
قدمت الخطة المصرية تقديرات تفصيلية عن حجم الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي في غزّة، والآليات التي يمكن اعتمادها في إعادة إعمار غزّة، وجمعت الورقة المؤلفة من 112 صفحة إحصائيات دولية حول التداعيات الإنسانية والاقتصادية للحرب وفقاً لأرقام البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وبينت الورقة التي اطّلع عليها "العربي الجديد" أنّه بحلول يناير/ كانون الثاني 2025، فَقَد حوالى 47 ألف فلسطيني حياتهم، بما في ذلك ما لا يقل عن 13 ألف طفل و7,200 امرأة، وما لا يقل عن 110 آلاف جريح، فضلاً عن 1.9 مليون نزحوا داخلياً، ومنهم عائلات نزحت أكثر من مرة. وأكثر من مليوني فلسطينيّ ومعظم سكان غزّة اقتلعوا من أراضيهم ويواجهون حالياً نقصاً في الاحتياجات كافّة، ما خلف خسائر واحتياجات غير مسبوقة من مجاعة وسوء تغذية وانتشار الأمراض، فضلاً عن الذخائر غير المنفجرة.
القطاعات الأكثر تضرراً
وتقدَّر الورقة إجمالي الخسائر المادية في قطاع غزّة بحوالى 29.9 مليار دولار، والخسائر الاقتصادية والاجتماعية بقرابة 19.1 مليار دولار، فيما يُقدَّر إجمالي الخسائر والاحتياجات بـ 53.2 مليار دولار.
وأكثر القطاعات التي تعرضت للدمار والخسارة، جاءت على النحو التالي: قطاع الإسكان بالكامل 16.3 مليار دولار، التجارة والصناعة 8.1 مليارات دولار، قطاع الصحة 7.6 مليارات دولار، التعليم 4.1 مليارات دولار، والمواصلات بحوالى 2.9 مليار دولار، الحماية الاجتماعية 1.4 مليار دولار، والزراعة 1.3 مليار دولار.
ووصلت معدلات الفقر في القطاع إلى نسبة غير مسبوقة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة، إذ تشير التقديرات إلى أن أربعةً من كل خمسة أشخاص لا يعملون الآن في القطاع.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 95% من المنشآت ذات الصلة بقطاع التعليم دمّرت على نحو شبه كامل، والمتبقي منها يُستخدم ملاجئ إيواء حالياً، مع تعرض 658 ألف طالب في المرحلة الابتدائية و87 ألف طالب في المرحلة الثانوية لمخاطر العمليات العسكرية والقصف الجوي.
على صعيد الوضع الصحي، فإن أكثر من 350 ألفاً من المصابين بأمراض مزمنة لا يحصلون على علاجهم سواء الأدوية المختلفة أو الوصول إلى المستشفيات، فضلاً عن تدهور الحالة الصحية في القطاع عموماً نتيجة تدمير المستشفيات وتفشي الأوبئة، إذ جرى تسجيل إصابة ما يزيد عن 1.8 مليون شخص بأمراض معدية مختلفة، فضلاً عن الصدمات النفسية لجميع سكان القطاع تقريباً بسبب القصف المستمر، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون طفل في غزّة يحتاجون إلى علاج نفسي، كما يوجد أكثر من 17 ألف طفل من المشردين والمنفصلين عن عائلاتهم.
ولفتت الورقة إلى أن معظم سكان غزّة تقريباً يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يعرِّض النساء والحوامل والأطفال خصوصاً للخطر.
تفاصيل الأضرار وإعادة إعمار غزّة
وأدى العدوان على غزّة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى استشهاد 47 ألف شخص، بينهم 13,000 طفل و7,200 امرأة، بالإضافة إلى 111,000 إصابة حتى يناير 2025، وأكثر من مليوني شخص (تقريباً جميع سكان غزّة) نزحوا ويواجهون نقصاً حاداً في الاحتياجات الأساسية.
وبلغ إجمالي الأضرار المادية في غزّة، 29,9 مليار دولار، والخسائر الاقتصادية والاجتماعية 19,1 مليار دولار، أما احتياجات التعافي المبكر (6 أشهر)، فقدّرت بثلاثة مليارات دولار، فيما بلغ إجمالي تقديرات الاحتياجات للتعافي وإعادة الإعمار 53 مليار دولار.
وسجل قطاع الإسكان أضراراً بقيمة 15,8 مليار دولار و545 مليون دولار خسائر، إذ إنّ إجمالي المباني السكنية المتضررة بلغ 330 ألف مبنى، بواقع 272 ألف وحدة سكنية مُدمرة كلياً، و58,5 ألف وحدة سكنية متضررة جزئياً.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أن ما يُقدَر بـ1190 كيلومتراً من شوارع غزّة تعرضت للتدمير، وأن ما مقداره 415 كيلومتراً منها أصيب بأضرار شديدة، فضلًا عن 1440 كيلومتراً أصيبت بأضرار بالغة، فيما سجل قطاع الصحة أضراراً بقيمة 1,3 مليار دولار، وخسائر بمحو 6,3 مليارات دولار، إذ أصبحت نصف مستشفيات القطاع خارج الخدمة بالكامل، بينما تعمل المستشفيات المتبقية جزئياً وبما لا يكفي لتلبية الاحتياجات الفلسطينية.
وتعرض قطاع التعليم إلى أضرار بقيمة 874 مليون دولار، وخسائر بقيمة 3,2 مليارات دولار، إذ دُمرت 88% من المدارس في القطاع، وما تبقى منها تحول إلى ملاجىء مؤقتة للعائلات الفارة من ويلات الحرب، كما دمّرت 51 بناية جامعية.
أما التجارة والصناعة، فجرى تقدير أضرارها بـ 5,9 مليارات دولار وخسائرها بـ 2,2 مليار دولار، وسجّل قطاع النقل أضراراً بـ 2,5 مليار دولار، وخسائر بـ 377 مليون دولار، أما قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة فتكبد أضراراً بـ 1,5 مليار دولار، وخسائر بحوالى 64 مليون دولار، فيما وصلت خسائر قطاع الكهرباء إلى 450 مليون دولار.
تنفيذ خطة إعادة الإعمار
وفق الخطة المصرية، تتمثل الشروط الأساسية للتعافي في الأمن والوصول الإنساني، واستعادة الخدمات الأساسية، وإدخال مواد البناء والعمالة الماهرة، والحوكمة والتمويل الدولي.
وفي تنفيذ الخطة يأتي في البداية الإسكان المؤقت، إذ سيتم توفير سكن مؤقت للنازحين في غزّة خلال عملية إعادة الإعمار، من خلال إسكان الفلسطينيين في وحدات سكنية مؤقتة (حاويات) تستوعب متوسط ستة أفراد، وتستمر مرحلة التعافي المبكر لمدة ستة شهور، بتكلفة قدرها ثلاثة مليارات دولار، يجري خلالها البدء في عمليات إزالة الركام من المحور المركزي (محور صلاح الدين) وباقي مناطق القطاع لمناطق التجميع باتجاه الساحل، وكذلك تهيئة هذا المحور بوصفه محورَ ربط لأعمال إعادة الإعمار.
أما عملية إعادة الإعمار فهي على مرحلتين: المرحلة الأولى؛ وتستمر لمدة سنتَين بتكلفة قدرها 20 مليار دولار، ويجري خلالها إنهاء عملية إزالة الركام، وإنهاء ترميم 60 ألف وحدة سكنية هي المدمرة جزئياً، وذلك بالتزامن مع إنشاء مئتي ألف وحدة سكنية جديدة للسكن الدائم، تستوعب حوالى 1.6 مليون فرد، بالإضافة إلى استصالاح عشرين ألف فدانٍ من الأراضي الزراعية، وإنشاء المرافق والشبكات والمباني الخدمية اللازمة للبدء في تقديم الخدمات الأساسيّة مثل الكهرباء والاتصالات، كما يجري إنشاء منظومة تغذية المياه ومكافحة الحرائق.
أما المرحلة الثانية، فتستمر لمدة سنتين ونصف السنة، بتكلفة قدرها 30 مليار دولار، والمستهدف خلالها مواصلة عملية إنشاء المرافق والشبكات والمباني الخدمية اللازمة، بالإضافة إلى إنشاء مئتي ألف وحدة سكنية جديدة دائمة، لاستيعاب 1.2 مليون نسمة، ليصبح إجمالي الوحدات السكنية الدائمة الموجودة في القطاع 460 ألف وحدة قادرة على استيعاب ثلاثة ملايين فرد، بالإضافة للبدء خلالها في إنشاء المنطقة الصناعية على مساحة 600 فدان، وميناء الصيد البحري والميناء التجاري ومطار غزّة.
الاحتياجات التمويلية
تقدر الاحتياجات التمويلية لتنفيذ خطة إعادة الإعمار بـ53 مليار دولار، مقسمة على المراحل التالية:
- مرحلة التعافي المبكر: بإجمالي احتياجات تمويلية لهذه المرحلة يقدر بثلاثة مليارات دولار، وتشمل إزالة الألغام والمواد غير المتفجرة والركام وتوفير سكن مؤقت والبدء في ترميم المباني السكنية المتضررة جزئياً.
- المرحلة الأولى لإعادة الإعمار: بإجمالي احتياجات تمويلية لهذه المرحلة يقدر بـ 20 مليار دولار، وتمتد حتى عام 2027، وتشمل إنشاء أعمال المرافق والشبكات والمباني الخدمية وإنشاء وحدات سكنية دائمة واستصلاح 20 ألف فدان.
- المرحلة الثانية لإعادة الاعمار: بإجمالي احتياجات تمويلية لهذه المرحلة يقدر بـ 30 مليار دولار، وتمتد حتى عام 2030، وتشمل استكمال المرحلة الثانية وإنشاء مناطق صناعية وميناء صيد وميناء بحري ومطار.
ووفق الخطة المصرية، فإنّ التنفيذ الفعال والسريع لخطة التعافي المبكر وإعادة الإعمار يتطلب توفير الموارد المالية اللازمة، بالنظر إلى حجم الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع، ومن ثم استعادة الحياة الطبيعية للمجتمعات المتضررة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، والمساعدة في تحقيق تنمية مستدامة على المدى الطويل، ومن ثم تحقيق الأمن والاستقرار.
ومن المهم وفق الخطة، تنويع مصادر التمويل وتحقيق التكامل والتنسيق فيما بينها، وتشمل مصادر التمويل المتاحة الأمم المتحدة والمؤسسات التمويلية الدولية والدول المانحة والصناديق الاستثمارية والهيئات والوكالات الحكومية للتنمية وبنوك التنمية، بالإضافة إلى حشد الاستثمار الأجنبي المباشر من الشركات الأجنبية ومتعددة الجنسيات، وتلعب منظمات المجتمع المدني دوراً هاماً من أجل حشد التمويل للاستجابة لاحتياجات التعافي وإعادة الإعمار.
ولتحقيق ذلك الغرض سيجري، وفق الخطة، إنشاء صندوق ائتماني تحت إشراف دولي، آليةً تمويليةً توجّه التعهدات المالية إليها، لإدارة هذه التعهدات بما يضمن كفاءة واستدامة تمويل خطة التعافي المبكر وإعادة الإعمار، والشفافية والرقابة اللازمة على أوجه إنفاق الموارد المالية التي سيجري توفيرها.
وفي هذا السياق، تعتزم الحكومة المصرية تنظيم مؤتمر وزاري رفيع المستوى لحشد الدعم اللازم لخطة التعافي المبكر وإعادة إعمار غزّة، في القاهرة، في أقرب وقت ممكن، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، وبمشاركة الدول المانحة والمنظمات والمؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية والقطاع الخاص الفلسطيني والدولي ومنظمات المجتمع المدني.
مؤشرات الاقتصاد الكلي
وانكمش اقتصاد غزّة بنسبة 83% في عام 2024، ما أدى إلى انخفاض مساهمته في الاقتصاد الفلسطيني من 17% إلى 3%، ووصلت معدلات البطالة في غزّة إلى 80%، بينما ارتفع التضخم بنسبة 309,4% في أكتوبر 2024 بسبب نقص الإمدادات.
ويعاني 91% من سكان غزّة (1,84 مليون شخص) من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 1,95 مليون شخص بحلول إبريل/ نيسان 2025.
في المقابل، فإن 64% من المراكز الصحية الأولية غير عاملة، و25% من المصابين بحاجة إلى إعادة تأهيل مدى الحياةK كما يوجد 745 ألف طفل خارج المدارس، إذ دمّرت معظم المدارس أو جرى تحويها إلى مراكز إيواءٍ للنازحين، ويحتاج أكثر من مليون طفل إلى دعم نفسي واجتماعي، فيما يوجد بين 17 و18 ألف طفل فقدوا أهلهم في غزّة.
منهجية إعداد الخطة
يستند منهج إعداد الخطة إلى أدلة علمية وخطوات واضحة ودقيقة للتأكد من صحّة الاستنتاجات، ومراجعة مصادر البيانات ومقارنتها. وهدف الخطة تحقيق التعافي المبكر وإعادة إعمار قطاع غزّة بأيدي فلسطينية لتخفيف معاناتهم الإنسانية، مع ضمان بقائهم في أراضيهم، وإعادة بناء القطاع والتعامل مع حجم الأضرار والخسائر على المستويات الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية، واقتراح مشروعات استثمارية تتولى السلطة الفلسطينية تنفيذها بالشراكة مع الجهات الراغبة، من خلال تزويد الأطراف المعنية بتقييم شامل لتأثير الصراع على سكان غزّة والأصول المادية والبنية التحتية والخدمات الأساسية.
وتقوم الورقة على تحديد الاحتياجات لإعادة إعمار البنية التحتية المادية، وتحفيز التعافي الاقتصادي والاجتماعي، واستعادة الخدمات الأساسية في القطاعات المختلفة، وتؤكد الورقة على أنّه جرى إعداد الخطة بصورة تضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، دون أي إعادة إسكان خارج القطاع، وبما يحفظ حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وتشدد الورقة على أن مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار هو ملكية الشعب الفلسطيني وبقيادة فلسطينية، كما أكدت على الاستفادة من التجارب السابقة والدراسات المستخلصة من حالات إعادة إعمار مشابهة، وتحديث التقييم استناداً إلى التطورات على أرض الواقع وإمكانية التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وتقوم منهجية التقييم على تقييم الأضرار والخسائر الناجمة عن الصراع بناءً على معايير عملية وعلمية دقيقة، واعتماد تقييم احتياجات القطاعات المختلفة لتحقيق تعافٍ مستدامٍ ومرن، وتوفير إطار مرجعي لصياغة خطة التعافي والإعمار، التي تتضمن التخطيط قصير الأجل وحشد الموارد، وتيسير التنسيق بين الجهات المعنية لتحديد الأولويات وترتيب الاحتياجات وفق استراتيجيات قطاعية متكاملة.

Related News

