
في خطوة مفاجئة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حزمة من الرسوم الجمركية تستهدف سبع دول، من بينها ليبيا، تقضي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 30% على صادراتها إلى الولايات المتحدة.
ورغم أن حجم التبادل التجاري بين ليبيا والولايات المتحدة لا يتجاوز 1.5 مليار دولار سنوياً، تُشكّل صادرات النفط 99.9% منه، إلا أن محللين حذروا من أن الخطوة الأميركية قد تُلحق أضراراً غير مباشرة بالاقتصاد الليبي، وتُفاقم من هشاشته في ظل الانقسام السياسي والتردي الأمني المستمر.
وبينما تؤكد مصادر مسؤولة من حكومة الوحدة الوطنية لـ "العربي الجديد" أنّ قطاع النفط لا يزال مستثنى من هذه الرسوم حتى الآن، فإنّ الوضع يتطلب، بحسب الخبراء، تحركاً عاجلاً لوضع سياسات تصدير بديلة، وتنشيط الإنتاج الصناعي المحلي، وتعزيز القدرة على التفاوض التجاري في المحافل الدولية.
انعكاسات رسوم ترامب
يرى المحلل الاقتصادي محمد الشيباني أن القرار الأميركي "يأتي في سياق سياسي أكثر منه اقتصادي"، مشيراً إلى أن "صادرات ليبيا إلى الولايات المتحدة محدودة، وتكاد تقتصر على النفط، والذي غالباً ما يُستثنى من هكذا رسوم".
ويضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "مثل هذه الإجراءات ترسل إشارات سلبية لبيئة الاستثمار، وتؤكد هشاشة العلاقات التجارية الليبية مع الخارج. ليبيا قد تكون من أقل الدول تأثراً تجاريًا بشكل مباشر، لكنها من أكثرها هشاشة اقتصادياً، وبالتالي فإن أي هزة، حتى وإن كانت رمزية، قد تؤثر على قدرتها على جذب الاستثمارات أو التفاوض مع الشركاء الدوليين".
من جانبه، يعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية، عادل المقرحي، أن الرسوم "قد تبدو صادمة في ظاهرها، لكنها تظل ذات أثر رمزي طالما أنها لا تشمل النفط. وحذر من أن ليبيا لا تملك بدائل تجارية واضحة للأسواق الأميركية، كما تفتقر إلى بنية تصديرية مرنة تمكنها من التكيف مع تغيرات كهذه بسرعة. الأسوأ من ذلك، أنه في حال استخدمت واشنطن هذه الرسوم ورقةَ ضغط في المستقبل، خصوصاً في حال تعثرت العلاقة مع شركات أميركية عاملة في قطاع النفط، فقد نشهد تصعيداً اقتصادياً يعيد خلط أوراق العلاقة بين البلدين.
كما ينبّه المقرحي إلى أن الاقتصاد الليبي لا يزال ريعياً ومعتمداً بشكل شبه كلي على النفط، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أنّ أي خلل في العلاقة مع مستورد كبير، حتى لو كان أثره محدوداً، قد ينعكس على السوق المحلية ويثير قلقاً حول سعر صرف الدينار أمام الدولار.
ويقول المحلل المالي صبري ضوء لـ"العربي الجديد" إنّ ليبيا ربما لا تخسر رقماً كبيراً من العملة الصعبة مباشرة، لكنها تخسر على صعيد الثقة والشراكة طويلة الأجل. حين تتعامل أميركا مع ليبيا باعتبارها دولة تُعاقب تجارياً، فإنّ ذلك ينعكس على تصورات باقي الأسواق والمؤسسات الدولية. ويضيف: "إذا توسعت الإجراءات لاحقاً لتشمل شركات خدمات نفطية أو أدوات تحويل مالي، فإنّ أثرها سيكون عميقاً، وقد يهدد قدرة المؤسسة الوطنية للنفط على الاستقرار والإنتاج".
وحول ارتدادات رسوم ترامب على الأسواق الليبية، يقول عبد الرحمن عريبي، وهو صاحب شركة لتوريد المعدات الطبية، لـ"العربي الجديد" إن جزءاً كبيراً من الأجهزة المستخدمة في المستشفيات والجامعات يعود مصدره إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّ أي زيادة في كلفة اقتناء هذه الأجهزة أو صيانتها قد تنعكس سلبًا على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، أو تُحمّل المواطن أعباءً مالية إضافية.
ويضيف أن "بعض السلع الأميركية المتخصصة، مثل المعدات الطبية أو مكونات نظم الطاقة، لا تتوفر لها بدائل بسهولة في السوق الدولية"، محذراً من أن فرض رسوم إضافية على هذه السلع قد يؤدي إلى انخفاض حجم الاستيراد نتيجة ارتفاع الكلفة، ما يتسبب في نقص حاد داخل السوق.
من جانبه، يشير المحلل الاقتصادي طارق الصرماني إلى أن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية لا يقتصر فقط على السلع الاستهلاكية، بل يمتد إلى قطاعات حيوية تمس البنية الاقتصادية للبلاد، موضحاً لـ "العربي الجديد" أن "قطع غيار السيارات والشاحنات، على سبيل المثال، تُستهلك بكثافة في السوق الموازي وورش الصيانة، وأي زيادة في أسعارها تشكل عبئًا إضافيًا على المواطن والمرافق العامة".
وفي قطاع الخدمات المالية، يؤكد الصرماني أن البنوك وشركات الاتصالات تعتمد على البرمجيات وأنظمة الحماية الأميركية "لحماية البيانات وضمان استقرار البنية التحتية الرقمية"، لافتًا إلى أن تعثر استيراد هذه الأنظمة قد يضعف مناعة القطاع أمام الهجمات السيبرانية أو الأعطال التقنية. كما يحذر من تأثيرات مماثلة في قطاع الطاقة، حيث تعتمد العديد من الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا على معدات استخراج النفط وخدمات الدعم الفني ذات المنشأ الأميركي أو التي تحتوي على مكونات أميركية.

Related News

