
تواجه الصين نقصاً حاداً في العاملين بمجال الرعاية الصحية والاجتماعية، يتزامن مع سرعة تقدم ملايين السكان في العمر
يضطر الصيني وانغ وو، إلى ممارسة عمل إضافي بدوام جزئي، كي يتمكن من لإنفاق على زوجته وطفله في ظل تكاليف المعيشة المرتفعة في المدينة. في كل يوم يذهب إلى منزل امرأة مسنة تعيش وحيدة لقراءة القصص والروايات من أجل تسليتها، وحين زارته والدته قادمة من منطقة بعيدة، لم يجد الوقت الكافي للبقاء معها، إذ كان يعود متأخراً، فيخلد للنوم من أجل أن يصحو باكراً للذهاب إلى عمله.
في إحدى المرات، وحين كان وانغ يقرأ قصة للمرأة المسنة، تفاجأ بدخول رجل، تحدث لدقائق معها، وأعطاها مبلغاً من المال ثم عاد أدراجه، وعندما سألها عنه، أصيب بصدمة حين عرف أنه ابنها الوحيد الذي يعمل مديراً لشركة كبيرة، والذي يعيش في المدينة نفسها. عندئذ أدرك أن أمه ليست المرأة الأتعس في العالم لأن ابنها لا يجد وقتاً للتحدث معها.
تعكس قصة وانغ نموذجاً لأزمة الرعاية الاجتماعية التي تتوارثها الأجيال في الصين، وهي بطبيعة الحال أحد تداعيات سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها البلاد في أواخر سبعينيات القرن الماضي، واستمرت لنحو أربعة عقود. فمن جهة، أخفق نظام الرعاية الاجتماعية في دعم كبار السن الذين يتزايدون بسرعة ملحوظة، خاصة في الريف جراء الهجرة إلى المناطق الحضرية، ومن ناحية أخرى تسببت تلك السياسة في تآكل الرعاية الأسرية التقليدية، نظراً لانشغال الأبناء بأعمالهم بعيداً عن عائلاتهم.
ويرى البعض أن الآباء يدفعون ثمن تقصيرهم في رعاية أبنائهم قبل عقود، عقب الانفتاح الاقتصادي، حين أوكلوا هذه المهمة إلى الأجداد أو كبار السن، وبالتالي فإن الأجيال الجديدة لا تشعر بأي عاطفة تجاه الآباء، وتفضل التركيز في الأشغال، لجمع المزيد من المال اللازم لمجاراة متطلبات الحياة العصرية.
تقول الاجتماعية الباحثة، تشون يو، لـ"العربي الجديد": "أزمة الرعاية الخاصة بالمسنين في الصين مرتبطة بشكل مباشر بمدى استعداد الأبناء لخدمة آبائهم، سواء نفسياً أو اقتصادياً. الكثير من الشباب لديهم القدرة المالية على إعالة أسرهم، وحتى جلبهم إلى المدن حيث يعملون، لكن المشكلة تكمن بافتقادهم إلى الروابط الأسرية بسبب تراكمات عاطفية لها علاقة بالآثار الجانبية لسياسة الطفل الواحد. في المقابل، هناك شبان يشعرون بالامتنان لآبائهم، لكن ليس لديهم القدرة على توفير رعاية، أو حوالات مالية تساعدهم على مواجهة تحديات الحياة". وتضيف: "الغالبية العظمى من الشباب يشعرون بأنهم تعرّضوا للظلم في سنوات الطفولة، بسبب انشغال الآباء، ولم ينالوا قسطاً كافياً من الرعاية حين كانوا في أمس الحاجة إليها، لذا نجد البعض ناقمين على الوالدين، وفي حال تمكن من توفير القليل من الموارد المالية لهم، يشعر بأنه يمنّ عليهم، لأنه لا يدين لهم بشيء، ولا تربطه بهم سوى صلة الدم. هناك مسؤولية على عاتق مؤسسات المجتمع المدني في توعية الشباب، وحثهم على عدم التعامل مع آبائهم بصورة ندّية، وبث روح التعاون والرأفة والرحمة، باعتبارها أساس التعاضد في مجتمع ينحدر نحو شيخوخة قاتلة".
وبداية من عام 2023، تجاوز عدد سكان الصين الذين تفوق أعمارهم الـ60 سنة رقم 295 مليوناً، من بينهم نحو 44 مليوناً يعانون من أشكال مختلفة من الإعاقات، ويحتاجون إلى رعاية خاصة.
ويقول أستاذ الدراسات الديمغرافية في معهد تشانغ، لونغ يو، لـ"العربي الجديد"، إن "أزمة الرعاية في الصين تتصل بشكل وثيق بالهجرة الداخلية من الريف إلى المناطق الحضرية، بحثاً عن فرص العمل، حيث يخلّف الآباء العمال وراءهم ملايين الأطفال من دون رعاية، ويوكلون هذه المهمة إلى الأجداد الذين يحتاجون بالأصل إلى رعاية خاصة، وحين تمر السنوات ويكبر الأبناء تتبدل الأدوار، وتتكرر هذه الدورة بصورة معاكسة، وهكذا يدفع الجميع ثمن خطيئة تسببت بها النهضة الصناعية التي أهملت الريف، ولم تتعامل معه على قدم المساواة، فأصبح شاحباً لا يقطنه سوى كبار السن الذين يموتون في صمت، بعيداً عن صخب المدينة، وضجيج الأحفاد، ودفء الأجواء الأسرية".
ووفقاً للمعايير الوطنية، يجب أن يكون هناك عامل واحد لكل أربعة مقيمين داخل مرافق رعاية المسنين، لكن الأرقام القائمة في الصين لا تتجاوز 320 ألف عامل رعاية يخدمون نحو 8.1 ملايين مقيم في دور الرعاية في مختلف أنحاء البلاد، ما يمثل عجزاً يزيد عن 1.7 مليون.
ويتوقع الخبراء أن يرتفع عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة في الصين من 280 مليوناً إلى 402 مليون بحلول عام 2040، في حين يواجه نظام الرعاية الاجتماعية مشاكل عدة، ومن المرجح أن تزداد الأمور سوءاً ما لم يجر اتخاذ إجراءات سريعة لإنهاء الأزمة.

Related News
