مكاسب عُمان من الوساطات: جذب الاستثمار والسياح وفتح أبواب الدقم
Arab
2 days ago
share

تواصل سلطنة عمان لعب دور الوسيط المحوري في تهدئة التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وهو ما سلط الضوء على الأثر الاقتصادي الملموس لذلك في السلطنة، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو في حياة المواطن العادي، عبر دعم بيئة الاستثمار فيها، وارتفاع ثقة المستثمرين الأجانب بالسوق العمانية، خاصة في قطاعات الطاقة واللوجستيات والبنية التحتية.

ويعزو خبراء هذا الأثر إلى نجاح عمان في التوسط لعقد جولات جديدة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، حيث استضافت مسقط جولات غير مباشرة بين الطرفين، إضافة إلى لعب دور حاسم في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، ما أدى إلى كبح هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وبالتالي ضمان انسيابية التجارة البحرية الدولية التي تعتمد عليها عمان بشكل كبير في صادراتها ووارداتها. كما لعبت دور الوسيط في ملفات أخرى.

الدقم وصلالة

عن تلك المكاسب يشير الخبير الاقتصادي عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان بيان الخوري، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاقتصاد العماني يمر منذ سنوات بموجبات تنموية دقيقة، نتيجة للدور الحيادي والوسيط الذي تلعبه السلطنة في منطقة متقلبة ومتأرجحة بين الأزمات، فعُمان لا تنحاز إلى طرف دون آخر، بل تعتمد الحوار والإنصات وسيلةً لتحقيق التوازن، وهو ما بدأ ينعكس إيجاباً على اقتصادها الداخلي وعلى حياة المواطنين اليومية.

فكلما خفت حدة التوترات الإقليمية، خاصة بين الولايات المتحدة وإيران أو بين الحكومة اليمنية والحوثيين، زادت ثقة المستثمرين بالمنطقة، وحين تتوسط عُمان بين هذه الأطراف، فإن هدفها ليس فقط دبلوماسياً، بل اقتصادياً أيضاً، حسب تقدير الخوري، مشيراً إلى أن هذا الهدوء يصبح غطاء يحمي الاستقرار العام، ويتيح عودة السيولة الاستثمارية التي كانت تترقب التطورات من بعيد.

وينعكس ذلك جلياً، بحسب الخوري، من خلال الاهتمام العالمي المتزايد بميناء الدقم، وبمنطقة صلالة الحرة، إضافة إلى توقيع اتفاقيات استثمارية جديدة مع شركاء من داخل الخليج وخارجه، مؤكداً أن الأثر الإيجابي للسياسة العمانية لا يقتصر على قطاع واحد، بل يشمل حتى الملف النفطي، الذي يتنفس بسهولة أكبر حين تستقر الأجواء حول مضيق هرمز، أحد أهم مسارات تصدير النفط.

وعلى الرغم من أن عُمان ليست من الدول العربية المنتجة للنفط بكميات كبيرة مثل السعودية أو الإمارات والكويت والعراق، إلا أنها تتأثر مباشرة بأي تصعيد في المنطقة، بحسب الخوري، لافتا إلى أن كل تهدئة يرافقها انخفاض تكاليف التأمين البحري، وتتحسن حصيلة الصادرات، ما ينعكس مباشرة على ميزان المدفوعات وعلى تصنيفها لدى الأسواق الدولية.

توسع الفوائد

لكن الفوائد لا تتوقف عند حدود النفط والاستثمار الأجنبي المباشر، بل تمتد إلى قطاعات أخرى ناشئة، بحسب الخوري، موضحاً أن عُمان أصبحت وجهة موثوقة لعقد المؤتمرات ولقاءات الوساطة، ما فتح آفاقاً جديدة أمام قطاعات السياحة والطيران المدني وخدمات الضيافة، وهي القطاعات التي تحولت إلى مصادر رئيسية لخلق فرص عمل، خاصة في المحافظات البعيدة عن العاصمة مسقط، حيث يبحث الشباب عن خيارات بديلة للوظائف الحكومية التقليدية.

غير أن الخوري يلفت، في هذا الصدد، إلى أن المواطن العادي قد لا يشعر بهذه التغيرات جميعها بشكل مباشر، بل يبدأ في ملاحظة مؤشراتها الصغيرة التي تتراكم مع الوقت، فتقلبات الأسعار، خاصة في السلع المستوردة، أصبحت أقل حدة، وبدأت فرص العمل تظهر في قطاعات لم تكن نشطة سابقاً مثل النقل البري والتجارة الصغيرة وتقديم الخدمات اللوجستية، مؤكداً أن إدارة هذه العائدات بحكمة من شأنها أن تساهم في تحسين البنية التحتية، وتطوير قطاعات الصحة والتعليم، وهما ركيزتان أساسيتان لأي نمو مستدام.

إلا أن هذا الطريق ليس سهلاً بحسب تقدير الخوري، فالدور الحيادي الذي تتبناه عُمان يثير بعض القوى التي تفضل الانحيازات والاصطفافات، لافتاً إلى أن هذه القوى قد تمارس ضغوطاً غير مباشرة على السلطنة، سواء عبر وسائل الإعلام أو من خلال تحريك الشركاء الإقليميين، كما أن ربط جزء من الاقتصاد بدور سياسي حساس يعني أن أي تراجع دبلوماسي يمكن أن يترك أثراً اقتصادياً مباشراً.

ولذا، يرى الخوري أنه من الضروري تحويل المكاسب السياسية العمانية إلى مشاريع اقتصادية ملموسة، لا تبقى مجرّد سمعة أو رصيد معنوي، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تأسيس منصات حوار دائمة، ودعم مراكز بحثية دولية، وتعزيز الشبكة التجارية انطلاقاً من الثقة التي بنتها عُمان لنفسها. 

هذه اللحظة، كما يرى الخوري، تمثل فرصة ذهبية لتحويل الوساطة العمانية من فعل موسمي إلى استراتيجية شاملة، تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع يشارك فيه الشباب، ويُفتح فيه المجال أمام المبادرات الصغيرة والمتوسطة، خاصة في مجالي السياحة البيئية والطاقة النظيفة، بدلاً من الاعتماد التقليدي على النفط أو على الدولة مشغلاً وحيداً.

نموذج عمان مميز

وفي السياق، يشير الباحث في الاقتصاد السياسي ومدير المركز الدولي لدراسات التنمية مصطفى يوسف، لـ"العربي الجديد"، إلى أن سلطنة عمان تمتع بدور مركزي وحيادي على الساحة الإقليمية والدولية واستقلالية في قرارها السياسي، ما يمنحها احتراماً خاصاً من القوى الإقليمية والدولية ينعكس إيجاباً على اقتصادها المحلي.

ويوضح يوسف أن هذا الانعكاس يدعم اعتماد السلطنة نموذجاً تنموياً هادئاً لا يعتمد على التوسعات الكبيرة أو الديون الضخمة، مثل ما هو الحال في بعض دول الجوار الخليجية، وهذا النهج الحذر يجعل الاستثمارات فيها مرتبطة أكثر بالاقتصاد الحقيقي، بعيداً عن المضاربات أو المشاريع غير الواقعية.

ويضيف يوسف أن حكمة التعامل مع القضايا الإقليمية، سواء بين الولايات المتحدة وإيران أو مع أطراف إقليمية أخرى مثل الحوثيين، تجعل عمان في منأى عن كثير من التوترات، وتخلق نوعاً من الاحترام المتبادل بينها وبين هذه القوى، وهو ما لا يتوفر لبعض دول الخليج التي انخرطت في ممارسات بلغت حد التجسس على دول خليجية أخرى.

وبسبب هذا المناخ من الحكمة والاستقرار، أصبحت عمان وجهة آمنة للمستثمرين الباحثين عن عوائد مستقرة ومشاريع طويلة الأمد، بعيداً عن المضاربات العقارية أو النماذج الاستثمارية المبنية على التوسع السريع، بحسب يوسف، لافتاً إلى أن السلطنة لا تبني اقتصادها على مشاريع ضخمة وغير مجدية مثل "التوسع العقاري" أو "سياحة المؤتمرات"، بل تركز على نماذج استثمارية متنوعة، منها الصناعات المرتبطة بالبتروكيماويات والسياحة العائلية.

ويخلص مصطفى يوسف إلى أن "النموذج العماني" بات عنواناً للاستقرار الذي يجعل الدولة أقل عرضة للأزمات الاقتصادية الكبرى، وهو ما يفسر استمرار تدفق الاستثمارات إليها بمعدلات ثابتة رغم الظروف الإقليمية والتوترات الجيوسياسية العالمية، لافتاً إلى أن نموذج الهيئة العامة للاستثمار في السلطنة يعكس "التوجه المحافظ" في الاقتصاد، والذي يتجنب المجازفات الكبيرة، ويضع الاستدامة فوق كل اعتبار، ما ساعد على تحقيق توازن بين التنمية والحفاظ على الموارد.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows