أزمات التعليم الجامعي في جنوب سورية
Arab
9 hours ago
share

تتفاقم أزمات الطلاب الجامعيين في محافظات الجنوب السوري، من السويداء إلى درعا والقنيطرة، مهددةً مستقبل جيل بأكمله وسط تصاعد العقبات الاقتصادية والأمنية. وخلال جولة ميدانية شملت لقاءات مع طلاب وأسرهم وأكاديميين، رصدنا تحديات تعيق القدرة على مواصلة التعليم الجامعي، في ظل ارتفاع تكاليف النقل والسكن، وتدهور الوضع الأمني، ما يهدد بحرمان عدد كبير من الطلاب من الحصول على شهاداتهم الجامعية.
"أضطر لدفع ما قيمته 150 ألف ليرة سورية (نحو 14 دولاراً أميركياً) يومياً، فقط من أجل الوصول إلى جامعة دمشق"، بهذه الجملة لخّص الطالب سعد الحلقي، من محافظة درعا، معاناته اليومية، وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن تضاعف أسعار الوقود بعد سقوط النظام ساهم في قفز كلفة النقل بين درعا ودمشق إلى نحو 50% من متوسط الدخل الشهري لوالده، ما يجعل من تكاليف مجرد رحلتين أسبوعياً إلى الجامعة عبئاً لا يمكن تحمله.
أما في السويداء، فتحولت رحلة المائة كيلومتر نحو جامعة دمشق إلى رهان يومي مع الخطر. ويقول الطالب (ز.ح.)، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية: "نقف على الحواجز العسكرية، وفي كل مرة أخشى الاختطاف أو الرصاص الطائش أو التعرض للإهانة"، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن طلاب السويداء والذين لم ينقطعوا كلياً عن دراستهم، يغيبون عن محاضراتهم ثلاثة أيام أسبوعياً على الأقل بسبب إغلاق الطرق. 
وتحوّل البحث عن سكن آمن ومقبول في دمشق إلى كابوس آخر، إذ تجاوز متوسط إيجار الغرفة الواحدة نصف مليون ليرة سورية (نحو 45 دولاراً أميركياً) شهرياً، ما دفع الكثير من الطلاب إلى الانسحاب من جامعاتهم. وأوضح أحد الأساتذة الجامعيين في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في كلية الهندسة في حلب، انخفضت نسبة الطلاب القادمين من السويداء والقنيطرة بسبب مشاكل النقل وأجور المواصلات وخطورة الطرق، ولأن السكن خارج المدينة أصبح حلقة خناق جديدة لا يمكن لطالب من أسرة متوسطة تحمّلها".

وتقول المتخصصة في مجال الصحة النفسية شيماء الكساسبة، لـ"العربي الجديد"، إن الدراسة تحولت لدى شريحة واسعة من الطلاب إلى "أحلام معلّقة"، مشيرة إلى تأثيرات نفسية مدمرة على المدى البعيد، مثل فقدان الطموح وظهور أعراض اكتئاب حاد لدى الطلاب المنقطعين عن التعليم.
وتقول السيدة (س.ق.)، من القنيطرة، لـ"العربي الجديد"، والتي فضلت عدم الكشف عن هويتها: "كان ابني يحلم بأن يصبح طبيباً، واليوم يعمل في ورشة حدادة. بعدما كنت أشاهد طموحه يكبر كل يوم، صرتُ أرى اليأس في عينيه كل صباح، إذ تحول إلى آلة بلا روح تحاول كسب المال كي نعيش".
رغم غياب الحلول الحكومية، ظهرت بعض المبادرات المحلية في محافظات الجنوب السوري. ففي السويداء، تغطي التبرعات تكاليف نحو 30% من طلاب الدراسات العلمية، فيما تنشط مبادرات مشابهة في درعا، معتمدة على دعمٍ أهلي. أما في القنيطرة، فلا يزال مشروع السكن الجامعي بأسعار مخفضة حبراً على ورق. وعلى الجانب الآخر، يظل المشهد الرسمي بارداً، إذ لم تظهر حتى تاريخه أي مشاريع لإعادة بناء المدن الجامعية أو توسعتها، بينما تقتصر تصريحات المسؤولين على وعود عامة. ويعلّق أحد الطلاب متحدثاً لـ"العربي الجديد": "القرار السياسي غائب، والحلول البديلة تكرّس التواكل الحكومي".

وأظهرت مقابلات "العربي الجديد" مع عدد من الطلاب أن معظمهم يدرسون اللغات الأوروبية بهدف الهجرة. ويؤكد الباحث الاجتماعي أحمد السلامة أن "كل طالب ينقطع عن الدراسة يشكل قنبلة اجتماعية موقوتة، وكل مهاجر جديد يعني نزيفاً للمستقبل".
يرى الناشط راغب البكر أن المسؤولية لا تقع على عاتق السلطة وحدها، بل تشمل أيضاً المنظمات الدولية التي "تموّل مؤتمرات فاخرة في فنادق خمس نجوم بدمشق، لكنها تتلكأ في تمويل التعليم والطلاب، ما يعني أنها جزء من الجريمة"، بحسب قوله لـ"العربي الجديد"، ويسأل: "أليس من السخرية أن كلفة مؤتمر أو احتفال كفيلة بتمويل افتتاح فرع جامعي جديد؟"، ويضيف: "كسرنا أصنام النظام في الثورة، وعلينا اليوم كسر أصنام الصمت في دوائرنا المحلية. لن أقول إنها معركة الأمل، بل هي معركة البقاء، فالشعب الذي يموت تعليمه، يدفن حضارته بيَديه".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows