مسلسل الاستديو... ليس كشفاً عن صناعة هوليوود المظلمة
Arab
11 hours ago
share

ربما يكون تشويهاً مهنياً، أو ربما نحن عالقون في حلقة كونية من التكرار اللانهائي. لكن كلّ ما يقوله سيث روغان تقريباً في مسلسله الساخر "الاستديو" ذي الحلقات العشر عن "الثقوب السوداء المتحرّكة" التي يمثّلها "مديرو الاستديوهات" في هوليوود قد رأيناه بالفعل. تعشق هوليوود التأمّل في ذاتها. أحياناً يكون ذلك بطريقة لاذعة ونقدية، وأحياناً أخرى أقل حدّة، لكن نجاح العديد من هذه القصص يعتمد على قدرتها على الملاحظة، وأناقة أو يقين مفارقاتها، والشخصيات التي تخلقها، والعالم الذي تصوّره، وطريقة قيامها بذلك. لن يكشف "الاستديو" عن أي جديد في هوليوود، وقد لا يقدّم دائماً أدقّ الملاحظات حول هذا العالم، لكنه ينجح في أن يكون مسلياً ومبدعاً من الناحية الشكلية.

ابتكر روغان وشريكه الإبداعي الدائم إيفان غولدبرغ، إلى جانب بيتر هيوك وأليكس غريغوري وفريدا بيريز، "الاستديو"، تكملةً وامتداداً لنوع السخرية الذي أتقنه روبرت ألتمان في فيلمه "اللاعب" (1992). في الواقع، اسم الرئيس التنفيذي المخضرم لاستديو كونتيننتال (يلعبه هنا برايان كرانستون) غريفين ميل، وهو اسم الشخصية التي لعبها تيم روبنز في ذلك الفيلم. لكن بطل "بريكنغ باد" ليس مركز مسلسلنا هنا، بل إن حضوره عَرضيّ، وإن كان مهمّاً، في الحبكة. إنه مَن اختار مات ريميك (روغان) رئيساً للاستديو بعد طرد باتي لي (كاثرين أوهارا) من منصبها. وهو الذي، مع اقتراب النهاية، سيُحدث تغييراً جذرياً في حياة الأبطال بأكثر من طريقة.

تدور أحداث المسلسل حول ريميك الذي يتولّى منصبه بمزيج من السعادة والحزن. إنه مولع بالسينما، ودارس لتاريخها، ومعجب بالمخرجين المهمّين، لكن أوامر مِيل تقضي بنسيان كل ذلك، ومحاولة إنتاج أفلام ضخمة، وأجزاء تالية، وأفلام مبنية على منتجات تجارية. ويصرّ على أن يكون هدفه الرئيسي إنتاج فيلم كول-إيد، وهو مستوحى بطريقة ما من ذلك المشروب المجفّف المُنكّه ذي الشعبية الكبيرة في الولايات المتحدة. لا يعرف ريميك كيفية صناعة فيلم ملحمي مستوحى من شيء كهذا، وسيكون هذا أحد محاور سرد المسلسل. ينضم إلى ريميك مساعدان إبداعيان هما سال سابرستين (آيك بارينهولتز) وكوين هاكيت (تشيس سوي وندرز)، ومديرة تسويقية بارزة (كاثرين هان)، ولي، التي يستعين بها ريميك منتجةً في سعيه اليائس إلى المضي قدماً في موقف معقّد. على مدار عشر حلقات، مدة كل منها نصف ساعة، يتابع "الاستديو" ريميك المضطرب وفريقه المتوتّر عبر سلسلة من التشابكات التي يتعيّن عليهم التعامل معها، وهي مواقف تزداد تعقيداً بسبب ارتباكهم وسوء فهمهم وأخطائهم، خاصة ريميك، الذي لا يستطيع حلّ صراعه الداخلي الناجم عن سعيه إلى نيل إعجاب الآخرين، وفي الوقت نفسه اضطراره إلى اتخاذ قرارات قد لا تعجبه.

رغم أن المسلسل يهدف إلى التأثير الكوميدي أكثر من كشف أسرار الصناعة المظلمة (بينما كان فيلم ألتمان أعمق في هذا الجانب) لكنه يحقّق أفضل لحظاته عندما يصبح شرساً في تصويره لأنانية أبطاله وعاطفتهم وصوابيتهم السياسية الزائفة، خاصة ريميك الذي يزداد ارتباكاً، مع أنه يمتلك نيّات حسنة ولكنه يستمرّ في ارتكاب الأخطاء، أو يجد نفسه في مواقف نسمّيها اليوم "محرجة" نظراً إلى الطريقة التي ينكشف بها ارتباكه ورسمه لنفسه. تبدأ المشكلات المتعلقة بنسخة نهائية من فيلم، أو قرار اختيار ممثلين، أو شريط فيلمي مفقود، ثم تنتهي في حالة من الفوضى العارمة.

"الاستديو" وليمة لعشّاق التجسّس على مطابخ هوليوود. فهو مُعدّ بمعرفةٍ عميقة بالعالم الذي يُصوّره، وبظهورٍ نادر لعددٍ من المشاهير الذين يؤدّون أدوارهم، بدءاً من مارتن سكورسيزي، وبول دانو، وتشارليز ثيرون، وبيتر بيرغ، وستيف بوشيمي، وانضمّت إليهم لاحقاً سارة بولي، وغريتا لي، ورون هوارد، وأنتوني ماكي، وأوليفيا وايلد، وزاك إيفرون، وجوني نوكسفيل، وآيس كيوب، وآدم سكوت، وديف فرانكو، وزوي كرافيتز، وغيرهم ممن يؤدّون أدواراً مبالغاً فيها، وعادةً ما تكون نرجسيةً.

العنصر الآخر اللافت في المسلسل، ويربطه أيضاً بفيلم "اللاعب"، أنه صُوّر على شريط سينمائي وبتنسيق يُعطي الأولوية للقطات المتسلسلة، لدرجة أن إحداها تُحيط تماماً، بعيداً عن الحيل المتعارف عليها، في الحلقة الثانية التي تدور أحداثها في موقع تصوير فيلم. يُجمّع روغان وغولدبرغ، مخرجاً جميع الحلقات، المَشاهد بسلاسة مُتتبعين حركة الشخصيات في الفضاء، عابرين ممرّات الاستديو، ومواقع التصوير، وحفلات توزيع الجوائز. ربما يكون هذا هو السلاح السرّي لـ"الاستديو"، الذي يمنحه بصمة سردية قوية، وكثافة، وحدّة، وفي الوقت نفسه السلاح الذي يسمح لنا بتجاهل أجزائه الأكثر بساطة ولحظات الفكاهة المراهقة. هذه حلقات تأسر المُشاهد بطاقتها وفوضاها الإبداعية المُنظّمة.

لا شك أن سيث روغان وجد نفسه في مأزق مماثل لشخصيته عند صنع المسلسل. كيف نصنع شيئاً معقولاً وواقعياً عن الأشغال الداخلية لهوليوود، من دون تنفير الجمهور غير المتخصّص؟ هذا هو الصراع الداخلي للمسلسل الذي يكون أحياناً لاذعاً وناضجاً ومفصّلاً حول العالم الذي يصفه (حتى المخرجون غير المعروفين، مثل أوين كلاين أو باركر فين، يظهرون على طبيعتهم، بل تُناقش أفلامهم)، وفي أحيان أخرى يتبنّى أكثر الفكاهة الكلاسيكية إحراجاً، تلك المليئة بالمواقف المحرجة والسخيفة، بما في ذلك تدمير مساحات مادّية مختلفة.

ما يسمح له بالهروب من الجانب الأكثر تنفيراً في أكثر سخريته قسوةً، هو حبّ روغان وشخصيته لهوليوود. فهم يسخرون من كلّ شيء، مثل "نتفليكس" و"أمازون" والاستديوهات المملوكة لعمالقة التكنولوجيا، رغم أن المسلسل من إنتاج "آبل". لكن المودّة التي يكنّونها للعالم الذي يعملون فيه واضحة، وكذلك شغفهم بالسينما ورواية القصص والأشخاص الذين، على الرغم من بؤسهم وسلوكهم السخيف، يعملون في ذلك السيرك المتنقّل الصاخب. مشاهدة وايلد، وكرافيتز، وهوارد، ودانو، وماكي وهم يسخرون من أنفسهم ومن العالم الذي يعيشون فيه، مسلية، وتوضّح أنهم جميعاً، بطريقةٍ ما، يدركون تورّطهم في عالمٍ يمتزج فيه الإبداع والموهبة باستمرارٍ مع أقصى درجات النرجسية. لكن هذا لا يعني أنهم سيتخلّون عنه؛ فمصنع الأحلام، كما يسمّونه، قد يكون كابوسياً. لكن العيش من دونه، بلا شكّ، أسوأ بكثير.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows