"قسد" والطريق نحو دمشق
Arab
15 hours ago
share

يعمل النظام الجديد في سورية على تثبيت نفسه على مستويين بشكل متواز، فقد قدّم أوراقه الداخلية واحدة بعد الأخرى. ولا يبدو أنه يستمع كثيراً لما يدور من لغط حوله، فهو يتابع سياسته من دون تردّد، وأنجز وثائقه الرسمية في الإعلان الدستوري، وبعدها بدأ بإصدار قرارته المتعلقة بالحكومة والشعب. تتركّز سلطاتٌ كثيرة بيد شخصٍ واحد، لا يحاول أن يخفي ما يقوم به، فهو يؤمن أن تركيز السلطة في الوقت الراهن يشكّل سلاحاً قوياً وفعّالاً، لضمان التماسك الداخلي، ويعمل على المستوى الخارجي بنشاط أكبر. وقد أنجز بالفعل في فترة قياسية استحقاقات عديدة، فنجح في إزالة العقوبات بشكل شبه كامل، وتقرب بشدة من الدولة الأكبر، وحاز رضاها، وصرّح بوضوح بنيّاته السلمية تجاه الجيران. وبواقعية شديدة، لم يخفِ محادثاته (غير المباشرة) مع إسرائيل، وفتح أقنية حوار مع أوروبا. وبالفعل، أعادت دولٌ رئيسية أعمال سفاراتها في دمشق.. لا تبدو العلاقة مع أوروبا بالمستوى المفتوح نفسه مع أميركا، ولكن الخارجية السورية تبدي مزيداً من النشاط في هذا الخصوص، وتبدو متفائلة في تحقيق اختراق أكبر. ورغم هذه الخطوات المهمّة والضرورية لما قد يُبنى فوقها من إنجاز اقتصادي منشود، ما زالت معضلة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على حالها، وثمّة عقبات بارزة أمام الوصول إلى حلٍّ نهائي معها.

لفّ الغموض عدد لقاءات الرئيس أحمد الشرع مع قائد "قسد"، مظلوم عبدي، لكن المؤكد أنها جميعاً جرت بمباركة أميركية. وكان مندوب أميركي حاضراً في 10 مارس/ آذار الماضي، عندما وقع كلاهما على اتفاق مبادئ فضفاض، يشكل نقطة أساس لأي اتفاق تفصيلي لاحق، تضمّن وقف النار وإعادة هيكلة الجيش وبنود أخرى تنصّ على إطلاق سراح معتقلي الجانبين، ودمج مؤسّسات الدولة.. وقبل أيام، حضر المبعوث الأميركي، توماس برّاك، لقاءً بين الجانبين في دمشق. ورغم تصريحاته الحادّة والواضحة، فقد لا تنهي حالة المراوحة في المكان، ولا يؤدّي هذا إلى إحراز تقدّم كبير، فكلامه عن طريق وحيدة أمام "قسد" تمرّ عبر دمشق يحتاج إلى متابعة التحرّكات الفعلية على الأرض.

النقطة الأهم ولا يخفي الجانبان خلافهما بشأنها وضعية قوات "قسد" العسكرية، وشكل انضمامها إلى مؤسّسة الجيش والقوات المسلحة السورية الجديدة، فيبدو عبدي مصرّاً على أن جماعته العسكرية يمكن أن تندمج في الجيش الجديد ولكن على هيئة كتلة واحدة، من دون توزيع أيٍّ من أفرادها على بقية القطعات، وتحتفظ بهويتها الكردية، وتحافظ على موقع وجودها في الشمال، بينما يؤكد الشرع قاعدته العامة التي قدّمها منذ يومه الأول في السلطة، أنه لا يقبل انضمام أية مجموعة، بل أفراداً من دون مسمّى أو شعارات. ويرى الجانب الكردي أن ذلك سيجعل هويته "القومية" تُطمس، في حال تبعثرت قواته شمالاً ويميناً، ويعاد تكرار مأساة الكرد مع نظام البعث الذي لم يعترف على الإطلاق بهوية كردية أو ثقافة، وفرض أمراً واقعاً موحّداً على الجميع.

يصرّ الرئيس الشرع على أن وثائق الدولة السورية الجديدة ستحتوي على ما يعطي كل المكوّنات السورية حقوقها الثقافية كاملة مع إفساح المجال لها لممارسة هذه الحقوق ضمن القانون، وهو الأمر الذي يبدو أنه لم يقنع الجنرال عبدي. ومن الواضح أن أزمة ثقة كبيرة تخيّم على الأجواء، لا يبدو الجانب الأميركي قادراً على إزاحتها، رغم قربه الكبير من الطرفين، ولكنه يبدي سعة صدر في إفساح الوقت اللازم، خصوصاً للجانب الكردي الذي يبدو "مطمئناً" إلى أن 1500 جندي أميركي موجودون في مناطقه يشكلون ضمانة كافية ليتمسّك برأيه ويحصل على ما يريد. وفيما لو قرّرت الولايات المتحدة سحب هذه المجموعة، عندها يمكن أن تكون المسألة قد فتحت على احتمالات كثيرة، منها الحرب، وهي الخيار المكلِف الذي لا ترغب غالبية السوريين في رؤيته.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows