
بلغت التمويلات التي وفرها البنك المركزي اليمني منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022 وحتى نهاية 2024، لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة ما يقارب 2.4 مليار دولار من الموارد المحلية والخارجية. وكشف البنك في ختام اجتماع دورته الرابعة للعام 2025، أنه قام بتغطية العجز من دون اللجوء إلى أيّ تمويل تضخمي حفاظاً على الاستقرار الاقتصادي، واتساقاً مع سياساته الصارمة التي أقرها في هذا المجال.
ودعا البنك الحكومة إلى ضرورة تبنّي إصلاحات عاجلة في جانبي الموارد والإنفاق العام، مشدداً على أهمية تكامل الجهود بين كل مؤسسات الدولة وسلطاتها المختلفة، باعتبار ذلك واجباً وطنياً لا يحتمل التأجيل، حيث يواجه البنك المركزي اليمني صعوبات بالغة في التعامل مع انهيار العملة المتواصل مؤخراً حيث سجل سعر صرف الريال اليمني اليوم الأحد، نحو 2861 ريالاً مقابل الدولار.
في السياق، تحدثت مصادر حكومية مسؤولة، أن الحكومة تسعى في هذا الخصوص إلى عقد اجتماع استثنائي للوقوف على جوانب التنسيق والتكامل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ووقف تراجع العملة الوطنية، والإيفاء بالالتزامات الحتمية وبينها انتظام رواتب موظفي الدولة والخدمات الأساسية. إضافة إلى وضع خطة لتنسيق الأدوار التكاملية لمؤسسات الدولة والتدخلات العاجلة المطلوبة للسيطرة على أسعار صرف العملة الوطنية وانعكاساتها الخطيرة على معيشة المواطنين وحياتهم، والعمل بشكل منسق بين السياسة النقدية والمالية، إضافة الى مقترحات يمكن تنفيذها لتصحيح مسار الاقتصاد الوطني، ومن بينها مكافحة الفساد وتعزيز الإيرادات وترشيد النفقات.
أسباب عجز الموازنة وتراجع الريال اليمني
من جانبه، أكد الأكاديمي والباحث الاقتصادي، هشام الصرمي لـ"العربي الجديد"، أن هناك تأثيراً كبيراً لدعم الدول المانحة الذي تحاول الحكومة الحصول عليه على الوضعية الراهنة في الاقتصاد والعملة المحلية، مبيناً أن الغطاء الأكبر للعجز في الموازنة العامة للعام 2024، أثر في المالية العامة والرواتب في بند الأجور والخدمات العامة كالصحة والتعليم والكهرباء وغيرها. يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة ومؤسساتها المالية والنقدية بشكل كبير في مواجهة اضطراب العملة المحلية وتسارع تدهور سعر صرف الريال اليمني الذي تجاوز حاجز 2800 ريال مقابل الدولار.
في السياق، يرجع المحلل في الشأن الاقتصادي نبيل الشرعبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، سبب استمرار فقدان العملة اليمنية مزيداً من قيمتها مقابل سلة عملات أجنبية رئيسة أبرزهما الدولار والريال السعودي، إلى فشل البنك المركزي اليمني في النهج المصرفي، وفشل السياسات والأدوات النقدية للحد من ذلك، فضلاً عن تعاظم الفشل في ظل عجز الحكومة الشرعية عن تمكين البنك المركزي من أداء مهامه القانونية، وإيكال مهمة تغطية عجز النفقات إلى الموارد للبنك كما يتضح من تقارير التطورات النقدية والمصرفية الشهرية التي لا تصدر إلا كل 4 أشهر .
في المقابل، سبَّب تأخر الدعم السعودي أو من الجهات والدول المانحة الذي دأبت الحكومة في الاعتماد عليه لتغذية احتياجات السوق النقدية من العملات الصعبة ومواجهة تدهور سعر الصرف، حيث سبَّب ذلك أيضاً ارتباك وتعثر الخطط والبرامج الحكومية للتعامل مع تدهور وانهيار بعض الخدمات العامة مثل الكهرباء.
وأشار الصرمي إلى أن هناك تأثيراً نقدياً لهذا الدعم على خطط وتدخلات وقدرة البنك المركزي في عدن على ضبط السوق النقدي وسعر صرف العملة، إضافة إلى التأثير على المستوى الاجتماعي حيث تغطي تمويلات المانحين ودعمهم محورين رئيسين؛ الاستجابة الطارئة، والبدء بعملية التنمية المستدامة، لذا سيكون لهذا الأمر أثر على زيادة مستويات الفقر.
بدوره، يرى الشرعبي أن تقليص الدعم والمساعدات الخارجية كان قد بدأ منذ مطلع العام قبل الماضي وبلغ ذروته خلال النصف الأول من العام الجاري، لافتاً إلى أن ما يقدم لليمن من العالم عبر الهيئات الأممية في الأساس لا يذهب إلى معالجة قضايا فعلية واقعياً تمس غذاء وسبل معيشة اليمنيين إلا بنسب متواضعة للغاية جداً، بينما النسبة الكبيرة تذهب لتمويل أنشطة منظمات مجتمع مدني لا حاجة إليها.
وتؤكد الحكومة أنها تعمل على تجاوز هذه الأزمة وتحديات المرحلة الراهنة، من خلال العمل على استعادة مصادر الدخل وتنويعها والوصول إلى الموارد السيادية، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والأصدقاء لتقديم دعم عاجل للحيلولة دون مزيد من تدهور الوضع الاقتصادي. في حين يؤكد البنك المركزي في عدن أن يسعى خلال الفترة القادمة للحدّ من الآثار الاقتصادية الناجمة عن الهجمات التي عرقلت تصدير النفط، والعمل على حشد الموارد وتعبئتها لتغطية الالتزامات الأساسية للدولة، بما في ذلك صرف المرتبات وتقديم الحد الأدنى من الخدمات.

Related News

