجلس العسكري التابع للهجري ووزارة الدفاع على خلفية كمين تعرضت له قوات الأمن التابعة للحكومة كانت قد تدخلت لوقف الاشتباكات، ما أدى إلى سقوط قتلى في صفوفها، وتصل حصيلة الضحايا إلى 89 قتيلاً وعشرات الجرحى، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما تحدثت مصادر محلية عن نحو 30 قتيلاً فقط. وبحسب مصادر محلية متقاطعة، فان ريف السويداء الغربي شهد منذ أمس الأحد اشتباكات بين فصائل محلية من البدو وأخرى من الدروز في هذه المحافظة التي لا تزال عملياً خارج السيطرة العسكرية والأمنية للدولة. وأكدت المصادر مقتل عدد من سكان هذه القرى أثناء الاشتباكات، مشيرة إلى أن "عمليات كرّ وفرّ" متبادلة. وبيّنت أن الاشتباكات التي وصفتها بـ"العنيفة"، امتدت إلى غربي مدينة السويداء، عند محور قرية كناكر، وفي بلدتي الثعلة والمزرعة، مشيرة إلى مقتل عدد من الأشخاص في هذه الاشتباكات.

أرسل الجيش السوري تعزيزات كبيرة إلى مشارف محافظة السويداء، ضمت دبابات وعربات مدرعة ومدافع ومئات الجنود

في الأثناء، ذكرت وزارة الدفاع السورية أن ستة من عناصرها قتلوا إثر استهدافهم من مجموعات خارجة على القانون، أثناء محاولتهم فك الاشتباك بين المجموعات المتحاربة في ريف السويداء. وكان الجيش السوري قد أرسل ظهر اليوم الاثنين تعزيزات كبيرة إلى مشارف محافظة السويداء، ضمت دبابات وعربات مدرعة ومدافع ومئات الجنود. وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، قد أعلن أن قوات الأمن والجيش دخلت محافظة السويداء جنوب البلاد منذ ساعات الصباح الأولى اليوم، في إطار عملية أمنية تهدف إلى "وقف الفلتان وفرض هيبة القانون وسلطة الدولة ونزع سلاح المجموعات الخارجة عن القانون". وفي مقابلة مع قناة الإخبارية السورية، قال البابا إن "الخطة الأمنية تهدف أيضاً إلى نزع سلاح المجموعات الخارجة عن القانون التي تعيث فسادا بالمحافظة منذ 7 أشهر". ولفت إلى أن "الانتشار الأمني والعسكري بالمحافظة يحاول مراعاة أمن المدنيين والحفاظ على حياتهم". ورجح أن "يكون الأمر محسوماً مع حلول عصر اليوم". وفي وقت لاحق، تطورت الاشتباكات إلى مواجهات بين قوات تابعة لوزارة الدفاع السورية، ومجموعات مسلحة درزية في محيط مطار الثعلة العسكري، الذي تسيطر عليه قوات "المجلس العسكري" في السويداء، فيما قامت قوات الجيش وقوى الأمن الداخلي بعمليات تمشيط في بلدة المزرعة بريف السويداء، وصادرت مدفع هاون وراجمة صواريخ شرقي بلدة الدور، بعد طرد مجموعات مسلحة منها، بحسب مصادر ميدانية.

ولم تتأخر إسرائيل في التدخّل، إذ أعلن الجيش الاسرائيلي أنه هاجم "دبابات عدة في منطقة قرية سميع، بمنطقة السويداء"، من دون المزيد من التفاصيل، فيما قالت هيئة البث العبرية الرسمية إن "الجيش الإسرائيلي رصد الدبابات وهي تتقدم نحو مناطق الشغب، فهاجمها من الجو". أما موقع "والاه" العبري فقال إن الهجمات استهدفت دبابات اجتازت "المنطقة العازلة" بين إسرائيل وسورية، ونقل عن مصدر عسكري، قوله إن "هدف الهجمات هو إحباط تحرك دبابات إلى منطقة لا يمكن دخول دبابات عسكرية سورية إليها". وأضاف المصدر أن "الحديث يدور عن عملية استثنائية، ولكنها كانت جزءا من تشكيل المنطقة وترسيخ حقائق ميدانية حول ما لن توافق إسرائيل على حدوثه فيها". لكن مصادر عسكرية من وزارة الدفاع السورية، نفت، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، استهداف الجيش الإسرائيلي لدبابات تابعة للجيش السوري في ريف السويداء، مؤكدة أن "طائرات الاحتلال وجهت ضربات تحذيرية فقط بالقرب من دبابات الجيش".

كيف بدأت المواجهات؟

وبدأت شرارة الاشتباكات بعد اختطاف تاجر خضار درزي من قبل مسلحي البدو الذين نشروا حواجز على طريق السويداء - دمشق، ليتحوّل بعد ذلك إلى عملية خطف متبادلة بين الطرفين، فيما قالت منصة "السويداء 24" المحلية في وقت لاحق إنه تم إطلاق سراح المخطوفين من الطرفين ليل الأحد. من جهتها، قالت الناشطة ميساء العبدلله، المقيمة في محافظة السويداء، لـ"العربي الجديد"، إن المواجهات "بدأت بتوقيف سائق سيارة خضار على طريق السويداء ـ دمشق، وإهانته وسلبه من جانب مسلحين من البدو، ورد أهله بخطف بعض المدنيين من البدو، ورد هؤلاء بخطف مضاد، إلى أن تطورت المواجهات إلى اشتباكات شاملة، وتركزت ليلة الأحد في حي المقوس الذي يقطنه خليط من الدروز والبدو". واعتبرت العبدلله أن السويداء في حالة دفاع عن النفس، مشيرة إلى أن الشباب الذين قضوا في هذه الاشتباكات معظمهم من المعارضين لنظام بشار الأسد. ولفتت إلى مخاوف لدى السكان المحليين من تكرار ما حدث في الساحل السوري، خصوصاً أنه من غير المعروف من يقوم بالانتهاكات ضد المدنيين.

بدأت شرارة الاشتباكات بعد اختطاف تاجر خضار درزي من قبل مسلحي البدو الذين نشروا حواجز على طريق السويداء - دمشق، ليتحوّل بعد ذلك إلى عملية خطف متبادلة بين الطرفين

في المقابل، عزت وزارتا الداخلية والدفاع في الحكومة السورية، في بيانين اليوم، ما يحصل إلى "الفراغ المؤسسي"، وفق وزارة الدفاع التي قالت انه "أسهم في تفاقم مناخ الفوضى الأمنية وزاد من معاناة الأهالي". وأكدت أنه "لا تراجع عن سحب السلاح من المجموعات الخارجة عن القانون، وبسط الأمن وسيطرة الدولة بالسويداء". وأعربت الوزارة عن ترحيبها بـ"أي مبادرة تهدف إلى ترسيخ السلم الأهلي وحقن الدماء في السويداء". من جانبها، طالبت الداخلية بـ"الإسراع بنشر القوى الأمنية وفتح حوار شامل لمعالجة أسباب التوتر وضمان كرامة وحقوق جميع مكونات المجتمع في السويداء"، معلنة بدء تدخلها "بالتنسيق مع وزارة الدفاع" لـ"فض النزاع المسلح الدائر في محافظة السويداء، وفرض الأمن والاستقرار". أما وزير الداخلية أنس خطّاب، فأرجع الاقتتال الدائر في السويداء إلى "غياب مؤسسات الدولة، وخصوصاً العسكرية والأمنية منها"، مؤكداً عبر حسابه في منصة إكس أنّ "لا حل في السويداء إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها".

من جانبها، حمّلت حركة رجال الكرامة، أبرز الفصائل المحلية في السويداء، الحكومة السورية مسؤولية ما يجري في السويداء "بسبب تهاونها في ضبط الأمن وحماية الطرقات، وصمتها تجاه الانتهاكات المتكررة، وسماحها لفصائل تابعة لها بالتدخل السلبي والانحياز لطرف دون آخر". كما أعلنت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في سورية رفض دخول أي جهات ومنها الأمن العام إلى السويداء، مطالبة بالحماية الدولية. وقالت الرئاسة، في بيان نشرته صفحة "السويداء 24" على "فيسبوك": "نرفض دخول أي جهات إلى المنطقة، ومنها الأمن العام السوري وهيئة تحرير الشام (في إشارة إلى القوات الحكومية)"، متهمة تلك الجهات بـ"المشاركة في قصف القرى الحدودية ومساندة مجموعات تكفيرية باستخدام أسلحة ثقيلة وطائرات مسيّرة". وحمّلت كامل المسؤولية لكل من يساهم في "الاعتداء أو يسعى لإدخال قوى أمنية إلى المنطقة"، مطالبة بـ"الحماية الدولية الفورية كحق لحماية المدنيين وحقناً للدماء".

أعلنت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في سورية رفض دخول أي جهات ومنها الأمن العام إلى السويداء، مطالبة بالحماية الدولية

ورفضت أغلب الفعاليات الدينية والاجتماعية والفصائل العسكرية في محافظة السويداء، في أوقات سابقة، دخول قوات الإدارة السورية الجديدة التي تسلمت البلاد في التاسع من ديسمبر الماضي. ولجأت الإدارة إلى تعيين محافظ (مصطفى بكور) في السويداء والذي حاول طيلة شهور إقناع هذه الفعاليات بتفعيل مؤسسات الدولة، إلا أن الاعتداء عليه في مكتبه من قبل مجموعات خارجة عن القانون أواخر مايو/أيار الماضي ومغادرته المحافظة قبل أن يعود إليها أواخر يونيو/حزيران الماضي حال دون استكمال خطوات شرعت بها الحكومة من أجل ترتيب البيت الداخلي للمحافظة.

دعوات للتهدئة

إلى ذلك، دعا حسن الأطرش وهو من أبرز الفعاليات الاجتماعية في المحافظة إلى "إنهاء الاقتتال الداخلي وعدم الانجرار وراء الفتن"، مؤكداً التواصل "مع الدولة ومشايخ العقل ووجهاء المنطقة للتوصل إلى حل يرضي الجميع"، مضيفاً: لا خيار لنا سوى الدولة. وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" ان الأطرش يقود جهود تهدئة مع فعاليات دينية في المحافظة، مشيرة إلى أن الأوضاع "صعبة وعدد القتلى كبير من الطرفين"، مضيفة: هناك انتهاكات وفوضى عارمة، وتجييش وتحريض طائفي من كلا الجانبين. وعلّق الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وليد جنبلاط على اشتباكات السويداء متمنياً "الأمن والوفاق الى السويداء من خلال حل سياسي وتحت رعاية السلطة السورية"، مشدداً على رفض نداءات الحماية الخارجية والإسرائيلية.

واعتبر الكاتب والسياسي جبر الشوفي (المنحدر من محافظة السويداء)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاعتداء الذي وصفه بـ"المشبوه" على شاب على طريق دمشق ـ السويداء "أشعل الصراع بعد هدوء وتوافق مع بدو المنطقة"، مضيفاً: "هذا الفعل دفع مسلحي السويداء بمقابلة الحادث بخطف بعض بدو المنطقة". وتابع: "بينما حاول العقلاء تدارك الأمر بالحكمة، انهالت القذائف على السويداء وتكاملت عناصر الاعتداء الطائفي الصريح بدخول المهاجمين إلى بيوت المدنيين من عدة جهات ولاسيما في القرى الغربية". واتهم الشوفي، الذي كان معارضاً للنظام البائد، السلطات بـ"المسؤولية عن واقع العدوان المستمر والمتصاعد"، مضيفاً: وجد شيوخ السويداء والوجهاء أنفسهم أمام طلب الحماية الدولية التي ستستغلها إسرائيل المتغولة أصلاً في سورية والحدث السوري. ودعا السلطات والوجهاء في السويداء "للسعي بسرعة ومسؤولية لإيقاف الاقتتال والعودة إلى التعايش وإحلال السلم الاجتماعي، تحت مظلة الدولة العادلة والمطلوبة لحماية حدودها ووجودها وسلامة مواطنيها وحفظ كرامة الجميع".

من جانبه، وصف الخبير العسكري ضياء قدور، في حديث لـ"العربي الجديد" التطورات المتلاحقة في محافظة السويداء بـ"المقلقة"، مشيراً إلى "تدخّل وزارتي الدفاع والداخلية في هذه المناطق استجابة لمناشدات متكررة من أبناء المحافظة الذين ضاقوا ذرعاً بالفوضى وانتشار السلاح والمخدرات"، مضيفاً: هي ظواهر تفاقمت نتيجة تقاعس بعض الفصائل عن الالتزام بالدولة ورفضها تسليم السلاح أو الخضوع للسلطة الشرعية. في هذه الأثناء، قالت السفارة الألمانية في دمشق إنها "قلقة من تصاعد دائرة العنف في السويداء"، داعية جميع الأطراف إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع إشعال المواجهات"، مشددة على ضرورة "حماية المدنيين في جميع الأوقات"، وعلى أهمية "بذل جهود نحو المصالحة الوطنية".

من جهتها، أعربت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسون، عن قلقها "إزاء التقارير الواردة عن أعمال عنف واختطاف في السويداء، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا"، وحثّت الحكومة السورية في بيانٍ لها على "اتخاذ خطوات فورية لحماية المدنيين واستعادة الهدوء ومنع التحريض"، مؤكدة على "ضرورة المضي قدماً في عملية انتقال سياسي موثوق وشامل في سورية". بدوره، قال آدم عبد المولى، المنسق المقيم للأمم المتحدة في سورية، إنه يتابع "بقلق بالغ التطورات الخطيرة في السويداء"، داعياً إلى "التهدئة وحماية أمن وسلامة المدنيين في جميع الأحوال"، مضيفاً أن "السوريين يحتاجون بشدة إلى الاستقرار والسلام والوحدة من أجل التعافي وإعادة البناء".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows