موفدون سوريون... المئات عالقون في المنفى القسري
Arab
1 day ago
share

ربّما تكون القرارات المتعلقة بتسوية أوضاع الطلاب السوريين في الخارج، بداية لحلول أكثر عدلاً يطالبون بها، ومن دون إجراءات عقابية، إذ يجدون أنفسهم في حالياً عالقين في "منفى قسري".

في ظلّ القرارات الأخيرة المتعلّقة بتسوية أوضاع الطلاب السوريين الموفدين إلى الخارج الذين تعذرت عودتهم إلى البلاد بسبب ملاحقات مالية أو قانونية خلال فترة النظام السابق، والتي تشمل إعفاء العائدين من الأعباء المالية خلال عام دراسي واحد، وإلغاء الكفالات والرهن العقاري المرتبطة بالكفلاء عند عودتهم إلى عملهم، لا يزال آلاف الأكاديميين والخبراء السوريين عالقين في ما يصفونه بـ"المنفى القسري"، محرومين من العودة إلى وطنهم بفعل منظومة قانونية وأمنية يعتبرونها "ظالمة وعقابية".
والموفد هو الطالب أو المعيد الذي ترشحه وزارة التعليم العالي السورية أو إحدى الجامعات الحكومية لمتابعة دراسته العليا في الخارج على نفقة الدولة، ويحصل على راتب شهري، وتُغطى نفقاته الدراسية والمعيشية في مقابل التزام قانوني بالعودة للعمل لدى الجهة التي أوفد لحسابها لمدة تعادل ضعفي مدة الدراسة.
وتبدأ آلية الإيفاد بالترشيح، ثم يُعرض الملف على لجنة البعثات العلمية التي تحدد الدولة والاختصاص والجامعة، وبعد صدور قرار الإيفاد، يُطلب منه تقديم كفالة مالية ضخمة، غالباً ما تكون عقارية، يوقعها أحد أفراد أسرته لضمان عودته. وتشمل الدول التي يُوفد إليها السوريون تقليدياً: ألمانيا، وفرنسا، وروسيا، وإيران، والصين، وماليزيا.
يروي الأكاديمي عادل الهاني، وهو أحد الموفدين السابقين، قصته التي تختصر معاناة جيل كامل من الكفاءات السورية، قائلاً لـ "العربي الجديد": "عدت إلى سورية في بداية الثورة بدافع شخصي كي أكون قريباً من أهلي، وباشرت عملي في جامعة دمشق، لكنني تعرضت لضغوط وتهديدات بسبب آرائي السياسية، ما أجبرني على المغادرة مجدداً، لكن مغادرتي الثانية لم تكن نهاية المتاعب، بل بدايتها. فوجئت بأنني أُدرجت على قوائم المطلوبين، وجُمّدت ممتلكاتي، وطُلب مني تسديد ضعف المبلغ الذي أنفقته الدولة عليّ، والذي يتجاوز 200 ألف دولار. حتى لو بعت بيتي في الخارج، لن أستطيع تسديده".
حصلت المهندسة بتول الصادق، على الدكتوراه من جامعة في الصين، وتقول لـ "العربي الجديد"، إن الدولة السورية حجزت على منزل والدها لأنه كفلها عند سفرها. مضيفة: "أعيش مع زوجي وطفلي، ولا أستطيع العودة لأتقاضى راتباً لا يكفي بدل إيجار غرفة. العودة ليست خياراً، بل مخاطرة".
أما علاء العودة، الذي أنهى دراسة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة فرنسية، فيرى أن "المشكلة ليست فقط في الرواتب أو الظروف المعيشية، بل في غياب العدالة. من وقف مع الثورة حُرم من حقوقه، ومن دعم النظام السابق عاد إلى الجامعات من دون مساءلة. نحن نُحاسب على مواقفنا، لا على علمنا".

وفي رسالة مفتوحة إلى وزارة التعليم العالي، طالب عدد من الموفدين بتسوية شاملة لأوضاعهم، تشمل إسقاط الدعاوى الجزائية، وإلغاء المطالبات المالية التي يعتبرونها "غير منطقية"، ورفع أسمائهم من القوائم الأمنية.
ويؤكد أحد الموفدين العاملين مع فريق حقوقي أن هناك توجهاً لبحث إمكانية رفع دعاوى فردية أمام القضاء، بعد صدور التعليمات التنفيذية للمرسوم الأخير، لتحديد الأساس القانوني للطعن في العقوبات المفروضة. ويضيف: "لا توجد دعوى جماعية، لكننا ندرس جدوى المسار القضائي لكل حالة على حدة".
ما يزيد من تعقيد الملف هو التفاوت الكبير في المبالغ المالية المفروضة على الموفدين. فبحسب شهادات، تختلف الغرامات من حالة إلى أخرى، ولا تقل عن 10 آلاف دولار، وقد تتجاوز 50 ألفاً في حالات أخرى، خاصة أن العقوبة كانت تُحسب سابقاً بمضاعفة النفقات. ويطالب الموفدون بإلغاء منع السفر عن الكفلاء، والسماح بأن يكون الكفيل هو راتب الموفد الوظيفي، كما هو معمول به في دول الجوار. كما يقترحون إنهاء الكفالة بمجرد عودة الموفد ووضع نفسه تحت تصرف الجهة الموفدة، في مقابل إيداع مبلغ في المصرف المركزي يُسترد بعد انتهاء فترة الالتزام. وفي حال وفاة الكفيل، يطالبون بإعفاء الورثة من أي التزامات مالية، واقتصار المطالبة على الموفد نفسه.
إلى ذلك، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي، مروان الحلبي، على هامش جلسة حوارية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، إن عدد الطلاب السوريين الموفدين إلى الخارج يبلغ نحو 4000 موفد، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة منهم لا تزال خارج البلاد، رغم انتهاء دراستهم.

وأكد الحلبي أن "الوزارة تنظر بجدية إلى إسقاط الدعاوى الجزائية بحق الموفدين، والعمل على إعادتهم إلى الوطن، ليس فقط كحق فردي لهم، بل لكونه ضرورة وطنية للمساهمة في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحديداً الجامعات التي تعاني من نقص حاد في الكوادر التدريسية".
ويوضح: "الهدف الأساسي من المرسوم رقم 97 لعام 2025، هو استقطاب الكفاءات والخبرات العلمية السورية الموجودة في الخارج، وتوفير بيئة قانونية وتشريعية مرنة تتيح لهم العودة والانخراط في المؤسسات التعليمية الوطنية". لكنه يحذّر من أن "اللجوء إلى تسوية مالية فقط، من دون تسوية إدارية وربط العودة بالعمل في الجامعات الحكومية، قد يدفع بعض الموفدين إلى تسديد المبالغ المترتبة عليهم دون العودة، أو الالتحاق بجامعات خاصة، ما يعوق تحقيق الهدف المرجو من المرسوم".
ويشير الحلبي إلى أن الوزارة تتخذ قراراتها "تدريجياً وفق مراحل مدروسة، بهدف تحقيق أقصى استفادة ممكنة من عودة الموفدين، مع التأكيد على ضرورة تطوير قواعد البيانات الوطنية الخاصة بالإيفاد، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم والعمل. لا نغلق الباب أمام أحد، بل نفتح المجال أمام كل من يرغب بالعودة، ونعمل على إيجاد حلول متوازنة تحفظ حقوق الدولة وتراعي ظروف الموفدين في آنٍ معاً".
وفي سياق متصل، يقول مصدر مسؤول في وزارة التعليم العالي، لـ "العربي الجديد"، إن المرسوم الصادر في 26 يونيو/ حزيران الماضي، يمثل "خطوة أولى نحو تسوية أوضاع الموفدين السوريين في الخارج"، لكنه يقرّ بأنه "لا يشمل جميع الحالات المعقدة التي نشأت خلال سنوات الحرب". 
ويوضح المصدر أن المرسوم منح مهلة سنة للموفدين الذين حصلوا على مؤهلاتهم العلمية بعد 15 مارس/آذار 2011، لكنه اقتصر على فئات محددة، مثل من تأخروا في الحصول على المؤهل، أو غيّروا الجامعة أو الاختصاص، أو لم يضعوا أنفسهم تحت التصرف ضمن المدد القانونية. يضيف: "ندرك أن هناك حالات أخرى لم يشملها المرسوم، مثل من فُصلوا تعسفياً، أو من عادوا لفترة ثم غادروا مجدداً، أو من حالت ظروفهم دون العودة رغم حصولهم على المؤهل. يعمل المجلس الأعلى للتعليم العالي حالياً على صيغة مؤقتة، وسيناقش تفاصيل التعليمات التنفيذية لتوسيع نطاق التسوية مع مطلع العام الدراسي الجديد، والنية قائمة لتقديم حلول مرنة وعادلة لكل من يرغب بالعودة أو تسوية وضعه".

وحول الإجراءات المالية، يوضح المصدر أن الدولة تتحمل تكاليف كبيرة في تمويل الإيفاد، ويتراوح راتب الموفد ما بين 510 و906 دولارات شهرياً، وفي حال عدم العودة، يُطالب الموفد وكفيله بتسديد النفقات أو ضعفها، بحسب الحالة، وإذا لم يتم التسديد، تُحال القضية إلى وزارة المالية لتحصيل المبالغ وفق قانون جباية الأموال العامة، بما في ذلك الحجز على الممتلكات وبيعها في المزاد العلني.
ويوضح أن "الإعفاء الكامل من النفقات مشروط بالعودة الفعلية إلى سورية والعمل في مؤسسات الدولة، وسيكون هناك تسهيل لعملية التسوية المالية، لكن في حال عاد الموفد لفترة قصيرة ثم غادر مجدداً إلى بلد الإقامة، فسيُعتبر مخالفاً ويُطالب بالغرامات المالية وفق القانون".
كما يشير إلى أن المبالغ المالية التي تُفرض على الموفدين تختلف من حالة إلى أخرى، بحسب مدة الإيفاد، والبلد، ونوع الدراسة، والجهة الموفد لحسابها. يضيف: "بعض الحالات لا تتجاوز 10 آلاف دولار، بينما تتجاوز حالات أخرى 100 ألف دولار، خاصة أن الغرامة كانت تُحسب سابقاً بمضاعفة النفقات". ويختم المصدر حديثه قائلاً: "نحن حريصون على استعادة الكفاءات العلمية، وندرك أن بعض الإجراءات السابقة كانت قاسية. المرحلة القادمة ستشهد مراجعة شاملة لملف الإيفاد، بما يضمن العدالة للدولة والموفدين معاً".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows