
لا يمكن وضع المعلمين العرب جميعاً في سلة واحدة، والقول إنهم يتساوون في الحقوق والواجبات والظروف العلمية والاجتماعية. فهناك مدارس تمنح معلميها حقوقاً كاملة، وهي موجودة في معظم الدول العربية وإن كانت أعدادها محدودة مقارنة مع عشرات ألوف المدارس التي تقلص دوماً حقوق هيئاتها التعليمية لضمان الحصول على أكبر قدر من الأرباح.
يجري هذا في بلاد ظروفها معروفة، وتفتقد فيها جموع المعلمين القدرة على تنظيم نفسها في نقابات واتحادات للدفاع عن الحقوق وتحسين الظروف المعيشية والاجتماعية والتعليمية، إذ ليس صحيحاً أن دور النقابات هو المطالبة بالحقوق المادية فقط، بل هي تستطيع أن تنظم مؤتمرات ودورات وندوات علمية للعاملين، بما ينعكس على أدائهم العلمي والتعليمي.
المعضلة الكبرى التي يعانيها المعلمون لا تتأتى من معدلات الاستغلال العالية، والتي تترجم بساعات طويلة من التعليم بما يستنزف المعلم بين تدريس صفي وإعداد مسابقات وتصحيحها وغيرها. فالحقيقة أن ما يعانيه المعلمون من ظلم مرده الواقع السياسي الذي يدمرهم كما يدمر العملية التعليمية برمتها. وهو ما ينطبق على المعلمين الفلسطينيين تحت الاحتلال الصهيوني وفي قطاع غزة. فَقَدَ المئات من المعلمين أرواحهم تحت أنقاض بيوتهم أو المدارس التي لجؤوا إليها (مدارس وكالة أونروا وسواها)، وبالتأكيد عشرات الألوف من التلامذة. أكثر من ذلك، عانى الكثيرون إصاباتٍ وعاهاتٍ دائمةً وباتوا في حاجة إلى أطراف اصطناعية، أو مكملات لتأمين الحد المقبول من مهام أعضائهم التي أعطبتها نار جيش الاحتلال.
كما دمرت مئات مباني المدارس والمؤسسات التعليمية بما فيها من صفوف وأجهزة كومبيوتر وطاولات ومكتبات وقاعات وملاعب، وباتت مجرد أكوام من الركام... باعتبارها مؤسسات عمل تجمع المعلمين بتلامذتهم.
إذا ما انتقلنا إلى دول مثل سورية والعراق وليبيا والسودان ولبنان، نجد ملايين المهجرين من أماكن إقاماتهم في المدن والأرياف، وبينهم بطبيعة الحال عشرات الألوف ممن فقدوا مساكنهم ومدارسهم ورواتبهم، وباتوا يستجدون للحصول على مقومات العيش. وحتى في الدول التي شهدت نوعاً من الاستقرار، لا نجد سياسة تقوم على استيعابهم واحتضانهم وإعادة تأهيلهم علمياً وتعليمياً ونفسياً، ما يعني أنه في تلك الدول، ما زال الاهتمام بالحجر أكثر منه للبشر.
وعليه، تصبح مهمة إعادة إعمار القطاع أصعب من مجرد بناء مدرسة أو ترميمها وتأمين التجهيزات الضرورية لها. وبالنظر إلى حجم ما يجب القيام به وكلفته المادية والبشرية المرتفعة، يمكن القول إن عملاً على هذا النحو من الاتساع لا يمكن النهوض به، إلا من خلال مشروع يؤمن توفير المقومات المادية والمجتمعية اللازمة. والمعضلة أن دولة منفردة لا تستطيع تحقيق هذه النقلة.
(باحث وأكاديمي)

Related News


