
يسود ترقب شديد في الأوساط الاقتصادية الجزائرية، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على منتجات جزائرية مصدرة إلى سوق الولايات المتحدة، ابتداء من الأول من أغسطس/ آب المقبل، والارتدادات المحتملة لهذه التدابير، في ظل مبادلات تجارية بينية تفوق 4.2 مليارات دولار.
القرار الذي أُعلن رسمياً في 9 يوليو/ تموز عبر رسالة وجهها ترامب إلى الرئيس عبد المجيد تبون، وأتاحها لاحقاً موقع وزارة الخارجية الأميركية، أعاد طرح أسئلة جدية حول مستقبل المبادلات التجارية بين البلدين، في ظل توجه واشنطن نحو سياسات تجارية أكثر حمائية. واعتبر ترامب في رسالته أن القرار يأتي بعد "سنوات من العجز التجاري الكبير مع الجزائر"، الذي أرجعه إلى ما سماه "حواجز جمركية وغير جمركية فرضتها الجزائر على المنتجات الأميركية".
وبينما وصف العلاقة بين واشنطن والجزائر بأنها "بعيدة عن مبدأ المعاملة بالمثل"، شدد ترامب على أن الرسوم المقررة هي "أقل مما هو مطلوب لسد العجز"، لكنها تمثل "خطوة أولى نحو تجارة أكثر توازناً وعدالة".
وحتى الآن لم يصدر أي تعقيب رسمي من السلطات الجزائرية على الإجراء الأميركي. وقوبلت القضية بتجاهل إعلامي محلي لافت. في هذا السياق رأى مصطفى بن بادة، هو وزير أسبق للتجارة بالجزائر، أن المبادلات التجارية بين الجزائر والولايات المتحدة لطالما اتسمت بالاستقرار والتواضع خلال العقد الأخير، حيث تراوحت قيمتها بين مليار و1.5 مليار دولار. غير أنها شهدت، حسبه، قفزة نوعية في السنوات القليلة الماضية، لترتفع من 1.2 مليار دولار سنة 2020 إلى نحو 4.2 مليارات دولار في 2023، وفقا لأحدث الإحصائيات المتاحة.
وأوضح بن بادة في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الولايات المتحدة تعد شريكاً تجارياً متوسط الأهمية بالنسبة للجزائر، خاصة خارج الاتحاد الأوروبي الذي يستحوذ على حصة تتراوح بين 40 إلى 45% من مجمل المبادلات التجارية الجزائرية.
وأشار إلى أن من بين الـ4.2 مليارات دولار التي تمثل حجم المبادلات الثنائية، تقدر صادرات الجزائر نحو السوق الأميركية بـ2.5 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 1.7 مليار دولار تقريباً.
تأثيرات رسوم ترامب
ولفت المسؤول الحكومي السابق إلى أن الصادرات الجزائرية نحو الولايات المتحدة تتكون أساساً من منتجات الطاقة، وعلى رأسها الغاز الطبيعي المسال بدرجة أولى، ثم النفط الخام بدرجة أقل، بالإضافة إلى بعض المنتجات الكيميائية المصنعة، والحديد والصلب، وكميات محدودة من المنتجات الزراعية، على غرار التمور، وبعض المواد النهائية الأخرى. في المقابل، تستورد الجزائر من الولايات المتحدة سلعاً متنوعة تشمل الأعلاف والحبوب كالصويا والذرة والزيوت، إلى جانب قطع غيار صناعية، وآلات طاقة وآلات زراعية ومواد طبية وصيدلانية، ما يظهر تنوعاً في طبيعة الواردات الأميركية نحو الجزائر.
ويرى بن بادة أن الرسوم الجمركية التي أعلنت عنها إدارة ترامب بنسبة 30% قد تحمل تداعيات ملموسة، ليس فقط من الناحية الرمزية، بل كذلك من الزاوية السياسية والاعتبارية، على الرغم من أن حجم المبادلات يبقى متوسطاً. وشدد على أن التأثير الحقيقي للقرار الأميركي سيتوقف على طبيعة المنتجات التي ستشملها هذه الرسوم، مستبعداً أن تشمل مواد الطاقة، نظراً لأهميتها الاستراتيجية للصناعات الأميركية. وفي المقابل، لا يستبعد بن بادة، من حيث المبدأ، خيار المعاملة بالمثل، غير أنه يعتقد أن الجزائر لن تلجأ إليه، مرجحاً أن تتجه لتعويض صادراتها إلى الولايات المتحدة عبر أسواق بديلة في أفريقيا وأوروبا وآسيا، دون الدخول في تصعيد تجاري مباشر مع واشنطن.
واعتبر أن الجزائر تمتلك بدائل واقعية لتجاوز هذه الإجراءات، خاصة في ما يخص صادراتها نحو الأسواق الآسيوية والعربية والأفريقية، ما يمنحها هامش مناورة مقبولاً. غير أنه شدد في المقابل على أن البلدين يدركان أهمية علاقتهما الاستراتيجية، سواء في مجال الطاقة، أو في التعاون الأمني والإقليمي، وهو ما يقلل، حسبه، من احتمالات التصعيد أو الانزلاق نحو توتر تجاري واسع النطاق.
وفي تقييمه لأثر هذه الإجراءات على قطاعات محددة، أوضح بن بادة أن صادرات الجزائر من الصلب نحو السوق الأميركية شهدت ارتفاعاً طفيفاً في السنوات الأخيرة، خاصة بعد دخول مركبات صناعية جديدة حيز الإنتاج، مثل مصنع بلارة بشراكة قطرية، بولاية جيجل الساحلية، شرقي البلاد، والشراكة مع توسيالي التركية بوهران (غرب). وأشار إلى أن الجزائر صدرت في 2024 نحو 500 ألف طن من الصلب إلى الولايات المتحدة. غير أن هذه السوق، كما قال، تبقى محمية بشكل كبير، بحكم أن أميركا بلد منتج للصلب، ما يشكل تحدياً حقيقياً أمام تنافسية المنتجات الجزائرية.
وحسب الوزير الأسبق، فإن الإجراءات الأميركية الجديدة ستضعف قدرة الجزائر على تصدير منتجات الصلب، ما سيدفع الشركات الوطنية إلى البحث عن أسواق بديلة في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وأوضح في هذا الصدد أن خيار الانضمام إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) يمكن أن يفتح أمام الجزائر بديلاً استراتيجياً في المدى المتوسط والبعيد، رغم أن الأبعاد الاقتصادية لهذا الانضمام ستكون ثانوية في البداية، مقارنة بالأبعاد السياسية والجيوستراتيجية.
وأشار بن بادة إلى أن سوق "الآسيان"، الذي يضم أكثر من 600 مليون نسمة، يمثل فرصة حقيقية للجزائر، خاصة في مجالات الطاقة والصلب والمنتجات الزراعية، مضيفاً أن الجزائر يمكن أن تتحول إلى قاعدة انطلاق لدول الآسيان نحو السوق الأوروبية، مستفيدة من بنيتها التحتية المتطورة، خصوصاً الموانئ الحديثة والمناطق الصناعية الكبرى. وشدد وزير التجارة الجزائري الأسبق، في ختام حديثه، على أهمية تنويع الشراكات التجارية، لضمان مرونة الاقتصاد الجزائري في مواجهة الضغوط الدولية.
