
تثير الأعداد الهائلة للأفغان العائدين من إيران مخاوف شديدة إزاء تفاقم الأزمة الإنسانية، وسط شح الموارد والمساعدات، خصوصاً بعد استقبال نصف مليون عائد خلال شهر، فضلاً عما تعانيه البلاد جراء عقود من الحرب
لا تزال تداعيات ترحيل اللاجئين الأفغان من إيران تلقي بظلالها الثقيلة على أفغانستان، وتنذر بتفاقم الأزمة الإنسانية في ظل تدفق يومي هائل بالأعداد تجاوز 500 ألف لاجئ خلال شهر، وفقاً لأرقام أفغانية رسمية. وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أعلنت في 7 يوليو/تموز، عودة نحو 450 ألف أفغاني من إيران منذ بداية يونيو/حزيران 2025، بعد أن طلبت السلطات الإيرانية ممن لا يحملون وثائق رسمية مغادرة البلاد قبل 6 يوليو، ما قد يؤثر على أربعة ملايين أفغاني من أصل ستة ملايين يعيشون في إيران، مشيرة إلى أن أكثر من 1.4 مليون شخص عادوا أو أُجبروا على العودة إلى أفغانستان هذا العام وحده.
اضطر شمس الدين مدثر إلى ترك مدينة قم الإيرانية والعودة إلى أفغانستان من دون سابق إنذار، حيث كان يعمل في ورشة لتصليح السيارات وصيانتها. ويروي لـ"العربي الجديد" كيف أنه غادر منزله صباحاً وفي حوزته طعامه وحاجياته خلال العمل، قبل أن يُفاجأ برجال الأمن والشرطة يبحثون عن اللاجئين الأفغان. هرب إلى دورة المياه علّه ينجو، لكن ذلك لم يُجدِه نفعاً، إذ حاول رجال الشرطة الدخول بالقوة، فما كان منه سوى تسليم نفسه، وتمّ نقله إلى مركز للاجئين، ومن ثم إلى الحدود الأفغانية - الإيرانية، ليتم ترحيله.
لا يزال مدثر (28 سنة) موجوداً عند الحدود ينتظر باقي أفراد أسرته علّهم يصلون إليه، فيتحركون إلى مسقط رأسهم في إقليم تخار شمالي أفغانستان، على أمل بدء حياة جديدة. ويتابع: "كنتُ أملك كل الأوراق والوثائق المطلوبة، من جواز السفر والتأشيرة وبطاقة الهوية، وكنتُ أحملها دوماً معي لأن الوضع لم يكن جيداً، حيث إن الشرطة كانت تلاحق اللاجئين في كل مكان. وعندما كانت عناصر الشرطة تعتقلني وتنقلني إلى الحافلة، سلّمتها كل الأوراق، لكن شرطيّاً بينهم رماها أرضاً ووضع قدميه عليها، وقال: "أنتم الأفغان لا بد أن ترحلوا، لا اعتبار ولا قيمة لكل تلك الأوراق، الجميع سيخرجون". ويوضح أنه تعرض للضرب المبرح عندما حاول إقناع رجال الشرطة أنه يعيش ويعمل في إيران بطريقة قانونية. وما يحزنه أن صاحب الورشة بدت عليه السعادة ولم يحاول إقناع رجال الشرطة بتركه، ربما لأنه لم يدفع له راتب شهر يونيو بحجة الحرب في إيران. أما عند الحدود فقد رحب به الأهالي والناشطون، وقدّموا له الطعام والمياه، لكنه لم يحصل على خيمة أو مكان إيواء، بل يقيم مع آخرين من ولاية تخار.
وكشفت وزارة شؤون اللاجئين والنازحين في حكومة طالبان أن نحو 40 ألف لاجئ أفغاني يعودون يومياً من إيران، معظمهم يتم ترحيلهم من دون الاستعداد المسبق ومن دون أخذ حاجياتهم، وهم بأمسّ الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. وبحسب الأرقام، فإن عدد العائدين من إيران منذ 6 يونيو، حتى 6 يوليو، تجاوز 500 ألف لاجئ. وأوضحت الوزارة، أن إيواء كل هذا العدد وتوفير ما يحتاجون إليه أمر صعب والحكومة تبذل كل ما في وسعها لمساعدة الأشخاص الذين تم ترحيلهم بالقوة. كما أن فئات مختلفة تساعد الحكومة في مساندة العائدين.
تشرف على الأعمال الإغاثية كل من وزارة شؤون اللاجئين ولجنة مساعدة اللاجئين التي تعمل تحت إشراف نائب رئيس الوزراء المولوي عبد السلام حنفي، لكن العدد كبير، لذلك يبقى كثيرون من دون دعم أو مساعدة. وكان حنفي زار الحدود الأفغانية الإيرانية في ولاية هرات (غرب)، في 28 يونيو، رفقة وفد من المسؤولين لتفقد أعمال الإغاثة. وأكد حينها أن "الحكومة كانت تحاول إقناع إيران بعودة اللاجئين بطريقة مشرّفة، لكن للأسف حصل ما حصل، وصار أمامنا الكثير من العمل، وهو لا يقتصر على توفير الطعام والإيواء المؤقت عند الحدود ومعالجة المرضى، بل لدينا خطط طويلة المدى، بدءاً من إيصالهم إلى مناطقهم ثم مساعدتهم على الاستقرار وإيجاد فرص عمل"، داعياً المجتمع الدولي إلى لعب دوره في مساعدة العائدين.
ورغم الجهود المذكورة، غير أن شريحة من العائدين محرومة من المساعدات، حيث يوضح رئيس مؤسسة إحساس الخيرية عبد الفتاح جواد لـ"العربي الجديد" أن اللاجئين، بينهم نساء وأطفال ومرضى وكبار في السن، "يحتاجون إلى رعاية شديدة، خصوصاً في ظل شح المواد الغذائية، رغم أننا ضاعفنا الكمية ولجأنا إلى توزيع المتوفر من بسكويت وغيرها، ومع ذلك بقي الكثيرون بلا طعام، وهو ما يحزّ في قلوبنا".
ويناشد جواد المواطنين والقادرين على المساعدة إلى مد يد العون للعائدين، فقد تكون لوجبة واحدة فائدة كبيرة؛ كونها ستطعم جائعاً عانى الكثير خلال رحلة الوصول، مؤكداً أن "أعداداً إضافية من العائدين لا تزال في طريقها، حيث سنستقبل نحو مليونَي لاجئ، وهو عدد هائل يستدعي مساعدات طويلة الأمد".
