
سجّلت واردات الصين من النفط الإيراني قفزة ملحوظة في شهر يونيو/حزيران، مدفوعة بمتغيرات السوق العالمية، والحسابات الاستراتيجية في بكين وطهران على السواء. هذه الزيادة تأتي في سياق يتّسم بمخاطر متعددة على أمن الإمدادات، خصوصًا مع استمرار العقوبات الأميركية وتزايد المخاطر في مضيق هرمز، أحد أهم شرايين الطاقة في العالم.
ووفقًا لبيانات حديثة صادرة عن شركة "فورتكسا" لتحليلات الطاقة، ونقلتها وكالة "بلومبيرغ"، فإن واردات الصين من الخام الإيراني ارتفعت إلى أكثر من 1.7 مليون برميل يوميًّا في يونيو/حزيران، مقارنةً بـ1.1 مليون برميل يوميًّا في مايو/أيار، وهو أعلى مستوى تسجله منذ الرقم القياسي المسجّل في مارس/آذار الماضي.
طفرة استباقية قبل التصعيد العسكري
بحسب التقرير، شهدت الأيام الأولى من شهر يونيو/حزيران طفرة غير مسبوقة في وتيرة الشحنات، إذ بلغت الواردات 2.5 مليون برميل يوميًّا خلال أول 12 يومًا فقط من الشهر، أي قبيل الضربة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت إيران، ما يعكس تحركًا استباقيًّا من قبل البائعين لتسريع عمليات الشحن خشية التورط في النزاع أو تعطّل سلاسل الإمداد.
وفي هذا السياق، قالت إيما لي، كبيرة محللي السوق في شركة "فورتكسا"، إن بيانات يونيو تكشف عن وجود بدائل أسرع وأكثر مرونة لتأمين الإمدادات في مواجهة مخاطر اضطرابها، مشيرة إلى أن العقوبات الأميركية المستمرة على الناقلات والشركات المشاركة في تجارة النفط الإيراني لن توقف تدفق الخام على الأرجح، بل تدفع اللاعبين إلى تعزيز أدوات التهرب والابتكار اللوجستي، وفقًا لـ"بلومبيرغ".
ضغوط داخلية على المصافي الصينية المستقلة
ورغم هذا الارتفاع، من غير المتوقع أن يستمر الاتجاه التصاعدي ذاته خلال شهر يوليو/تموز، بحسب "فورتكسا"، إذ تواجه المصافي الصينية المستقلة الكبرى، والتي تُعرف باسم "المصافي الشعبية"، ضغوطًا متزايدة على معدلات التشغيل. ووفقًا لشركة "مايستيل أويل شيم"، فإن معدل التشغيل الحالي لتلك المصافي يبلغ نحو 46%، ما يعكس تراجعًا ملحوظًا في الطلب المحلي والقدرة على المعالجة، بحسب "بلومبيرغ".
لكن في المقابل، تُمنَح هذه المصافي، بفعل هوامش الربح الضئيلة وتوافر كميات كبيرة من النفط الإيراني في المخازن وعلى متن السفن، قدرة أكبر على التفاوض للحصول على خصومات أعمق. وتُظهر البيانات أن أسعار النفط الإيراني تُعرض حاليًّا بخصم يصل إلى 4 دولارات للبرميل مقارنةً بأسعار العقود الآجلة لخام برنت، مقابل خصم قدره دولاران فقط في مايو/أيار الماضي.
الصين والنفط الإيراني - تحالف الضرورة
تمثّل إيران أحد أكبر مصادر الإمداد "غير الرسمية" للنفط الخام إلى الصين، خصوصًا في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على طهران منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018. وتستفيد بكين من هذه العقوبات للحصول على النفط بأسعار منخفضة، مع استخدام أساليب غير مباشرة في الدفع والنقل لضمان استمرار التدفقات دون الاصطدام بالعقوبات الغربية. ويقدّر محللون أن ما بين 80 إلى 90% من صادرات النفط الإيراني تتجه حاليًّا إلى السوق الصينية، إما بشكل مباشر أو عبر وسطاء في سنغافورة وماليزيا. كما تمارس الشركات الصينية نشاطًا واسعًا في مجال التخزين البحري للنفط الإيراني، باستخدام ناقلات "شبحية" تتجنب تتبّع الأقمار الاصطناعية.
بين العقوبات والواقعية الجيوسياسية
إن قفزة الواردات الصينية من النفط الإيراني تعكس ديناميكيات جديدة في سوق الطاقة العالمية، تُحدَّد على أساس الاعتبارات السياسية بقدر ما تُحكَم بالمعادلات الاقتصادية. فبينما تسعى الصين إلى تنويع مصادرها وتأمين احتياجاتها بعيدًا عن النفوذ الأميركي، ترى إيران في السوق الصينية شريان حياة اقتصادها المعاقب، ما يجعل العلاقة بين الجانبين محكومة بـ"تحالف الضرورة" أكثر منها بشراكة استراتيجية مستدامة.
ومن المرجح أن تواصل بكين سياستها البراغماتية تجاه إيران، ما دامت التوترات الإقليمية تخلق فرصًا للحصول على الطاقة بأسعار تفضيلية. وفي المقابل، ستستمر طهران في استخدام النفط أداة للمقاومة الاقتصادية، معتمدة على البنية اللوجستية المعقدة التي طوّرتها خلال سنوات العقوبات.

Related News


