عائدون من مخيم الهول إلى العراق يواجهون القهر والفقر
Arab
3 hours ago
share

بعد سنوات طويلة قضاها محتجزا في مخيم الهول بسورية، فرح إبراهيم درويش بحصوله أخيرا على موافقة ليرجع إلى بلده العراق، لكن العودة لم تكن بالسهولة التي تخيّلها، حيث اشتُرط عليه للدخول إلى بلدته تقديم كتاب للسلطات المحلية يتبرّأ فيه من اثنين من أولاده، إذ هما مسجونان للاشتباه في انضمامهما إلى تنظيم داعش الإرهابي، فيما ينفي هو هذه التهمة. ويقول الرجل البالغ من العمر 64 عاما: "كلّ ما أردته كان أن أرجع إلى العراق"، لكن العودة كلّفته كثيرا، مضيفاً: "تبرّأت من ولدَيّ (...) وليس لديّ لا بيت ولا بستان"، موضحاً أنه "أصبحت تحت الصفر وفي داخلي قهر".

يواجه العراقيون العائدون من مخيم الهول، الذي تديره الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سورية ويؤوي نازحين وعائلات أشخاص يشتبه في انضمامهم إلى داعش، تحديات جمّة في إعادة الاندماج في مجتمعاتهم الأصلية. وقابلت "فرانس برس" أكثر من 15 شخصا بينهم عائدون وعاملون في المجال الإنساني ومحامٍ، طلب معظمهم عدم الكشف عن هوياتهم لأسباب أمنية، فعدّدوا عقبات كثيرة أمام العودة، أبرزها صعوبة الحصول على أوراق ثبوتية والاضطرار إلى قطع الاتصال بأقارب مشتبه بهم. ويقول مسؤول أمني عراقي رفيع إن "الحكومة تقدم تسهيلات كثيرة للعائدين لمساعدتهم على الاندماج (...) وإصدار الوثائق الشخصية وإيجاد عمل"، مؤكدا أن "موضوع التبرّؤ (من الأقارب) ممنوع منذ سنوات"، وهو يدعو العائدين إلى "إبلاغ السلطات" حين يُطلب منهم التبرّؤ، إذ إنه "غير قانوني".

من جهته، يوضح محامي عدد من العائدين أن تعهدات التبرؤ هي بمثابة شكاوى يقدمها أحد أفراد الأسرة ضد فرد آخر، ويحذّر من اعتقاد خاطئ بأن على العائدين تقديم وثائق تبرّؤ من الأقارب للحصول على وثائق رسمية مثل بطاقات الهوية وشهادات الولادة.

من مخيم الهول إلى مركز التأهيل

وحصل درويش في 2022 على موافقة لمغادرة مخيّم الهول، وذلك بعد حصوله على موافقة أمنية عراقية ودعم من زعيم عشيرته. وبعد عودته إلى بلده، أمضى عدة أشهر في "مركز الأمل للتأهيل النفسي والمجتمعي" (المعروف سابقا بـ"مركز الجدعة لإعادة التأهيل المجتمعي")، حيث ينتظر المنضمّون إلى برامج إعادة التأهيل أشهرا للحصول على مزيد من الموافقات من السلطات العراقية قبل العودة إلى ديارهم. 

ويقول درويش "في العراق استقبلونا أفضل استقبال". لكن عندما حلّ موعد عودته إلى محافظة صلاح الدين (شمال)، وافق على مضض على طلب السلطات المحلية منه أن يتبرّأ من اثنين من أولاده شرطاً أساسياً للعودة إلى بلدته، ويوضح قائلاً: "عائلتي مؤلفة من 11 فردا (...) وأنا رجل كبير بالعمر وليس لدي راتب ولا مصدر معيشة، فإذا لم أفلح أرضي كيف نعيش؟"، أمّا البيت، فوجده ركاما، ما اضطُره إلى بناء غرفتَين فوق الدمار لإيواء أسرته.

يسرّع العراق عمليات إعادة مواطنيه من مخيم الهول وقد أعاد حتى الآن نحو 17 ألفاً، معظمهم من النساء والأطفال

ويرى ثاناسيس كامبانيس، مدير مركز أبحاث "سنتشري إنترناشونال" ومقره نيويورك، أن العائدين "يواجهون مستقبلا غامضا"، خصوصا أن بعض المصنّفين باعتبارهم من عائلات عناصر داعش "محرومون من الحصول على الوثائق" الأساسية للحصول على الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف، ويقول "في أقل تقدير، يُعدّ العقاب الجماعي لعائلات عناصر داعش ظلما وخطأ أخلاقيا". ويضيف "في أقصى تقدير، تُهيّئ سياسة العراق بيئة مجندين محتملين خصبة للمتطرفين الطائفيين العنيفين".

وتخشى سيدة ثلاثينية طلبت عدم الكشف عن هويتها العودة إلى ديارها في صلاح الدين، حيث أوقف والدها لدى عودته وتوفي لاحقا في السجن، وتقيم حاليا في منزل متهالك في الموصل تخشى أن يتم إجلاؤها منه، فيما تؤرقها فكرة الحصول على أوراق ثبوتية، إذ قد تُضطر إلى "التبرّؤ" من زوجها للحصول عليها. وفي حين تشكر السلطات على إعادتها من مخيّم الهول حيث يتحدث كثيرون عن تزايد العنف، تطالب السيدة بحلّ أزمة الأوراق الثبوتية، وتقول "نحن بحاجة لأن يدعمونا لكي نتمكّن من السير إلى الأمام".

 

وفيما ترفض العديد من الدول استعادة مواطنيها من مخيّم الهول، يسرّع العراق عمليات إعادة مواطنيه، وقد أعاد حتى الآن نحو 17 ألفا، معظمهم من النساء والأطفال. وتساهم منظمات محلية ودولية في تسهيل عملية إعادة الإدماج. ويدعم الصندوق العالمي للصمود وإعادة الإدماج (GCERF)، وهو منظمة مقرها جنيف وتركّز على منع التطرف، عدة مراكز مجتمع مدني محلية ساعدت حتى الآن حوالي ستة آلاف عائد. وتقدّم المنظمة، بحسب المسؤول فيها كيفن أوزبورن، خدمات مثل الدعم النفسي والاجتماعي والتدريب المهني، لتسهيل العودة. لكن تزامنا مع تزايد عمليات إعادة التوطين في العراق، يعيق قرار واشنطن الأخير بخفض المساعدات الخارجية تلك الجهود. وتتطلّب زيادة عمليات الإعادة "توسيع نطاق الدعم لإعداد المجتمعات المحلية بشكل مناسب وتمكين إعادة الإدماج السلس والمستدام"، وفق أوزبورن.

وتقول نوران محمود، من "المؤسسة العراقية للتنمية" المدعومة من الصندوق، إن الكثير من العائدين يخشون "الرفض المجتمعي ووصمة العار" ويواجهون تحديات "اقتصادية واجتماعية ونفسية". وتقدّم منظّمتها في الموصل استشارات نفسية، إذ يعاني كثيرون من "القلق ومشاكل بالنوم والاكتئاب"، بالإضافة إلى برامج تعليمية.

وعادت رهف (24 عاما)، وهي من النساء اللواتي يتلقّين دعما لمعالجة صدماتهنّ المتراكمة على مدى سنوات، إلى مقاعد المدرسة المتوسّطة بفضل دعم هذه المنظمة المحلية، وتقول "أشعر بأنني ناجحة (...) وأريد أن أعمل إمّا بالمحاماة أو بالتعليم".

 

(فرانس برس)

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows