مواصفات غيتو "رفح الجديدة" وآلية عمله: فرز وحبس وتهجير
Arab
2 days ago
share

يتكشف المزيد من التفاصيل حول الغيتو الذي تعتزم دولة الاحتلال الإسرائيلي إقامته للفلسطينيين على أنقاض رفح جنوبي قطاع غزة، والذي أعلن عنه وزير الأمن يسرائيل كاتس هذا الأسبوع، تحت الاسم المضلل "مدينة إنسانية". وتثير الخطة الإسرائيلية التي تهدف في المرحلة الأولى لدفع 600 ألف فلسطيني إلى المنطقة وحبسهم هناك، ثم دفعهم للهجرة، معارضة دولية، لكن منذ بداية حرب الإبادة، لم تكترث إسرائيل للمجتمع الدولي، وفعلت ما تريده من قتل وتشريد وتهجير دون رادع.

مع هذا، تثير هذه الخطة بعض التساؤلات حتى داخل دولة الاحتلال نفسها، بشأن تعارضها مع القانون الدولي، وحتى على المستوى العملياتي، وإمكانية تنفيذها وعواقبها. وشبّه حتى صحافيون إسرائيليون، ربما بشكل تلقائي أو لقناعات في داخلهم لا يجرؤون على إبدائها عادة، فكرة الخطة بما كان يحدث في الغيتوات في فترة الهولوكوست، قبل أن يضطر بعضهم للتراجع والاعتذار تحت وطأة الضغط والانتقادات الشديدة. ووُلدت الخطة التي يحاول كاتس تسويقها تحت عنوان "مدينة إنسانية"، قبل عام ونصف في مكتب منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق الفلسطينية المحتلة، وفق ما ذكره تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية اليوم الجمعة.

وكانت الفكرة "بسيطة"، حيث "تنقل إسرائيل السكان من منطقة إلى أخرى داخل قطاع غزة، وخلال هذه العملية، تقوم بفرزهم، ومن يُشتبه بانتمائه إلى "حماس" لا يُسمح له بالانتقال. وينفذ الجيش الإسرائيلي في المنطقة التي تُخلى، عملية تنظيف جذرية وشاملة: يقتل، ويعتقل، ويدمّر". ولم تنجح الخطة في شمال القطاع، بحيث إن "التهجير تم، لكن الفرز لم ينجح. وأُعيد في الآونة الأخيرة إحياؤها في الجنوب، في المنطقة الواقعة بين محور موراغ وما كان يُعرف بمحور فيلادلفي، تحت اسم جديد ومضلل: مدينة إنسانية".

وذكر التقرير أنها مناورة سياسية، أكثر من كونها خطة عسكرية. ووفقاً للتقارير الواردة من واشنطن، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفرض فيتو. لكن ليس مصير المهجّرين ما يقلقه، بل مصير الصفقة التي يسعى لإتمامها.

 تفاصيل الخطة كما عُرضت على الجانب الأميركي

استناداً إلى ما نشرته الصحيفة العبرية، تنص الخطة الإسرائيلية التي قُدمت للإدارة الأميركية على ما يلي: "فور بدء وقف إطلاق النار، تدخل الجرافات إلى المنطقة، لتُظهر للغزيين وللعالم أن شيئاً جديداً يحدث. تُقام مراكز توزيع غذاء، ومرافق صحية، وعيادات، ومستشفى. في المرحلة التالية، يُسمح لـ600 إلى 700 ألف شخص يعيشون حالياً في خيام في منطقة المواصي، بالانتقال جنوباً. يخضعون لفرز دقيق. تُنظّف المنطقة المُخلاة (أي التي أخليت في المواصي)، ثم يُهجَّر إليها مئات الآلاف الآخرون، الذين يعيشون اليوم في ما كان يوماً غزة وخانيونس، ومخيمات الوسط وبناتها. وفي المرحلة التالية، توضح إسرائيل للدول المجاورة: لقد انتهينا من حماس. من الآن فصاعداً، غزة ليست مشكلتنا فقط. الآن حان دوركم".

وتزعم مصادر إسرائيلية أن الخطة لا تشمل الهجرة، إذ "أوضح مسؤولون سعوديون وإماراتيون لترامب أن الهجرة ليست خياراً، إذا كان يريد أموالهما ودعمهما". وسأل مسؤولون أميركيون كيف يمكن تنفيذ خطة كهذه خلال 60 يوماً. ورد عليهم الإسرائيليون، وفق التقرير العبري ذاته: "أنتم لا تعرفون الغزيين. محمد يحمل خيمته على رأسه، ويضع عائلته على العربة مع الحمار ويتنقّل. أنتم تتوقعون مدينة يكون لكل عائلة فيها عنوان: كتلة A، صف B، خيمة 123، لكن الأمور لا تسير هكذا في غزة".

يفضل جيش الاحتلال تسمية الغيتو، الذي يسميه المسؤولون الإسرائيليون "مدينة إنسانية"، باسم "رفح الجديدة"، حيث سيُقام فيها حكم محلي يعتمد على العشائر. ويقول مسؤول إسرائيلي رسمي لم تسمّه الصحيفة العبرية، إنه "كلما ضعف نفوذ حماس، زاد نفوذ العشائر. غزة أكثر عشائرية من الضفة. ستتولى العشيرة تنظيم توزيع الغذاء، والدور في العيادة. وأفرادها لن يحملوا السلاح". أما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، وفق التقرير ذاته، فسيتم التخلي عن المحتجزين الإسرائيليين في غزة مرة أخرى، وسيتعين على نتنياهو التعامل مع رئيس أميركي متقلّب المزاج ومحبط، وسيزداد الضغط للاستيطان في المناطق التي تم إخلاؤها من سكانها، وسيقام حكم عسكري في الجيب السكاني. وسيقرّب الحكم العسكري في غزة إعادة إقامة الحكم العسكري في الضفة الغربية. وبحسب مصدر إسرائيلي رسمي: "منذ اتفاقيات أوسلو، نحن نتحرك على المحور بين الدولة الفلسطينية والحكم العسكري. ولم نكن يوماً قريبين إلى هذا الحد من الحكم العسكري".

تصادم مع القانون الدولي

قال كاتس في تصريح رسمي إن من يدخل "المدينة الإنسانية" لن يُسمح له بالخروج، وإن الدخول إليها سيكون عبر ممرات ضيقة، دون وجود عناصر من "حماس". كما زعم أن جيش الاحتلال قادر على إقامتها خلال 60 يوماً من وقف إطلاق النار مع الحركة. وفي الوقت نفسه، تخطط إسرائيل لاستخدام الغيتو، لتشجيع السكان الغزيين على الهجرة خارج القطاع. وسيركّز الاحتلال معظم المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع داخل المنطقة المذكورة، بهدف جذب السكان الغزيين إليها. وذكرت القناة 12 العبرية عبر موقعها، اليوم الجمعة، أنه إلى جانب التحديات العملياتية والضغوط الدبلوماسية، تثير الخطة الإسرائيلية الجديدة أيضاً أسئلة قانونية صعبة، وقد تتعارض مع القانون الدولي في عدة أجزاء منها.

ونقلت عن رئيس قسم القانون الدولي العام في الجامعة العبرية في القدس المحتلة يوفال شانيه، قوله "هذه تبدو لي خطة غير قانونية من حيث القانون الدولي. المشكلة الأساسية هي نقل الناس قسراً داخل منطقة قتال تخضع جزئياً لسلطة احتلال. هذا أمر لا يسمح به القانون إلا في حالات استثنائية جداً، مثل ضرورة عملياتية فورية. لكن لا يمكن إجبار الناس على الانتقال دون وجود حاجة عملياتية ملموسة، ولا يبدو أن هذا هو الحال هنا".

ويؤكد شانيه أن "تشجيع" السكان على الانتقال إلى المدينة من خلال تركيز المساعدات الإنسانية فيها فقط، يُعتبر إكراهاً في نظر القانون الدولي. كما يشير إلى أن حقيقة إجلاء السكان الغزيين عدة مرات خلال الحرب تزيد من تعقيد الوضع القانوني. المسألة الثانية التي تثير صعوبة قانونية هي منع الخروج من "المدينة"، مثلما أعلن وزير الأمن كاتس. ويوضح شانيه، أنه "حتى عندما يكون من الممكن إجلاء الناس أثناء القتال، يجب أن يكون الإجلاء مؤقتاً مع إمكانية العودة. إذا كانت الخطة تمنعهم من مغادرة المدينة، فهي غير قانونية. لا يمكنك حبس الناس، فهذا يتعارض مع القانون الدولي".

بالإضافة إلى ذلك، فإن حث السكان الفلسطينيين على الهجرة من غزة يُعتبر أيضاً مشكلة قانونية، وفقاً لشانيه، بحيث "لا يمكنك إجبار الناس على المغادرة أو تشجيعهم على ذلك. الحوافز الإيجابية للهجرة تُعد إشكالية، أما الحوافز السلبية فهي إكراه غير قانوني". ويحذر شانيه من العواقب المحتملة لتنفيذ الخطة، ويقول إن بعض جوانبها قد تدخل في نطاق القانون الجنائي الدولي، وقد يُنظر إليها على أنها جرائم حرب، وأنها "قد تفتح جبهة قانونية جديدة ضد إسرائيل".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows