تعزيز التعاون الخليجي–الماليزي: شراكة استراتيجية للنهوض الاقتصادي
Arab
23 hours ago
share

سلط إطلاق دول مجلس التعاون الخليجي وماليزيا، بنهاية مايو/أيار الماضي، مفاوضات رسمية لتوقيع اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين، الضوء على دوافع الخطوة الاستراتيجية وانعكاساتها الاقتصادية، خاصة تأثيرها على السوق الخليجية، في ظل اتجاه دول المجلس إلى تنويع مصادر إيراداتها بعيدا عن النفط. 

وتهدف الاتفاقية المزمعة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وتوسيع الشراكة بين ماليزيا ودول الخليج، وجاء الإعلان عن مفاوضاتها خلال توقيع بيان مشترك في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بحضور كبار المسؤولين مثل ولي عهد الكويت، الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، ما عكس الأهمية الكبيرة للمبادرة.

ويعود إطلاق دول المجلس للمفاوضات إلى توجيهات قادة دول المجلس الرامية إلى تعزيز علاقات دول المجلس مع شركائها الدوليين، وترسيخ الشراكة الاقتصادية مع ماليزيا التي تتمتع بعلاقات تاريخية متينة مع دول الخليج، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية. ووفقا لبيانات وزارة الاستثمار الماليزية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين ماليزيا ودول الخليج نحو 22.3 مليار دولار أميركي في عام 2024، مع تنوع الصادرات الماليزية لتشمل المنتجات الكهربائية والإلكترونية والمجوهرات والمنتجات النفطية وزيت النخيل والأغذية المصنعة.

وترى ماليزيا أن دول مجلس التعاون الخليجي من أهم شركائها التجاريين في الشرق الأوسط، وأن الاتفاقية ليست مجرد ترتيب تجاري بل منصة استراتيجية لإعادة ضبط وتعزيز العلاقات الثنائية في ظل التحديات والاضطرابات العالمية الحالية، حسبما أورد تقرير نشرته وكالة الأنباء الماليزية "برناما". ومن المتوقع أن تغطي الاتفاقية المرتقبة مجموعة واسعة من القطاعات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك تجارة السلع والخدمات، والاستثمار، وتيسير حركة الأعمال، وتعزيز التعاون الاقتصادي الأعمق، وأن تتضمن خفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية، بما يسهل التبادل التجاري ويعزز فرص الاستثمار بين الطرفين.

ومن شأن هكذا اتفاقية أن توفر فرصا لتوسيع قاعدة المنتجات والخدمات المتاحة في السوق الخليجية بأسعار تنافسية نتيجة تخفيض الرسوم الجمركية والحواجز التجارية، وأن تعزز تدفق الاستثمارات بين الجانبين، ما يدعم التنمية الاقتصادية ويحفز الابتكار في قطاعات متعددة، فضلا عن الإسهام في تعزيز التعاون التنظيمي وتسهيل حركة الأعمال، بما يعزز من بيئة الأعمال في دول الخليج ويجعلها أكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، بحسب تقرير الوكالة الماليزية. 

اختيار مدروس 

وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين دول الخليج وماليزيا يعد خطوة استراتيجية تفتح آفاقا جديدة أمام التعاون الاقتصادي خارج الإطار التقليدي، ويأتي ضمن سلسلة من المفاوضات التي تجريها دول الخليج مع عدد من الدول الآسيوية، من بينها إندونيسيا وتركيا والصين، بهدف تنويع الشركاء الاقتصاديين، وتقليص الاعتماد على السوق الأميركية.

ويوضح يوسف أن اختيار ماليزيا شريكا محتملا ليس اعتباطيا، رغم أن حجم سكانها لا يزال محدودا نسبيا (حوالي 30 مليون نسمة)، إلا أن الدولة الآسيوية تتمتع بمكانة متقدمة على الصعيد التكنولوجي، وتربطها علاقات اقتصادية قوية مع اليابان وكوريا والصين، كما أنها تلعب دورا محوريا في سلاسل الإمداد الخاصة بالمنتجات الإلكترونية الاستهلاكية.

ويرى يوسف أن الاتفاق مع ماليزيا يمكن أن يكون نواة لبناء شراكات أوسع وأعمق مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، خاصة في ظل تطور قطاع الصيرفة الإسلامية فيها، وهو ما يجعلها نموذجا جيدا يمكن أن تستفيد منه دول الخليج في تعزيز هذا القطاع الحيوي.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن الانفتاح على دول آسيا، وخاصة الدول الإسلامية منها، يمثل فرصة حقيقية لدول الخليج لتنويع مصادر استثماراتها وواردها، خاصة في ظل السياسات الحمائية التي تتبعها الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، والتي أثارت مخاوف كبيرة لدى الشركاء التجاريين حول العالم. 

ويشير يوسف إلى أن الاتفاق من شأنه أن يتيح للدول الخليجية فرصة تصدير بعض المنتجات النفطية وغير النفطية إلى أسواق جديدة، بدلا من التركيز على الولايات المتحدة، كما يسهم في توفير بدائل استيرادية أقل تكلفة، بما يساعد على تقليل الضغوط التضخمية على المستهلك المحلي. ويشدد يوسف على أن هذا النوع من الشراكات لا يخلو من الحسابات السياسية والاقتصادية الدقيقة، خاصة في ما يتعلق بتوازن العلاقات مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين الآخرين، لكنه يرى أن انفتاح الخليج على دول مثل ماليزيا يندرج ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى بناء علاقات متعددة الأبعاد، بعيدا عن الأحادية القطبية.

ويخلص يوسف إلى أن توقيع اتفاقية تجارة حرة مع ماليزيا لا يشكل دعما للتجارة البينية فقط، بل يمثل أيضا خطوة نحو تعزيز مكانة الخليج في الاقتصاد العالمي الجديد، واستثمار إمكاناته المالية في أسواق واعدة، بعيدا عن ضغوط الحماية التجارية والتغيرات السياسية في الغرب.

وفي السياق ذاته، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال الاجتماع الـ15 لوزراء خارجية قمة شرق آسيا المنعقد في كوالالمبور في 11 يوليو/تموز إلى تعزيز التفاهم والثقة بين الأطراف، والحفاظ على السلام والاستقرار، ودفع التنمية والازدهار الإقليمي. وفي الذكرى العشرين لتأسيس القمة، طرح وانغ ثلاثة مقترحات رئيسية: العودة إلى الحوار البناء، وتوسيع التعاون التنموي، والانفتاح على التكامل الإقليمي بقيادة "آسيان"، مع رفض عقلية الحرب الباردة وتشكيل التكتلات المغلقة.

وفي ما يتعلق بقضية تايوان، أكد وانغ أن التوتر في مضيق تايوان يعود إلى تصاعد النزعة الانفصالية والدعم الخارجي لها، مشددًا على أن حماية السيادة ووحدة الأراضي تمثل واجبًا مقدسًا لكل دولة. ودعا المجتمع الدولي إلى التمسك بمبدأ "صين واحدة"، ورفض أي دعم لانفصال تايوان، ودعم جهود الصين لإعادة التوحيد الوطني الكامل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows