تداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبرًا عن اختفاء شابة مع ترجيح ذويها تعرّض ابنتهم للاختطاف (حسب قولهم). الحادثة وقعت لشابة دمشقية من سكان منطقة ببيلا في ريف دمشق، مع الإشارة إلى أنّ الشابة خرجت في السادس من يوليو/تموز، متوجّهة نحو جامعتها، حيث تدرس في كلية التربية مع التأكيد أنها لم تعد إلى منزلها حتى الساعة.
وعند مراجعة ذويها للشرطة سمعوا من مصدر رسمي أنّ عدد حالات الفتيات المختفيات أو المُحتمل أن يكنّ مختطفات، أو الغائبات لأسباب غير معلومة، بلغ اثنتا عشرة حالة في دمشق وحدها! إن صح الادّعاء، فإنّ الرقم صادمٌ جداً في مدينة كان الجميع يستبعد أو لا يتخيّل أبدًا تعرّض فتياتها للخطف أو التغييب أو الغياب مجهول السبب في أحسن الأحوال.
يحدث هذا في دمشق، وفي حمص أيضًا، في ظلّ أرقام مُتزايدة لحالات خطف تتكرّر في الساحل السوري، مع فارق بسيط لكنه مهم جدًا، وهو عودة بعض المختطفات، مثل الضحية ليزا، التي عادت بعد يومين من اختطافها، وبعد يوم واحد من مناشدة والدتها للمختطفين مع الإشارة إلى عبارة هزّت الشارع السوري "ليش خطفتولي بنتي، أنا سنية متلكن". تجدر الإشارة إلى أنّ ذوي ليزا قد أكّدوا معرفتهم بالخاطف، بل وتمكنوا من وضع صورة شخصية له، ومن تصوير سيارته تذكيرًا بإقدامه سابقًا على القيام بإطلاق النار على واسطة نقل تقلّ سكانًا مدنيين عزّل.
كما عادت المختطفة هبة بعد أكثر من عشرة أيّام على اختطافها بعد مناشدة مؤلمة جدًا من والدتها. ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الضحيتين قد عادتا بوضع عام مزرٍ جدًا، وقد بان عليهما القهر والألم البليغان، ولم تخرجا بعد اللقطات الأولى بأيّ تصريح رسمي أو شخصي لتبيان وشرح ظروف الاختطاف ودوافعه ومنفذيه.
عودة المُختطفات لم تؤسّس لأيّ تعامل رسمي أمني قضائي حقوقي. بل غالبًا ما يتم تغليف عودتهن بالصمت المطلق ضمن جو تشكيكي يمعن في ظلم المختطفات وذويهن
يبدو واضحاً، أنّ التهاون في متابعة قضايا نساء الساحل سيهدّد كافة السوريات بغضّ النظر عن أماكن وجودهنّ وطوائفهن وسيجعل تعرّضهن للاختطاف، وكأنه محصلة طبيعية لتداخل النوازع الشخصية بالانتقام أو غياب الأمان عمومًا في مرحلة توصف بالانتقالية، حيث يلاقي الفلتان الأمني مبرّرات رسمية وشعبوية، بالإضافة إلى وجود مزاج انتقامي حقيقي لدى البعض، مُتزامنًا مع لهجة تبريرية عند جمهور واسع من الذين سكنتهم نشوة النصر. كما بات التهليل للانتقام لدى البعض، وكأنه جزء طبيعي ومُستحق من العدالة السماوية المُمارسة على الأرض بغضّ النظر عن الأهداف وعن المنفذين. كما يبدو وبما لا يحتمل الشك أنّ عودة المُختطفات لم تؤسّس لأيّ تعامل رسمي أمني قضائي حقوقي. بل غالبًا ما يتم تغليف عودتهن بالصمت المطلق ضمن جو تشكيكي يمعن في ظلم المختطفات وذويهن، مما قد يُجبر البعض منهن على الظهور الإعلامي بقصة تبدو وكأنها من نسج الخيال، مفبركة، وأقلّ ما يمكن وصفها، حتى لو كانت تحمل جزءًا من الحقيقية، بأنها مخالفة تمامًا لشروط إحقاق الحقوق ولضمان انطلاق مسار العدالة المنشودة.
بالأمس وهو موعد انقضاء الفترة الممنوحة للجنة كشف الحقائق، انتظر السوريون والسوريات تقريراً بنتائج التحقيق من اللجنة المذكورة عن مجازر الساحل، لكنّ شيئًا لم يصدر للأسف حتى اللحظة. يبدو هذا الانتظار المشفوع برجاء الاعتراف بكلّ ما جرى وما زال يجري لكن بوتيرة أقل، وبوعد وقفه فورًا ومحاسبة مرتكبيه، ضربًا من التوقّع المُخيّب للآمال والمحسومة نتائجه سلفًا.
ليت الحرائق المُشتعلة بضراوة مدمّرة منذ عشرة أيام في سورية، تتوقف عند الشجر والحجر فقط، ولا تطاول معها أمن السوريين وأمانهم الشخصي والوطني ومستقبل عيشهم المشترك في وطن طالما حلموا به؛ آمنً، حاميًا، كافيًا للاستقرار، واعدًا بمواصلة الحياة بأمان وحرية وكرامة، وهذا ما خرج السوريون والسوريات وناضلوا وماتوا من أجله.
Related News

