
أدى مقتل الشابة الجزائرية رحمة عياط (26 سنة) في هانوفر الألمانية، الجمعة الماضي، إلى موجة غضب متصاعدة بين الجالية الجزائرية والعربية وعديد الألمان في البلد، وكذلك على المستويين الشعبي والرسمي في الجزائر. وكانت عياط قد عاشت "صباحا مرعبا"، كما ذكرت بعض الصحف الألمانية، حين هاجمها جارها في شقتها بمبنى سكني في منطقة هيمنغن بهانوفر في ولاية سكوسنيا السفلى، وتلقت منه طعنات قاتلة سرعان ما أودت بحياتها.
وبحسب مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" في ولاية سكسونيا السفلى "كانت رحمة على اتصال بأهلها في الجزائر، واشتكت من أن جارها البالغ من العمر 31 عاما كان يضايقها بطرق الباب، وينعتها بألفاظ بذيئة بسبب حجابها". والشابة، التي حضرت إلى ألمانيا منذ عامين، وتتابع دراسة التمريض، اشتكت مرارا من الجار وعنصريته إلى الشرطة الألمانية، لكن يبدو أن شكواها "لم تؤخذ بصورة جدية"، كما تؤكد المصادر.
🔴مع تنامي الإسلاموفوبيا بأوروبا.. الجزائرية رحمة عياط ضحية جديدة للعنصرية في ألمانيامع تنامي الإسلاموفوبيا بأوروبا.. الجزائرية رحمة عياط ضحية جديدة للعنصرية في ألمانيا pic.twitter.com/A8fomsX5UO
— Ennahar Tv النهار (@ennaharonline) July 11, 2025
وفي ذات السياق يذكر الصحافي الفلسطيني المتابع للقضية فايز. س لـ"العربي الجديد" أن ما يثير في قصة هذه الجريمة هو "مسارعة اليمين واليمين المتشدد إلى تخفيف وطأتها ودوافعها، لاستبعاد أنها جريمة كراهية عنصرية". مؤكداً أن "التغطية الإعلامية، المحسوبة على اليمين المتشدد، مثل بيلد، حاولت جعل القصة وكأنه كان هناك خلاف بين الضحية والقاتل، وهو أمر منفي تماما، بحكم أن الشابة كانت بالفعل دائمة الشكوى من عنصريته، ليس لأهلها فقط بل للشرطة التي حضرت سابقا إلى المبنى، ولكنها لم تفعل الكثير لوقفه عن ترهيبها".
ويذكر البعض أن الشابة الجزائرية، شأنها شأن كثيرين، هي ضحية تصاعد العنصرية الألمانية مع تقدم شعبية اليمين المتطرف في حزب البديل لأجل ألمانيا، وتبني سياسة متشددة من المستشار فريدريش ميرز، وتحريض بعض السياسيين على الجاليات. حيث حملت بعض التصريحات مثلا اتهامات تعميمية بحق نحو 200 ألف فلسطيني في ألمانيا. إذ عبرت وزيرة التعليم كارين برين، من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مقبلة تلفزيونية عن انزعاجها من أن "عدد فلسطينيي برلين 40 ألفا باتوا أكثر من اليهود"، قائلة: "هذا أمر يزعجني، ومن الواضح أنهم تحولوا إلى متطرفين بشدة".
Already a week since Rahma Ayat an Algerian nurse in Germany was stabbed by her Islamophobic neighbor for wearing the hijab, yet mainstream media remains silent because Muslim lives are disposable.
— Sonia. (@soniminds) July 10, 2025
May Allah ﷻ accept her steadfastness and grant her the highest place in Jannah. pic.twitter.com/9QkBLCtr7V
ويصف المتابعون في الجاليات العربية طريقة التعاطي الرسمي الألماني بأنها مستهترة بالجريمة، وساهمت بإثارة غضب عشرات آلاف الجزائريين في ألمانيا، الذين شاركوا في صلاة الجنازة قبل نقل جثمان رحمة لتدفن في مدينتها وهران. كما عبرت الحكومة الجزائرية أيضا عن رفضها لطريقة تعامل سلطات ألمانيا مع الجريمة وخلفية القاتل العنصرية، واستدعت السفير الألماني إلى الخارجية في العاصمة الجزائر، وتوالت ردود الأفعال الجزائرية وسفارتها وقنصلياتها في ألمانيا، للتأكيد على التزام الجزائر بالدفاع عن مصالح الجاليات الجزائرية في أوروبا.
ويؤكد نشطاء عرب في مجال حقوق المهاجرين واللاجئين لـ"العربي الجديد" أن الاستياء بات "حتى من جمعيات نسوية وقعت في فخ التمييع، حين خرجت تتظاهر في هانوفر ضد الجريمة تحت لافتة وقف العنف الأسري ضد النساء". ويؤكد هؤلاء أن في ذلك مزيدا من التمييع الذي مارسته الشرطة والادعاء العام وفشلهما في حماية الشابة بعد شكواها من جارها العنصري مرارا. وهو ما يثير المزيد من السخط والغضب بين من هم من أصول مهاجرة وعديد الشبان الألمان الرافضين للسياسات المتسامحة مع جرائم الكراهية".
وفي هذا الإطار قدم الصحافي فايز مثلا حول إزدواجية التعاطي مع الأحداث بقوله: "قبل فترة اتهم 4 مراهقين من السوريين بالتحرش بفتيات في مسبح، لم تكن ردة فعل السلطات والصحافة سوى تأجيج الرأي العام وتحريضه، ثم التصريح بأن برلين ستتواصل مع سلطات دمشق من أجل ترحيل سوريين، بمعنى أن ردة فعلها حين يتعلق الأمر بشخص غير ألماني تكون بمستويات عالية، وتخوض في تفاصيل وردود أفعال مختلفة تماما عن الحدث الذي تكون ضحيته من أصول مهاجرة". ويشدد فايز على أن الازدواجية واضحة حين يقوم شخص ما بطعن ألمان ونعت الحدث بالإرهاب الإسلامي بينما إذا قام ألماني بفعل إرهابي يجري تمييع الدوافع، وأحيانا وصفه بأنه "يعاني نفسيا".
وشهدت ألمانيا، وتحديدا شتوتغارت قبل أسبوع من مقتل رحمة مطاردة الشرطة الألمانية لشاب جزائري وأطلقت عليه النار من الخلف لترديه قتيلا. وذلك تكرر في مناسبات عدة حيث هاجم ألمان عنصريون نساء محجبات واعتدوا عليهن لفظيا وجسديا. كما شهدت ألمانيا جرائم قتل مختلفة بدوافع كراهية-عنصرية، وأبرزها قتل يميني متطرف للشابة المصرية مروة الشربيني وجنينها طعنا في عام 2009 بمدينة دريسدن، وهو ما أثار أيضا صدمة بين المصريين وانتقادات للسلطات الألمانية وطريقة تعاطيها مع تنامي جرائم العنصرية.
