
قال كريس إيستب، وهو زميل باحث غير مقيم في برنامج آسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، في تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية، إنه بينما تمسكت الصين برغبتها واستثمرت في قدرتها بهدف الاستيلاء المحتمل على تايوان واكتساب السيطرة على بحر الصين الجنوبي والهيمنة على المنطقة الأوسع نطاقا، ظل الردع الأميركي قويا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
جذور تعاون الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الردع الإقليمي
يرى إيستب أن إدارة بايدن قامت باستثمارات كبرى في الجيش الأميركي، وعززت الشراكات في المنطقة، وحصلت على دعم قوي من الحزبين في هذه الجهود، برغم الآراء المناقضة التي تفيد بأن واشنطن تحتاج نوعا ما إلى "إعادة تأسيس الردع" في مواجهة الصين. وبالنسبة للباحث فإن تجاهل سجل إنجازات الإدارة السابقة يخاطر بتحويل أسطورة الردع المفقود إلى حقيقة.
ويضيف "بدلا من ذلك يمكن لمسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب، خاصة في وزارة الدفاع (بنتاغون) أن يردعوا عدوان الصين عن طريق تبني جذور التعاون بين الحزبين في وضع أميركا القوي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
شحذ التركيز الاستراتيجي الأميركي
أولا، يمكن أن يواصل مخططو استراتيجية الدفاع الوطني المقبلة تحقيق مطلب وزير الدفاع بيت هيغسيث في ضرورة أن يظل ردع الصين أولوية مركزية، حسبما يشير إيستب. ومثلت استراتيجية الدفاع الوطني في الولاية الأولى لترامب تحولا كبيرا في 2018 عندما صنفت الصين وروسيا باعتبارهما المنافسين الاستراتيجيين طويلي الأمد لأميركا. ثم اتخذت إدارة بايدن في 2022 خطوة حاسمة وصفت فيها بكين بأنها "التحدي المتسارع" الذي يواجهه البنتاغون.
وتشير استراتيجية الدفاع الوطني إلى أولويات البنتاغون بالنسبة للأصدقاء والأعداء على حد سواء. وتقدم للمشرعين طريقا لمحاسبة وزارة الدفاع. و"من المهم أيضا أن استراتيجية الدفاع الوطني تمنح صانعي القرار داخل البنتاغون مصدرا للسلطة والتوجيه عندما تجابه خيارات صعبة"، وفقا للباحث.
ويرى الباحث أنه "لم يكن من السهل دوما على إدارة بايدن، في ظل مواجهتها لصراعات في شرقي أوروبا والشرق الأوسط، أن تفي بأولوياتها المعلنة بشأن الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ"، لكنه يضيف أن "الإدارة السابقة مضت قدما لتثبت أن تحقيق نتائج في المنطقة ما يزال أمرا ممكنا".
تمويل أولويات منطقة المحيطين الهندي والهادئ
ثانيا، يتعين أن تضمن ميزانيات الدفاع في إدارة ترامب أن الجيش الأميركي ما زال بإمكانه ردع أي عمل عدائي كبير بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وسعت الإدارة السابقة لتخصيص تمويل كبير للتكنولوجيا الحديثة والذخيرة الضرورية وتحديث القواعد الإقليمية للجيش الأميركي وفقا لما ذكر إيستب. وبالإضافة إلى توقيع تشريع من الحزبين سمح بمزيد من التمويل لهذه الجهود، حشد بايدن الدعم من الحزبين من أجل إنفاق محلي كبير لتعزيز تنافسية الولايات المتحدة.
وفي نفس الوقت، كافحت قاعدة الصناعة الدفاعية الأميركية، خاصة فيما يتعلق بإنتاج معدات ضرورية من أجل الردع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. واتخذت أغلبية كبيرة من الحزبين في الكونغرس في 2024 خطوات مهمة نحو مواجهة هذا التحدي، عن طريق الموافقة على قرابة 100 مليار دولار من التمويل التكميلي من أجل أولويات الأمن القومي الأميركي.
مضاعفة النتائج بمعاونة الحلفاء والشركاء
وأخيرا، يمكن أن يدفع البنتاغون جهود الإدارة السابقة لتعزيز روابط الجيش الأميركي مع حلفائه وشركائه الإقليميين، بحسب الباحث. وشهدت السنوات الأربع الماضية بداية نهضة في الهيكل الأمني لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي وصفتها كوري شاك خبيرة السياسة الخارجية والمسؤولة السابقة في إدارة الرئيس جورج بوش ذات مرة بأنها "أكبر نجاح أساسي لإدارة بايدن".
وذكر إيستب أن الولايات المتحدة أبرمت اتفاقات جديدة مع أستراليا واليابان والفيليبين لتغيير وضع قوتها الإقليمي. كما وقعت واشنطن عدة اتفاقات ثنائية جديدة في مجال الصناعة الدفاعية من أجل التطوير والإنتاج والاستدامة المشتركين مع كانبيرا ونيودلهي وطوكيو وسنغافورة ومع المزيد من الدول.
وأعلنت الولايات المتحدة خططا لتحديث قواتها في اليابان ودعمت جهود طوكيو للحصول على مئات الصواريخ طويلة المدى من طراز توماهوك في إطار زيادة اليابان للإنفاق الدفاعي. وبالنسبة للفيليبين، خصصت إدارة بايدن قدرا تاريخيا من تمويل الجيوش الأجنبية لدعم تحديث الجيش الفيليبيني، وصار هذا ممكنا عن طريق التمويل التكميلي للأمن القومي بدعم من الحزبين في 2024.
أما بالنسبة إلى تايوان، فقد استخدمت إدارة بايدن أدوات متنامية، من بينها تمويل الجيوش الأجنبية والسلطة الرئاسية لنقل معدات عسكرية إلى دولة أخرى، والمبيعات للجيوش الأجنبية، لتعزيز قدرات تايبيه في الدفاع عن نفسها. وأشار إيستب، إلى أن الإدارة الثانية لترامب لا بد أن تكتسب في السنوات المقبلة الدعم من الحزبين في الكونغرس كي تتأكد من تمويل هذه الإنجازات بدعم الحزبين وتنفيذها بفعالية.
وفضلاً عن الإنجازات بدعم من الحزبين، أطلقت إدارة بايدن وعززت شبكات ثلاثية ومتعددة الأطراف في المنطقة، بما في ذلك مع اليابان وكوريا الجنوبية، والحوار الأمني الرباعي الذي يشمل الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا (عن طريق البناء على التقدم الذي حققته إدارة ترامب الأولى)، وشراكة (أوكوس) بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.
وأوضح إيستب أن إدارة ترامب دعت العديد من هؤلاء الحلفاء والشركاء إلى إنفاق المزيد على الدفاع، فتعزيز الأمن الإقليمي يتطلب المزيد من الحلفاء المؤهلين، لكن "ردع عدوان صيني كبير يتطلب ما هو أكثر من ذلك، فيجب أن يتكاتف حلفاء أكثر قوة لإظهار أن العدوان لا يستحق المخاطرة إطلاقا بالنسبة لأي خصم محتمل". والسؤال الحقيقي الذي يواجه إدارة ترامب اليوم ليس ما إذا كان سيتم الاستمرار في هذه المبادرات، بل هو ما هي الأماكن التي سيتم تسريع وتيرة التقدم الجاري فيها، وفقا للباحث.
تحويل الإجماع إلى عمل
ويقول إيستب إنه كان من السهل على صناع السياسات من الحزبين لأكثر من عقد أن يزعموا أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ تتصدر أولويات مصالح الولايات المتحدة، لكن تحويل الخطاب إلى نتائج دائما ما يكون أصعب. وأحرز الرئيس السابق بايدن وفريقه تقدماً كبيراً في تحويل إجماع الحزبين بشأن التحدي الصيني إلى عمل ملموس، لكن الحاجة إلى الإسراع ما زالت كبيرة.
واختتم إيستب تحليله بالقول إن إدارة ترامب الثانية يمكنها أن تبني على الأساس المدعوم من الحزبين بدلا من رفض ما ورثته في المنطقة. ويعتمد ردع أي عدوان كبير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على ذلك.

Related News



