
لم يفعل شبان المزرعة الشرقية شمال شرق رام الله كما يؤكد الأهالي هناك، سوى التواجد في أرض بلدتهم استجابة للدعوات إلى عدم تركها للمستوطنين، والدفاع عنها عبر التنزه فيها وخصوصاً يوم الجمعة، حيث يكون معظم الأهالي في إجازتهم الأسبوعية. لكن ما شهده الشبان أمس الجمعة، من هجوم عنيف من المستوطنين، أدى إلى استشهاد شابين، وإصابة العديد منهم، وتحطيم زجاج مركبات، بينها مركبة إسعاف.
وقتل المستوطنون أمس الجمعة، الشهيدين محمد الشلبي بالرصاص والاعتداء بالضرب، وسيف الدين مصلط – حجاز (23 عاماً) بالضرب المبرح. وبحسب التقرير الطبي، فقد تعرض حجاز للضرب في جميع أنحاء جسده، وترك المستوطنون الشابين بين الأشجار لا يعلم عنهما أحد حتى فارقا الحياة، قبل العثور على جثمانيهما لاحقاً. وتنتظر البلدة تشييع جثمانيهما غداً الأحد، بعد وصول والد حجاز من الولايات المتحدة، حيث يحمل هو وابنه الجنسية الأميركية.
داخل منزل عائلة الشلبي استقبلت جمانة الشلبي الوالدة المكلومة أصدقاء ابنها محمد البالغ من العمر 23 عاماً، وقد بقيت كما روت لـ"العربي الجديد"، ست ساعات دون أن تعرف أي معلومة عن ابنها، فقد خرج لصلاة الجمعة، وذهب مع أصدقائه وباقي شبان البلدة إلى منطقة الباطن، وفقدت الاتصال به بعد هجوم المستوطنين العنيف على المنطقة، حيث أغلق هاتفه، وبقيت على نار الانتظار لأية معلومة، بعد أن وصل إليها خبر إصابة صديقه برجله.
المعلومات المتضاربة بين إبلاغ الارتباط أن ابنها معتقل مع جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد ضرب المستوطنين له، وبين نقله إلى المشفى، أدى إلى مزيد من القلق، وبعد أن فتح هاتفه، ولا يردّ على الاتصالات، أدركت أنه في خطر، قائلة كما تروي لعائلتها، إنه قد استشهد أو فقد الوعي.
بعد عدة ساعات، بدأ الأهالي من بلدات سنجل والمزرعة الشرقية وسلواد والبلدات الأخرى رحلة البحث عنه بعد أن تأكد أنه غير معتقل، وليجدوه مرمياً على الأرض وقد أطلق الرصاص عليه في الصدر، واخترقت الرصاصة ظهره، وعليه كدمات تدلل على تعرّضه للضرب.
حتى البحث عنه كان يحتاج إلى تنسيق، كما يقول عمه جمال لـ"العربي الجديد". فبعد أن تأكدت العائلة أنه ليس بالمشفى، وأنه ليس معتقلاً، أرادت البحث عنه، لكنها اضطرت إلى الانتظار حتى حصولها على تنسيق مع سلطات الاحتلال عبر الارتباط. ويقول جمال الشلبي: "إن ابن شقيقه ذهب مع شبان البلدة لحماية أرض المنطقة، رغم أن عائلته لا تملك أراضي في منطقة الباطن، لكن حاله كحال أي فلسطيني يخرج للدفاع عن أرضه، مع باقي شبان البلدة".
الباطن منطقة تقع غربي المزرعة الشرقية ولم تعد في مأمن
والباطن منطقة تقع غربي المزرعة الشرقية، حيث يقول الشلبي إنها لم تعد في مأمن، فمنذ مدة تتعرض للهجمات ومحاولات السيطرة عليها. يفصل منطقة الباطن عن المزرعة الشرقية ما يعرف بشارع 60، وهو الطريق الواصل بين رام الله وشمال الضفة، ويسلكه المستوطنون كذلك، ولذا فإنه أصبح الطريق الوحيد إلى هذه الأراضي بعد إغلاق معظم الطرق من داخل بلدة سنجل، ما ربط المنطقة مباشرةً ببلدة سنجل المجاورة، لكن أهالي المزرعة، كما يؤكد عضو مجلسها البلدي والناطق باسمه، عبد الصمد عبد العزيز، أصروا على إعمارها.
ويوضح عبد العزيز لـ"العربي الجديد" أن "هذه المنطقة تبلغ مساحتها 5600 دونم، وهي تشكل ثلث أراضي المزرعة، وقد أقام عليها المواطنون أكثر من خمسين بيتاً زراعياً، على اعتبار أنها آمنة، فهي مصنفة (أ) و(ب) وفق اتفاق أوسلو، أي تتبع لإدارة السلطة الفلسطينية، ويأخذ المواطنون فيها التراخيص من الهيئة المحلية، وهي بلدية المزرعة الشرقية، وعبّد الأهالي كذلك الطرق على نفقة المجتمع المحلي.
منذ شهرين تقريباً تكثفت الهجمات على المنطقة عبر تخريب البيوت الزراعية وإحراقها، وإقامة بؤر استيطانية داخل البيوت الزراعية أو خارجها، وكذلك على أراضٍ قريبة في سنجل، وبخاصة منطقة التل الأثرية، التي كانت قد تعرضت قبل أسبوعين لهجوم من المستوطنين خلال فعالية شعبية ضد الاستيطان. هجمات تتزامن، كما يقول عبد العزيز، مع هجمات في كل المنطقة الشمالية والشرقية من رام الله، في بلدات كفر مالك التي فقدت أربعة شهداء الشهر الماضي، بينهم ثلاثة خلال هجوم للمستوطنين، وبلدات ترمسعيا وسنجل والمغير.
ويشير المصدر ذاته إلى أنه "لم يبق أمان للمواطنين في كل المنطقة الشرقية، وكل بلدة أقاموا أو يحاولون إقامة بؤرتين استيطانيتين على أراضيها، حاولوا إقامة بؤرة بيننا وبين كفر مالك، وترمسعيا والمغير تعانيان يومياً من الهجمات، وسنجل أُطبق الحصار عليها بسياج عالٍ بينها وبين الشارع الرئيسي، ويحدها الاستيطان من الشمال، وبقيت المنطقة الجنوبية بينها وبين أراضينا، لكنها الآن أصبحت عرضة للهجمات ومطمعاً للاستيطان، وهو ما سيخنق سنجل".
ويعتبر عضو المجلس البلدي للباطن أن "الهدف النهائي مما يسميه الاحتلال الهجرة الطوعية، هو الضغط على الأهالي إلى النهاية حتى يتركوا أراضيهم، وخصوصاً أن كثيراً من أصحاب هذه الأراضي يملكون الجنسية الأميركية، ويعوّل الاحتلال على تركهم البلاد وعدم العودة إلى أراضيهم، لكنه يؤكد حتمية فشل ذلك، منتقداً الولايات المتحدة التي لم تفعل شيئاً تجاه من يحمل جنسيتها، فحجاز ليس الأول من المزرعة الشرقية الذي يحمل الجنسية الأميركية ويستشهد، فالطفل توفيق عجاق (17 عاماً) كان قد استشهد العام الماضي.

Related News

