
تحوّل احتجاج مواطن مغربي في منطقة أولاد يوسف بإقليم بني ملال (وسط البلاد)، كان يطالب بفتح تحقيق في ظروف وفاة والده في ظروف غامضة داخل السجن، إلى مأساة، بعدما أقدم على دفع عنصر من الوقاية المدنية من أعلى خزان مائي كان يعتصم فوقه. وقد نُقل العنصر صباح اليوم السبت في حالة حرجة إلى قسم العناية المركزة.
وعاشت منطقة أولاد يوسف ساعات عصيبة وأجواء من الصدمة والذهول منذ مساء الجمعة، بعدما تظاهر شخص دخل منذ أكثر من أسبوعين في اعتصام على قمة خزان مائي بالإغماء، ما استدعى تدخل عنصرين من الوقاية المدنية، قبل أن يعمد إلى ضرب أحدهما بعصا واحتجازه، ومحاولة دفع الآخر من أعلى السلم.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب مقطع فيديو وثق المشهد المأساوي حين حاول رجال الوقاية المدنية الصعود فوق الخزان المائي من أجل مساعدة الشخص المعتصم، إلا أن هذا الأخير عمد إلى توجيه ضربات بعصا إلى عنصر الوقاية المدنية، واحتجازه لأكثر من ثلاث ساعات وتكبيله، قبل أن يسقطه من فوق الخزان المائي ويُنقَل على وجه السرعة إلى المستشفى في حالة حرجة.
وكان المحتج قد صعد، في 24 يونيو/ حزيران الماضي، إلى قمة خزان مائي، حيث خاض اعتصاماً مفتوحاً لأكثر من أسبوعين في ظروف صعبة، دون ماء أو طعام، وتحت حرارة شمس حارقة، احتجاجاً على ما اعتبره غموضاً رافق وفاة والده الجندي المتقاعد داخل السجن، مطالباً بفتح تحقيق رسمي وشفاف يكشف ملابسات الوفاة التي يراها "غير طبيعية" وتستدعي التحقيق.
وفيما لم تفلح محاولات إقناع المحتج بالنزول عن قمة الخزان المائي، شكلت لحظة محاولة فرقة متخصصة من الدرك الملكي إنهاء الوضع ذروة المأساة، بعد أن أفضى التدخل الأمني إلى سقوطه.
وحسب وسائل إعلام محلية، فقد اتخذت الأمور منحى خطيراً حينما حاول عناصر الفرقة الاقتراب منه للسيطرة عليه، إذ تراجع الرجل بشكل مفاجئ إلى الخلف، ما أدى إلى انزلاق قدمه وسقوطه من أعلى الخزان الشاهق، فيما بلغت المأساة ذروتها حينما تبين أن المحتج كان قد لف حبلاً حول رقبته، قبل أن يتدخل عنصر من الدرك الملكي ويقطع الحبل من الأعلى، ليسقط جسده على الأرض.
وفي وقت خلّف فيه الحادث صدمة واسعة في الرأي العام في المغرب، أثار تعامل السلطات المختصة مع الحادث ردود فعل منتقدة، حيث اعتبر المحامي والناشط صبري الحو، أن "الواقعة أظهرت قصوراً وارتباكاً في عمليات الإنقاذ المعقدة وفي ظروف صعبة بغض النظر عن كل ما رافق الواقعة منذ بداية الاعتصام حتى المحاولة الأولى للإنقاذ من توتر وحزن وألم، التي كادت أن تؤدي إلى وفاة عنصر الوقاية المدنية والتي تحتاج بدورها إلى تحقيق".
وكتب الحو، في تدوينة له على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "عمليات الإنقاذ المعقدة تحتاج إلى جهود وعمليات وتخطيط دقيق، واستخدام لتقنيات متخصصة وملائمة في ظروف صعبة وغير معتادة مثل فوق الشاطو (الخزان المائي). كذلك إن التجمهر الفوضوي يربك ويعوق عمليات الإنقاذ".
من جهته، قال الصحافي نور الدين اليزيد، إن "مثل هذه الأحداث تبرز وتفضح الظروف البدائية التي يعمل في ظلها، ليس فقط عناصر الوقاية المدنية، بل حتى رجال الأمن والدرك وكل عناصر تنفيذ القانون". وتابع، في تدوينة له على صفحته بـ"فيسبوك": "الرؤساء الذين أصدروا الأوامر لعنصر الوقاية المدنية المسكين بالمخاطرة بنفسه بهذه الطريقة الساذجة وعبر سلم الخزان، يجب أن يحاسبوا. المحاسبة يجب أن تمتد إلى النيابة العامة أيضاً وإلى الشرطة أو الدرك بحسب الاختصاص وإلى رجال السلطة، وهي الجهات التي كان عليها أن تعقد على عجل اجتماع أزمة طارئاً ينتهي بالمطالبة بإحضار مروحية إنقاذ تستطيع تمشيط هرم الخزان قبل التدخل".
إلى ذلك، أكد رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية) إدريس السدراوي، الحاجة الملحة لإرساء آليات يقظة واستماع نفسي واجتماعي داخل الجماعات الترابية، قادرة على التدخل الاستباقي وتطويق الأزمات قبل أن تتحول إلى مآسٍ إنسانية.
وقال السدراوي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "كهيئة حقوقية نعلن تضامننا الكامل مع الشاب الضحية، ومع عائلته التي تعيش صدمة مزدوجة بين فقد الأب وتداعيات الحادث، مؤكدين ضرورة مواكبتها نفسياً واجتماعياً. كذلك نطالب بفتح تحقيق جاد ومستقل في ظروف وفاة الأب، بما في ذلك تنفيذ طلب التشريح الطبي الذي عبّر عنه الشاب بوضوح".
وعبّر الناشط الحقوقي عن إدانته لما وصفه بالتقصير الذي أظهرته السلطات المعنية في التعاطي مع مطالب الشاب واستغاثاته، ما ساهم في تأزيم حالته النفسية، معلناً تضامن الرابطة مع عنصر الوقاية المدنية الذي تعرّض للاعتداء، مؤكداً في الوقت ذاته أن هذا الحادث نتيجة فشل منظومة المواكبة الاجتماعية والنفسية، وليس سلوكاً معزولاً.
