اتفاقية إيني مع قبرص ومصر لتصدير الغاز إلى أوروبا: أهداف وتحديات
Arab
1 week ago
share

في خطوة تعكس تنامي التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة، وقّعت مجموعة "إيني" الإيطالية، قبل أسبوعَين، اتفاقية مع قبرص ومصر لتطوير حقل الغاز البحري "كرونوس" ونقل إنتاجه إلى منشآت التسييل المصرية، تمهيداً لتصديره إلى أوروبا. وتأتي هذه الاتفاقية في ظل سعي الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر الطاقة، وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، ما يجعل الغاز القبرصي مورداً استراتيجياً جديداً يعزز أمن الطاقة الأوروبي. كما تؤكد الاتفاقية على دور مصر المتنامي بوصفها مركزاً إقليمياً لتداول وتسييل الغاز الطبيعي، مستفيدة من بنيتها التحتية المتطورة وشراكاتها القوية في شرق المتوسط.

وتمثل هذه الاتفاقية مكسباً استراتيجياً لجميع الأطراف المشاركة، إذ تستفيد قبرص من منشآت التسييل المصرية لتسويق مواردها الغازية دون الحاجة إلى إنشاء بنية تحتية مكلفة، بينما تعزز مصر مكانتها محوراً رئيسياً لصادرات الغاز في المنطقة. أما "إيني"، فتؤكد بهذه الخطوة حضورها القوي في قطاع الطاقة بشرق المتوسط، ما يعزز دورها كياناً رائداً في تطوير المحروقات في المنطقة، كما توفر الاتفاقية فرصة لتعزيز الاستثمارات الأوروبية في مشاريع الطاقة الإقليمية، ما يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز التعاون بين دول شرق المتوسط.

وفي تعليقه على هذه الاتفاقية، ذكر المنسق العلمي لمرصد البحر المتوسط التابع لمعهد الدراسات السياسية بيوس الخامس، الدكتور فرانشيسكو أنغيلوني، أنّ "الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة في 17 فبراير/شباط 2025 بين إيني وحكومتَي مصر وقبرص هي ثمرة لتعاون طويل الأمد بين مصر وقبرص في قطاع الغاز، بما يعود تاريخه إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. 

الغاز القبرصي يستعد للانطلاق

وأشار أنغيلوني، في حديثٍ خاص لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "البلدين وقعا في عام 2003 اتفاقية لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لكل منهما، وشرعا في الفترة بين عامي 2013 و2015، في مناقشة إمكانية تصدير الغاز القبرصي إلى محطات تسييل الغاز المصرية بعد اكتشاف حقل أفروديت في عام 2011، في البلوك رقم 12 من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، ويعود تاريخ اتفاقية إنشاء خط أنابيب غاز بحري يربط قبرص بمحطتَي إسالة إدكو ودمياط المصريتين إلى عام 2018".

وأوضح أنّ  "اليونان كانت قد شاركت أيضاً في مبادرات مشتركة مع قبرص ومصر في الماضي، مثل الاتفاقية الثلاثية لعام 2020 لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة لكل منها، وتعزيز التعاون العسكري في شرق البحر المتوسط"، ولفت إلى أن "مجموعة إيني، من جانبها، متواجدة في قبرص منذ عام 2013 إذ تمتلك حصة 50% في البلوك رقم 6، بينما يرجع وجودها في مصر إلى عام 1954، وهي حالياً المنتج الرئيسي للمحروقات في البلاد، إذ بلغ إنتاجها حوالى 280 ألف برميل من النفط المكافئ يومياً في عام 2024".

ورأى أن "اتفاقية تطوير وتصدير الغاز الطبيعي من البلوك رقم 6، الواقع في المياه الإقليمية القبرصية، تمثل محطة رئيسية في إنشاء مركز للطاقة في شرق البحر المتوسط، بهدف استغلال البنى التحتية في مصر، وتنصيب قبرص منتجاً ومصدّراً جديداً للغاز"، مشيراً إلى أن "حقل كرونوس، الذي اكتُشف عام 2022 في البلوك رقم 6، يمتلك احتياطيات تقدر بأكثر من 85 مليار متر مكعب من الغاز، من شأنها تلبية جزء من الطلب على الطاقة في أوروبا، وبموجب بنود الاتفاقية، سيُنقل الغاز المستخرج من حقل كرونوس عبر خط الأنابيب إلى محطة معالجة ظهر في مصر، ومن ثم يُنقل إلى محطة دمياط لتسييل الغاز الطبيعي، الذي تمتلك فيه إيني حصة 50%، ليُصدّر بعدها إلى الأسواق الأوروبية".

وشدد على أن "هذه الاتفاقية تعزز التعاون في مجال الطاقة بين قبرص ومصر وترسخ في الوقت نفسه دور إيني لاعباً رئيسياً في قطاع الطاقة في شرق البحر المتوسط، وتتطلع الاتفاقية أيضاً إلى المستقبل، نظراً لأنه من المتوقع أن تكون ثمّة إمكانية لتطوير المزيد من الموارد في البلوك 6، مثل اكتشاف حقل زيوس في عام 2022، كما تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول المعنية وفي الوقت ذاته مواجهة مطالبات تركيا بشأن موارد الطاقة في المنطقة".

وأشار إلى أنه "ليس من قبيل الصدف، في هذا السياق، أن تتعرض الاتفاقية لانتقادات شديدة من السلطات التركية، إذ صرّحت وزارة الدفاع التركية بأن الاتفاقية الموقعة في فبراير/شباط تمثل تهديداً للاستقرار الإقليمي، وتعيق البحث عن حل للقضية القبرصية"، مضيفاً أن "أنقرة تتهم حكومة قبرص اليونانية بعدم الاعتراف بحقوق جمهورية شمال قبرص التركية، التي تنفرد أنقرة بالاعتراف بها، في الحقول الواقعة قبالة سواحل قبرص".

 وأوضح أن "تركيا لا تعترف، لهذا السبب ذاته، بالاتفاقيات التي وقعتها قبرص (اليونانية) مع دول أخرى لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، ولم تتوانَ في الماضي عن اتخاذ إجراءات قوية، مثل إرسال سفن حربية إلى المنطقة لمنع أنشطة التنقيب عن الطاقة، وفي عام 2018، منعت البحرية التركية سفينة الحفر التابعة لشركة إيني المرخصة من السلطات الحكومية القبرصية".

وخلص أنغيلوني إلى أنه "إذا كانت هذه الاتفاقيات تعزز التعاون السياسي وفي مجال الطاقة بين قبرص ومصر وإيطاليا، التي تريد حكومتها الحالية إعادة إطلاق دورها القوي في البحر المتوسط من خلال خطة ماتي، فإنها تسهم في الوقت عينه في الإبقاء على حدّة التوتر في المنطقة مع تركيا، وزيادة تعقيد الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل دبلوماسي للقضية القبرصية المستمرة منذ عقود". 

وفي سياق متصل، ذكرت مجلة "بانوراما" الإيطالية، في تقرير نشرته بتاريخ 18 فبراير/شباط وحمل عنوان "ميلاد مركز غاز البحر المتوسط"، أنّ مركز غاز شرق البحر المتوسط تبلور من خلال الاتفاقية الموقعة بين إيني وقبرص ومصر، التي من شأنها جلب المزيد من الغاز إلى أوروبا، والسماح بأن تكون أقل اعتماداً على الإمدادات القادمة من روسيا، التي تراجعت من 40% لتصل إلى 8% في عام 2023.

وأوضحت المجلة أنه من أجل تحقيق هذا الهدف، كان على أوروبا زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المُسال، فحصلت، في النصف الأول من عام 2024، على 44% من احتياجاتها من قطر، و 33% من الولايات المتحدة و15% من الجزائر، علاوة على التحالف مع مصر وقبرص، والسعي نحو التعاون الطاقوي مع ألبانيا والسعودية وتونس والجزائر ودول أخرى في شمال أفريقيا، وختمت بقولها إن "هذه التحركات من شأنها السماح بتنويع مصادر الإمداد، وكذا تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي المُسال الأميركي باهظ الثمن".

بدوره، رأى موقع "كوي فينانسا" الإيطالي الاقتصادي في تقرير حمل عنوان "غاز، اتفاقية إيني مع مصر وقبرص من أجل الاستقلالية الطاقوية لأوروبا"، أن أهمية الاتفاقية ثلاثية الأطراف تنبع أيضاً من التقييم الذي يجريه حالياً الاتحاد الأوروبي لإمكانية تمديد أجل إلزام الدول الأعضاء بتعبئة 90% من سعة خزانات الغاز الطبيعي خلال الأول من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، وأضاف الموقع أن الاتحاد الأوروبي يدرس أيضاً فرض سقف لسعر الغاز من أجل تجنب تعريض الأسر والشركات للمخاطر، وهي الفرضية التي أثارت انتقادات الشركات المنتجة.  

ولم يفُت الموقع الإشارة إلى أن "حكومة ميلوني رفضت على الدوام، لدوافع استراتيجية، خفض مستوى شراكاتها التجارية مع مصر، بناء على مطالبات ملحّة من منظمات حقوقية في أعقاب مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وسجن باتريك زكي".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows