تحذير من وكالة الطاقة الدولية لروسيا: تحد بنيوي قد يعصف بصناعة النفط
Arab
2 days ago
share

في عالم تُعيد فيه الطاقة رسم موازين القوى، تواجه روسيا اليوم تحديًا دقيقًا في أحد أكثر قطاعاتها استراتيجية، النفط. فرغم مكانتها بوصفها أحد أكبر منتجي الخام في العالم، تشير مؤشرات الأسواق الدولية والتقارير المستقلة إلى أن قدرتها على الحفاظ على مستويات الإنتاج والتصدير باتت محل شك.

تقرير حديث للوكالة الدولية للطاقة، نقلته "بلومبيرغ"، سلّط الضوء على هذا التراجع، محذرًا من أن الصادرات الروسية من النفط والمنتجات البترولية بلغت مستويات غير مسبوقة من الضعف، وسط استمرار الضغوط الاقتصادية والعقوبات الغربية. وبينما تصر موسكو على إبقاء أرقامها سرية، يكشف الواقع الميداني عن صورة مختلفة تمامًا، قد تحمل في طياتها تحولات كبرى في سوق الطاقة العالمي.

في هذا السياق، قالت الوكالة الدولية للطاقة، في تقريرها الشهري، إن تدهور صادرات روسيا من النفط الخام والمنتجات النفطية يثير الشكوك بشأن قدرة البلاد على دعم طاقتها الإنتاجية. وأضافت الوكالة، التي تتخذ من باريس مقرًا لها: "ظلت كميات كل من النفط الخام والمنتجات عند مستويات ضعيفة للغاية في يونيو/حزيران، وهي الأدنى موسميًا منذ خمس سنوات"، مشيرة إلى أن التدفقات تراجعت طوال معظم عامي 2024 و2025، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة روسيا على الحفاظ على طاقتها الإنتاجية في المنبع.

ووفقًا للوكالة، استقرت شحنات روسيا اليومية من النفط الخام في يونيو/حزيران عند 4.68 ملايين برميل، بينما انخفضت صادرات المنتجات النفطية بمقدار 110 آلاف برميل يوميًا، لتصل إلى 2.55 مليون برميل يوميًا، وفقاً لـ"بلومبيرغ".

تُعد روسيا من بين أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، لكنها صنّفت بيانات إنتاجها وصادراتها عقب غزو أوكرانيا، مما يجعل تقييم حالة قطاع المنبع الروسي بشكل مستقل أمرًا بالغ الصعوبة. ولذلك، يعتمد مراقبو السوق على بيانات تتبّع السفن، وتقديرات تشغيل المصافي، وتقييمات مدى التزام روسيا بحصتها الإنتاجية ضمن تحالف "أوبك+" لفهم أداء الصناعة الروسية.

وتُظهر بيانات تتبّع السفن من "بلومبيرغ" تراجعًا في صادرات روسيا البحرية من النفط الخام، حيث وصلت في يونيو/حزيران إلى أدنى مستوياتها منذ فبراير/شباط. ومع ذلك، حافظت المصافي الروسية على مستويات تشغيل جيدة خلال الشهر، رغم أعمال الصيانة الموسمية، ما انعكس على انخفاض التدفقات البحرية، وفقًا لتقديرات "بلومبيرغ". كما تراجعت صادرات المنتجات النفطية الروسية في يونيو/حزيران إلى أدنى مستوى لها خلال ثمانية أشهر، رغم قوة تشغيل المصافي، وذلك في ظل تشجيع السلطات الروسية للمنتجين على الاحتفاظ بالبنزين والديزل لتلبية الطلب المحلي المرتفع المتوقع من القطاع الزراعي.

وتُظهر البيانات الروسية المتعلقة بالامتثال لحصص "أوبك+" أن البلاد رفعت إنتاجها، في وقت بدأ التحالف إعادة مئات الآلاف من البراميل إلى السوق بعد تقليص سابق. لكن بالنسبة لروسيا، فإن وتيرة العودة لا تزال بطيئة، إذ تسعى إلى تعويض فائض الإنتاج السابق. حتى الآن، لم تُغيّر الوكالة الدولية للطاقة تقديرها للطاقة الإنتاجية المستدامة لروسيا، والتي تبلغ 9.8 ملايين برميل يوميًا، وهي مستويات يمكن الوصول إليها خلال 90 يومًا والحفاظ عليها لفترة ممتدة.

ويُقارن هذا الرقم بإنتاج روسيا من النفط الخام، دون احتساب المكثفات، والذي بلغ 9.19 ملايين برميل يوميًا في يونيو/حزيران، أي أعلى بـ140 ألف برميل يوميًا من هدف روسيا المحدد ضمن اتفاق "أوبك+" لهذا الشهر، بحسب الوكالة. وعلى الرغم من انخفاض إجمالي تدفقات النفط إلى الخارج، ارتفعت إيرادات روسيا من الصادرات بأكثر من 800 مليون دولار في يونيو/حزيران، لتصل إلى 13.6 مليار دولار، بزيادة 6.4% عن مايو/أيار، مدفوعة بارتفاع متوسط أسعار النفط العالمية نتيجة المخاوف من التوترات في الشرق الأوسط، بحسب التقرير.

صناعة النفط الروسية على المحك

يكشف تقرير الوكالة الدولية للطاقة عن تحدٍ بنيوي حقيقي يعصف بقطاع النفط الروسي، وهو قطاع ظل لفترة طويلة يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الروسي ومصدرًا رئيسيًا للإيرادات الحكومية. ورغم صمود موسكو أمام العقوبات الغربية وتكيّفها المرحلي مع واقع ما بعد الغزو الأوكراني، إلا أن مؤشرات التراجع في الصادرات وتذبذب الإنتاج تفضح هشاشة البنية التحتية للطاقة، وتثير الشكوك حول استدامة هذا الصمود على المدى الطويل.
الضغوط التي تمارسها العقوبات الغربية لا تقتصر على الحظر أو القيود المالية، بل تطاول العمق التكنولوجي للصناعة النفطية، حيث حُرمت روسيا من الوصول إلى معدات الحفر المتقدمة وتقنيات استخراج النفط المعقدة، ما يُضعف قدرتها على تطوير حقول جديدة أو تعويض النضوب الطبيعي في الحقول القديمة.

وفي هذا الإطار، يصبح مستقبل الإنتاج الروسي مرهونًا بعدة متغيرات متشابكة، أبرزها، مدى استمرار العقوبات الغربية وتعقيداتها التقنية، إمكانية روسيا للوصول إلى شركاء بديلين (كالصين وإيران) لتعويض النقص التكنولوجي، قدرة موسكو على تحفيز القطاع المحلي للاستثمار في البنية التحتية النفطية رغم بيئة الأعمال الصعبة، واستمرار الطلب العالمي على النفط الروسي رغم الخصومات السعرية والمخاطر الجيوسياسية.

إن استمرار روسيا في الحفاظ على طاقتها الإنتاجية الحالية دون استثمارات كبرى أو انفتاح اقتصادي يبدو أمرًا محفوفًا بالمخاطر، خاصة في ظل تعقيدات التحالفات الجيوسياسية، والضغوط الدولية المتزايدة، والتحولات المرتقبة في أسواق الطاقة العالمية نحو مصادر أكثر استدامة. وبالتالي، فإن موسكو قد تجد نفسها قريبًا أمام مفترق طرق حاسم: إما الاستمرار في إدارة الأزمة بالطريقة نفسها مع تآكل تدريجي لقدرتها الإنتاجية، أو السعي إلى تسويات استراتيجية تُمكّنها من استعادة دورها المستقر كمصدر رئيسي للطاقة في الأسواق العالمية، ولكن بشروط جديدة ومعادلات مختلفة.

وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز" اليوم الجمعة، عن محللي "آي.إن.جي" في مذكرة للعملاء، فإن الأسعار عوضت بعضًا من هذا الانخفاض، بعدما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يعتزم إصدار إعلان مهم بشأن روسيا يوم الاثنين. وقد يثير هذا الإعلان قلق السوق من احتمال فرض المزيد من العقوبات على موسكو. وكان ترامب قد أعرب عن خيبة أمله من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب عدم إحراز تقدم في جهود السلام مع كييف، إلى جانب القصف الروسي المكثف للمدن الأوكرانية. وفي السياق ذاته، أشار محللو "بي.إم.آي" في تقريرهم الأسبوعي إلى أن العوامل الأساسية في السوق، إلى جانب تحسن الطلب الموسمي، قدّمت دعمًا إضافيًا لأسعار النفط، كما ساهمت في ذلك الهجمات المتجددة التي شنها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows