المحاصصة السياسية تُجهض حكومة كامل إدريس في السودان
Arab
9 hours ago
share

عرقلت المحاصصة السياسية خطط رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس لتشكيل حكومة من التكنوقراط لإدارة المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد في ظل حرب مشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 إبريل/نيسان 2023. فقد اصطدم إدريس بتمسك الكيانات السياسية والحركات المسلحة التي تشارك الجيش في السلطة، بحصتها من الحقائب الوزارية، ما شكّل عائقاً أمام طموحاته لتكوين حكومة خالية من الأحزاب والكيانات السياسية، وفجّر خلافات أدت إلى منع إعلان التشكيل الحكومي كاملاً، وتعيين وزراء على دفعات، من بينهم أكاديميون وسياسيون وعسكريون وممثلون لحركات مسلحة، إذ أصبح عدد الوزراء المعينين 10 من أصل 22 وزيراً مفترضاً تعيينهم تباعاً.

وأصدر كامل إدريس وهو الخبير بالمنظمات الدولية وأستاذ القانون، الذي عيّنه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 19 مايو/ أيار الماضي، قراراً في الأول من يونيو/ حزيران الماضي، بحل الحكومة وتكليف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير العمل إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وقال إدريس في خطاب، يوم 19 يونيو الماضي، إن حكومته ستتكون من 22 وزارة. وذكر أن شروط الانتماء إليها أن يكون الشخص سوداني الجنسية بغضّ النظر عن عرقه أو دينه، وعدم الانتماء الحزبي، والتحلي بالِقيم الجوهرية، فضلاً عن التحلي بالمهارات القيادية، والتحلّي بأعلى درجات المعارف والقدرات والخبرات التقنية اللازمة في المجال المعني.

وكانت أولى العقبات التي واجهتها حكومة كامل إدريس التي أطلق عليها اسم "حكومة الأمل"، اعتراض الحركات المسلحة المشاركة في السلطة والموقعة على اتفاقية جوبا للسلام (مع الحكومة) في أغسطس/ آب 2020، على قرار حل الحكومة السابقة، ثم إعلان تمسكها بنصيبها في الحكومة الجديدة وفق الاتفاقية التي تنص على مشاركتها في الحكومة ومنحها مناصب وحقائب وزارية. وتنضوي الحركات المسلحة الموقّعة على السلام تحت ما يعرف بـ"القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح"، وهي المجموعة العسكرية الرئيسية والأكبر التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني في حربه المشتعلة مع مليشيات الدعم السريع.

وتنصّ اتفاقية السلام على منح الجبهة الثورية التي تضم عدداً من الحركات المسلحة 3 مقاعد في مجلس السيادة الانتقالي، و5 وزراء في الحكومة التنفيذية، إلى جانب 75 مقعداً في البرلمان الانتقالي، وذلك دون تحديد الحقائب، إذ يُتفق عليها مع رئيس الوزراء عند تشكيل الحكومة. كذلك تنصّ على منح 40% من السلطة في إقليم دارفور لمكونات مسار دارفور (القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح)، و30% لمكونات السلطة الانتقالية، و10% لحركات دارفور الموقعة على الاتفاق، و20% من السلطة لأهل المصلحة (الاختصاص). وخُصِّص 20% من الوظائف في الخدمة المدنية والسلطة القضائية والنيابة العامة والسفراء للجبهة الثورية. وكان من أبرز الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق: حركة العدل والمساواة، التي يقودها جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان، بزعامة مني أركو مناوي، والحركة الشعبية شمال، بقيادة مالك عقار، إلى جانب فصائل أخرى منضوية في تحالف الجبهة الثورية، وقد تفرّقت الحركات المشاركة في تحالف الجبهة الثورية بعد الحرب، وبقيت حركات جبريل ومناوي ومالك عقار إلى جانب الجيش.

من جهة أخرى، تنص الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد (تهدف إلى تنظيم الفترة الانتقالية بعد إطاحة الرئيس السابق عمر البشير في 2019)، تعديل سنة 2025، في المادة "15-1"، على أن يتكون مجلس الوزراء الانتقالي من رئيس الوزراء وعدد من الوزراء من كفاءات وطنية مستقلة لا يزيد عددهم على 26 وزيراً. يعين هؤلاء الوزراء رئيس الوزراء بعد التصديق من مجلس السيادة عدا وزراء أطراف العملية السلمية الذين يُرشَّحون بواسطة أطراف العملية السلمية (اتفاق جوبا)، ووزيري الدفاع والداخلية اللذين يُرشَّحان بواسطة قيادة القوات النظامية مع مراعاة تمثيل ولايات السودان.

تعيينات كامل إدريس بالتقسيط

وكان أول الوزراء الذين عينهم إدريس، في 24 يونيو الماضي، الضابط في الجيش السوداني الفريق حسن داوود كبرون وزيراً للدفاع، والفريق شرطة المتقاعد بابكر سمرة مصطفى وزيراً للداخلية. وفي 3 يوليو/ تموز الحالي، عُيّن ثلاثة أكاديميين يحملون درجة بروفيسور، هم عصمت قرشي عبد الله محمد وزيراً للزراعة والري، وأحمد مضوي موسى محمد وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، ومعز عمر بخيت العوض وزيراً للصحة. كذلك أصدر كامل إدريس في 10 يوليو الحالي، قراراً آخر بتعيين خمسة وزراء، هم: محمد كرتكيلا صالح وزير الحكم الاتحادي والتنمية الريفية، وعبد الله محمد درف علي وزيراً للعدل، وجبريل إبراهيم محمد وزيراً المالية، ومحاسن علي يعقوب وزيرة للصناعة والتجارة، وبشير هارون عبد الكريم عبد الله وزيراً للشؤون الدينية والأوقاف.

أثار قرار التعيين الأخير الكثير من الجدل لضمه وزراء كانوا في الحكومة السابقة ينتمون إلى أحزاب سياسية وحركات مسلحة، ما أفشل تشكيلة التكنوقراط المنتظرة. فقد احتفظ كل من كرتكيلا، وهو ينتمي إلى الحركة الشعبية التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، ودرف وهو عضو في الحركة الإسلامية (نظام الرئيس المخلوع عمر البشير)، بحقيبتيهما الوزاريتين. كذلك احتفظ جبريل إبراهيم بمنصبه، وهو رئيس حركة العدل والمساواة، وكذلك محاسن علي يعقوب، التي كانت وزيرة مكلفة لذات الوزارة في الحكومة السابقة، فيما ينتمي عبد الله إلى حركة التحالف السوداني المسلحة.

تحديات تشكيل حكومة التكنوقراط في السودان

في هذا الصدد، من الواضح، وفق عضو المكتب التنفيذي لـ"التيار الوطني" (تنظيم سياسي)، نور الدين صلاح الدين، أن "التوازنات السياسية الراهنة، التي لا تزال تخضع في جزء كبير منها لمنطق ما قبل الحرب، ولضغوط مراكز النفوذ العسكرية والقبلية، قد حدّت من قدرة كامل إدريس على تشكيل حكومة تكنوقراط خالصة، كما كان يأمل".

نور الدين صلاح الدين: اتفاق جوبا للسلام مثّل أحد أبرز العوامل التي قيّدت إمكانات التشكيل المستقل

وأضاف صلاح الدين لـ"العربي الجديد"، أن "التطلعات التي رُوِّج لها بشأن حكومة مستقلة ومصغرة، تعكس الحد الأدنى من التوافق المدني، وتنهض بمهام إسعافية ملحّة، اصطدمت عملياً بإرث عميق من المحاصصة السياسية والترضيات". وفي رأيه أن اتفاق جوبا للسلام "مثّل أحد أبرز العوامل التي قيّدت إمكانات التشكيل المستقل، إذ تمسك عدد من أطرافه بحقوق مكتسبة ضمن ترتيبات تقاسم السلطة، رغم تغيّر الواقع السياسي والعسكري بعد اندلاع الحرب" في إبريل 2023. واعتبر أن "هذا الإصرار على استدامة الامتيازات بدلاً من تطوير الاتفاق بما يتناسب مع السياق الحالي، ساهم في تعقيد المشهد وأضعف فرص بناء حكومة فاعلة تنطلق من شرعية جديدة".

وشدد صلاح الدين على أن "التيار الوطني يرى أن المدخل الصحيح لإنقاذ البلاد لا يكمن في مجرد تشكيل حكومة، بل في بناء قاعدة توافق وطني جديدة، تُعيد تعريف المشروعية السياسية على أسس مدنية ودستورية، وتنأى عن توزيع السلطة كغنيمة". وأشار إلى أنه "إذا لم تُصَحَّح هذه المسارات، فإن الحكومة أيّاً كانت شخصياتها ستبقى محدودة الفعالية، وعاجزة عن مخاطبة جذور الأزمة، بل قد تتحول إلى أداة جديدة لإعادة إنتاج الصراع، بصيغ أكثر هشاشة". وفي رأيه "تقييم الحكومة الجديدة يجب ألا يتم فقط بناءً على أسمائها، بل على قدرتها على فتح أفق سياسي جديد، يعيد ترتيب الأولويات الوطنية: إنهاء الحرب، توحيد الجهد المدني، والتأسيس لمسار سلام مستدام وانتقال حقيقي نحو الدولة المدنية".

مجدي عبد القيوم: فشل أو نجاح الحكومة مرتبط بقضايا داخلية وخارجية معقدة

لكن المحلل السياسي السوداني، مجدي عبد القيوم، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "إذا كان المعنيّ بالتكنوقراط مصطلحاً، أن الشخص يمكن وصفه بخبير مهني غير ملتزم حزبياً، فقد نجح رئيس الوزراء كامل إدريس إلى حد كبير، من خلال استعراض من اختيروا باستثناء بعض الحقائب التي أوكلت إلى قوى اتفاقية جوبا للسلام". وفي تقديره أن "الملمح الأبرز هو اتساع قاعدة الحكومة من ناحية إثنية جهوية، وهذا مؤشر جيد"، موضحاً أن "في بلد مثل السودان يرتفع فيه صوت المظالم المرتبطة بقضايا انعدام التنمية المتوازنة والخلاف حول الثروة والسلطة، فإن التشكيل الحكومي حتى الآن عالج هذا الإشكال". واعتبر عبد القيوم أن فشل الحكومة أو نجاحها مرتبط بقضايا داخلية معقدة، وبالتالي التحدي الذي تجابهه هو تجاوز تلك العقبات، "وكذلك المؤثرات الخارجية وكيفية إدارة ملف العلاقات الخارجية، في ظل ما نراه من قضايا شائكة في المحيط العربي خصوصاً، والأفريقي إلى حد ما".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows